منزلة الذكر :
يستعمل الذِّكر بمعنى ذِكر العبد لربه عز وجل ، سواء بالإخبار المجرد عن ذاته ، أو صفاته ، أو أفعاله ، أو أحكامه أو بتلاوة كتابه ، أو بمسألته ودعائه ، أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه ، وتمجيده وتوحيده وحمده وشكره ، وتعظيمه .
ويستعمل الذكر اصطلاحًا بمعنى أخص من ذلك ، فيكون بمعنى إنشاء الثناء بما تقدم ، دون سائر المعاني الأخرى المذكورة ، ويشير إلى الاستعمال بهذا المعنى الأخص قوله تعالى :
” إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ “. (العنكبوت : 45)
والذِّكر ركنٌ قويٌّ في طريق الحق سبحانه وتعالى ، بل هو العمدة في هذا الطريق ، ولا يصل أحدٌ إلى الله تعالى إلا بدوام الذكر .
كما قال الإمام القشيري رحمه الله .
والذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ، مالم يغلقه العبد بغفلته .
فالحذار الحذار من الغفلة عن ذكره تعالى ؛ فاللسان الغافل كالعين العمياء ، والأذن الصماء ، واليد الشَّلاء .
واعلم يا عبدالله أن نبيك محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه ؛ كما أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وحسبك أنك بذكرك لله عز وجل تكون جليسًا لملك الملوك جل في علاه ؛ الذي يقول في الحديث القدسي : ” أنا جليس من ذكرني “.
كما أنك تكون في حصانة من الشيطان ؛ قال تعالى : ” وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ “. (الزخرف : 36)
قال ابن القيم رحمه الله :
الذكر قوت قلوب القوم ، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا ، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا ، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق .
قال الله تعالى في كتابه العزيز :
” إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا “. (الأحزاب : 35)
تأمل الآية السابقة جيدًا ، وانظر أين وردت فيها كلمة ” كثيرا “.
هناك صفة واحدة وردت معها كلمة ( كثيرا ) ، فلم يقل سبحانه وبحمده : والمتصدقين كثيرًا ولا الصائمين كثيرًا ! لكنه قال : ( والذاكرين الله كثيرًا ).
وعندما أوصى الله نبيه زكريا عليه السلام قال :
” قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِّىٓ ءَايَةً ۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلْإِبْكَٰرِ “.
ونبي الله موسى عليه السلام كان مدركًا لحقيقة هذا الكنز فقال :
” كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا “.
وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا “.
وعلى العكس ، فإن من صفات المنافقين أنهم ” لا يذكرون الله إلا قليلا “.
وحتى حين لقاء العدو في الحرب : ورد الأمر بكثرة الذكر :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “.
عبادة ﻻ تحتاج إلى وضوء ، ولا اتجاه لقبلة ، ولا مال ، وﻻ جهد ، وﻻ وقت محدد ، ولا حتى بذل وعطاء .
ولكن تحتاج إلى توفيق من الله .
وكثرة الذكر دليل على كثرة الفلاح ، فمن ذَكَر الله أحبه ، ومن أحبه وفقه وهداه ؛ ( واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون ).