فقيه مصر وإمامها
– فقيه مصر وإمامها .. اسمه من أسماء الأسد ، وكان كالأسد الهصور بل هو أشد .. كان حاسمًا في الحق ومن الحسام أَحَدّ ، راجت تجارته ؛ فما كسدت ولاهو كَسَد ، وكان للبخل عدوًا ألد .
– وُلِد إمامنا الفقيه الحافظ الحُجَّة سنة 94 هجرية ، في قرية قلقشندة من أعمال محافظة القليوبية .
– قال الحافظ أبو نعيم في الحلية عن إمام أهل مصر -رحمه الله تعالى- : { كان فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ، ومن يفتخر بوجوده الإقليم ؛ بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ، ويرجعون إلى رأيه ومشورته ، وقد أراد المنصور أن ينوب عنه على الإقليم ؛ فاستعفى من ذلك }.
– وكان إمامنا يقول : { ليس كل ما في صدري في كتبي ، ولو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب!! }
– وكان الشافعي يقول عنه : { هو أتبع للأثر من مالك بن أنس }. وقال أيضًا : { هو أفقه من مالك ؛ إلا أن أصحابه لم يقوموا به }.
– ونحن نقول : سامحهم الله ، لواهتموا بكتابة فقهه ؛ لاختلف الوضع تمامًا بالنسبة له ولنا -كمصريين- ؛ لأن إمامنا الفذ عليه سحائب الرحمات قد قَدّم لدينه كل ما يملك من جهد وعلم ومال ووقت ؛ من أجل رفعة الدين ، وفي هذا قال ابن وهب : { لولاه ومالك ؛ لضل الناس }.
– كانت له موائد عامة للناس ؛ يطعمهم فيها الأصناف التي لا يُطعَمونها أصلًا في بيوتهم ؛ لعدم قدرتهم عليها .
وكان يعطي العلماء (ومنهم الإمام مالك) رواتب ثابتة دائمة ؛ تشجيعًا لهم على التفرغ لطلب العلم .
– قال محمد بن رمح عنه : { كان دخل الإمام ثمانين ألف دينار كل سنة ؛ ما أوجب الله عليه زكاة درهم قط !! }
رحم الله إمام مصر ؛ الإمام العلم ، الثري السخي ، الذكي الألمعي ، صاحب القلب التقي النقي .
– كان شيخ الإسلام في مصر ، لم يقم أصحابه بفقهه ؛ فاندثر مذهبه ، ولكنهم قاموا بحديثه ، وحدثوا عنه في الآفاق ؛ فروايته منتشرة في كتب السنة المختلفة . هو ثَبْتٌ ثقة بإجماع أهل الحديث .
– قال عنه ابن بكير : { كان فقيه البدن ، عربي اللسان ، يحسن القرآن والنحو ، ويحفظ الحديث والشعر ، وكان حسن المذاكرة }.
– وقال عثمان بن صالح : { كان أهل مصر ينتقصون عثمان -رضي الله عنه- حتى نشأ فيهم الليث بن سعد ؛ فحدثهم بفضائله ، فكفوا }.
– كان له كل يوم أربعة مجالس يجلس فيها : أولها : يجلس للسلطان في نوائبه وحوائجه .
وثانيها : لأهل الحديث ، وثالثها : لأهل الفقه ، ورابعها : لطلاب الحاجات .
– كان يطعم الناس في الشتاء : الهرائس بعسل النحل وسمن البقر ، وفي الصيف : سويق اللوز بالسكر !!
– كان يصل مالك بن أنس (إمام دار الهجرة) بمائة دينار في السنة .
كتب إليه مالك : { عليّ دَيْن } ؛ فبعث إليه بخمسمائة دينار ، وبعث إليه بثلاثين حِمل من عصفر عند زواج ابنته .
– جاءته امرأة وقالت : إن ابني عليل ويشتهي عسلًا ؛ فأعطاها مرط عسل (والمرط : مائة وعشرون رطلًا) .
– توفي إمام أهل مصر في النصف من شعبان لسنة 175هجرية ؛ يوم الجمعة ، وصلى عليه موسى بن عيسى .
ماشهد أهل مصر جنازة أعظم من جنازته .
عليه سحائب الرحمات .