قارون صاحب الأموال الطائلة من زمن الزمان ، وفرعون الذي ادَّعَى الألوهية بلا عنوان ، ووزيره الذي كان ؛ فكان أسوأ مما كان ؛ إنه الوزير هامان .
عليهم جميعًا ما يستحقون من الذل والهوان .
قال الله جل وعلا : ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ “. (غافر : 23-24)
وقال عز من قائل : ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى “. (القصص : 76)
وقال تبارك وتعالى : ” فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ “. (القصص : 8)
وقال الملك جل في علاه : ” وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ “. (العنكبوت : 39)
- وعن تفسير آية العنكبوت ، ففي الجلالين :
«و» أهلكنا «قارون وفرعون وهامان «ولقد جاءهم» من قبل «موسى بالبيّنات» الحجج الظاهرات «فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين» فائتين عذابنا .
- وفي التفسير الميسر :
وأهلكنا قارون وفرعون وهامان ، ولقد جاءهم جميعًا موسى بالأدلة الواضحة ، فتعاظموا في الأرض ، واستكبروا فيها ، ولم يكونوا ليفوتوننا ، بل كنا مقتدرين عليهم .
- تفسير ابن كثير :
قال في شرح الآية 39 من سورة العنكبوت :
وقارون صاحب الأموال الجزيلة ومفاتيح الكنوز الثقيلة .
وفرعون ملك مصر في زمان موسى ووزيره هامان القبطيان الكافران .
- تقديم قارون :
قال الإمام الألوسي رحمه الله :
تقديم قارون ؛ لأن المقصود تسلية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيما لقي من قومه لحسدهم له ، وقارون كان من قوم موسى عليه السلام وقد لقي منه ما لقي ، أو لأن حاله أوفق بحال عاد وثمود فإنه كان من أبصر الناس وأعلمهم بالتوراة ولم يفده الاستبصار شيئًا كما لم يفدهم كونهم مستبصرين شيئًا ، أو لأن هلاكه كان قبل هلاك فرعون وهامان فتقديمه على وفق الواقع ، أو لأنه أشرف من فرعون وهامان لإيمانه في الظاهر وعلمه بالتوراة وكونه ذا قرابة من موسى عليه السلام ، ويكون في تقديمه لذلك في مقام الغضب إشارة إلى أن نحو هذا الشرف لا يفيد شيئًا ولا ينقذ من غضب الله تعالى على الكفر .
ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا عن الإيمان والطاعة في الأرض إشارة إلى قلة عقولهم لأن من في الأرض لا ينبغي له أن يستكبر .
وما كانوا سابقين أي فائتين أمر الله تعالى ، من قولهم : سبق طالبه أي فاته ولم يدركه ، ولقد أدركهم أمره تعالى أي إدراك فتداركوا نحو الدمار والهلاك ، وقال أبو حيان : المعنى وما كانوا سابقين الأمم إلى الكفر أي تلك عادة الأمم مع رسلهم عليهم السلام ، وليس بذاك وأيًّا ما كان فالظاهر أن ضمير كانوا لقارون وفرعون وهامان ، وقيل : الجملة عطف على أهلكنا المقدر سابقًا وضمير -كانوا- لجميع المهلكين .
– فرعون اسم شخص :
قال الباحث الأثري أحمد نور الدين :
إن هناك العديد من الأدلة فى القرآن الكريم والآثار التاريخية التى تؤكد أن كلمة ( فرعون ) فى الحضارة المصرية القديمة هى اسم شخص بعينه وليس لقبًا ، مشيرًا إلى اعتقاد علماء الآثار أن كلمة ( برعا ) التي ظهرت في عصر الأسرة الـ 18 بداية من عصر الملك تحتمس الثالث وتعني البيت الكبير هي لقب وليس اسمًا .
وأكد الباحث الأثري أن كلمة ( برعا ) أو فرعون هى تعريف اصطلاحي إداري كُتب في صيغته المصرية بمعنى القصر العظيم أو البيت العالي أو الكبير ، وربما شاع استخدام لقب ( برعا ) فيما بعد ليدل على مكان صنع القرار وهو ما يمكن تشبيهه اليوم بلغة الصحافة مثلًا عن سياسة ( البيت الأبيض ) في الولايات المتحدة الأمريكية وتعني بها سياسة رئيس الدولة وجهازه الأعلى .
وإذا قبلنا بهذه المقارنة في المعنى الذي يتطابق تمامًا فلا يمكن أن نتصور أن من بين ألقاب الرئيس الأمريكي ( البيت الأبيض ) ، موضحًا أن ( برعا ) لم يكن لقبًا للحاكم في مصر القديمة ولكن تعني ( سياسة ) البيت أو القصر العظيم والذي يصدر منه الحاكم أوامره .
وبالنسبة للدلائل فى القرآن الكريم ، قال إنها كثيرة ومنها أن كلمة فرعون في القرآن نجدها نكرة ؛ مما يدل أنه اسم علم وليس لقبًا أو صفة أو منصبًا ؛ مثل الملك أوالإمبراطور ، ولقد تم ذكر اسم هذا الحاكم ( فرعون ) 74 مرة في القرآن الكريم كلها نكرة بدون ( الـ ) فى دلالة واضحة على أنه اسم شخص بعينه ، كما لم يرد مطلقًا في القرآن جمع فرعون على صيغة فراعنة أو فراعين ، مما يؤكد أنه اسم وليس لقبًا .
وأشار إلى أن اسم فرعون جاء فى القرآن مع أسماء أشخاص آخرين ، فالنبى موسي عليه السلام توجه برسالته مخاطبًا ثلاثة أشخاص أحدهم اسمه فرعون والثاني يسمي هامان والثالث اسمه قارون .
وفى الآية 104 من سورة الأعراف : ” وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ” ، فلو كان فرعون لقبًا لقال موسى عليه السلام يا أيها الفرعون ، مثلما جاء في سورة يوسف :” يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ “. (سورة يوسف آية 88)
ولفت إلى أنه رغم مجيء الأنبياء إبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام إلى أرض مصر ومعاصرتهم لحكام في عصورهم إلا أنه لم يُطلق على أي من هؤلاء الحكام لقب الفرعون ، فالحاكم الذي عاصر إبراهيم عليه السلام أُطلق عليه ( الملك ) ، والحاكم الذي عاصر يوسف عليه السلام أطلق عليه ( الملك ) في خمسة مواضع ، وهناك أيضًا العزيز ، بينما الحاكم الذي عاصر موسي عليه السلام أُطلق عليه ( فرعون ) 74 مرة في القرآن الكريم دون -الـ التعريف- فى اشارة واضحة إلى أنه اسمه المجرد ( فرعون ) وليس لقبًا .
وأوضح أنه حتى فى التوراة التي خلطت كثيرًا بين ملك مصر وفرعون ، تقول فرعون ملك مصر ، أو فرعون المتربع على العرش ؛ ” قل لفرعون ملك مصر أن يطلق بني إسرائيل من أرضه ” (الخروج 6) ، والمقصود هنا هو شخص اسمه ( فرعون ) المتربع على عرش مصر ، لافتًا إلى أن التوراة قد ذكرت ملكًا مصريًا آخر وهو ( شيشق ) ( شاشانق ) وهو أقل من فرعون موسى أهمية .
فكيف للتوراة أن تغفل ذكر اسم من سامهم سوء العذاب وتذكره بلقبه وليس باسمه .
– هامان :
كان هامان وزير فرعون المقرب زمن نبي الله موسى عليه السلام .
ذكره القرآن الكريم صراحة في آيات تذكر أن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين .
أما ما ذكر في الآية 38 من سورة القصص فاستدل بها على أنه رئيس عمال المقالع كذلك .
– ذكره في القرآن :
ورد ذكر اسم هامان في القرآن صراحة ست مرات :
قال تعالى : ” وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ “. (العنكبوت : 39)
وقال تعالى : ” إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ “. (القصص : 4-8)
وقال تعالى : ” وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ “. (القصص : 38)
وقال تعالى : ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ “. (غافر : 23-24)
وقال تعالى : ” وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ “. (غافر : 36-37)
– يُمهل ولا يُهمل :
قال الله تعالى :
” أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ (7) ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ (8) وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ (9) وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ (10) ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ (11) فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ “. (الفجر : 6-14)
يقول أهل التفسير :
ألم تر -أيها الرسول- كيف فعل ربُّك بقوم عاد ، قبيلة إرم ، ذات القوة والأبنية المرفوعة على الأعمدة ، التي لم يُخلق مثلها في البلاد في عِظَم الأجساد وقوة البأس ؟
وكيف فعل بثمود قوم صالح الذين قطعوا الصخر بالوادي واتخذوا منه بيوتًا ؟
وكيف فعل بفرعون مَلِك ” مصر ” ، صاحب الجنود الذين ثبَّتوا مُلْكه ، وقوَّوا له أمره ؟
هؤلاء الذين استبدُّوا ، وظلموا في بلاد الله ، فأكثروا فيها بظلمهم الفساد ؛ فصب عليهم ربُّك عذابًا شديدًا .
إنَّ ربك -أيها الرسول- لبالمرصاد لمن يعصيه ، يمهله قليلًا ثم يأخذه أخْذَ عزيز مقتدر .