العجب العجاب

حكاية قلب

حكاية قلب :

قال المعلم ﷺ :
” … ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب “.
( متفق عليه ).

قال الإمام القرطبي رحمه الله ، وهو يشرح معنى كلمة القلب :
{ وهو في الأصل مصدر قلبت الشيء أقلبه قلبًا إذا رددته على بداءته .
وقلبت الإناء : رددته على وجهه ، ثم نُقِل هذا اللفظ فسُمِّي به هذا العضو الذي هو أشرف الحيوان لسرعة الخواطر إليه ولترددها عليه ، كما قيل :
ما سُمِّي القلب إلا من تقلُّبه ***
فاحذر على القلب من قلب وتحول }.

يُحكى أنَّ : قلبًا حَنَّ ؛ فأنَّ ؛ فَسَبَّحَ ؛ فاسْتَغفرَ ؛ فَدَعَا ؛ فابتَهلَ ؛ فارتَاحَ ؛ فاطمأن .

اللهمم ثَبِّت قلوبنا على دينك .

عن أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : ” يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ “ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، آمَنَّا بِكَ ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : ” نَعَمْ ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ “.
( رواه الترمذي ، وصححه الألباني ).

الله عز وجل بيده مقاليد كل شيء ، حتى قلوب العباد ؛ فهو سبحانه أملك لقلوب عباده منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يُدرك به شيئًا من إيمان أو كفر ، أو أن يَعِي به شيئًا ، أو أن يفهم ، إلا بإذنه ومشيئته .

وفي هذا يقول الإمام الطبري رحمه الله :
{ الحول بين الشيء والشيء ، إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه ، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبَه إدراكَه سبيلٌ .
وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك قول من قال : ( يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان ) ، وقول من قال : ( يحول بينه وبين عقله ) ، وقول من قال : ( يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه ) ، لأن الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه ، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما مُنِع إدراكه به على ما بيَّنتُ .
غير أنه ينبغي أن يقال : إن الله عم بقوله : ” واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ” ، الخبرَ عن أنه يحول بين العبد وقلبه ، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئًا دون شيء ، والكلام محتمل كل هذه المعاني ، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له}.

  • وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ :

قال الرب الجليل في محكم التنزيل :
« وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ». (الأنعام : 110)

لا شيء أسرع تقلبًا من القلب ، وكان رسولنا صلي الله عليه وسلم يكثر من قول : ” يا مقلب القلوب ثَبِّت قلبي على دينك ” ؛ فلما سئل عن ذلك قال : ” إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء “.

قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره للآية السابقة :
{ لما جحد المشركون ما أنزل الله ، لم تثبت قلوبهم على شيء ، ورُدَّتْ عن كل أمر }.

وقال مجاهد ( تلميذ ابن عباس ) في معنى الآية الكريمة :
{ نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة }.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :
{ وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله جل ثناؤه ، أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهدَ أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها : أنَّه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرِّفها كيف شاء ، وأنّ ذلك بيده يقيمه إذا شاء ، ويزيغه إذا أراد ، وأنّ قوله : ” كما لم يؤمنوا به أول مرة ” ، دليل على محذوف من الكلام وأنّ قوله : ” كما ” تشبيه ما بعده بشيء قبله .
وإذْ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون معنى الكلام : ونقلب أفئدتَهم ، فنـزيغها عن الإيمان ، وأبصارَهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحجة ، وإن جاءتهم الآية التي سألوها ، فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله ، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبلَ مجيئها مرَّة قبل ذلك }.

وهذا العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي يدلو بدلوه ، فيقول :
« وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ».
أي : ونعاقبهم ، إذا لم يؤمنوا أول مرة يأتيهم فيها الداعي ، وتقوم عليهم الحجة ، بتقليب القلوب ، والحيلولة بينهم وبين الإيمان ، وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم .
وهذا من عدل الله ، وحكمته بعباده ، فإنهم الذين جنوا على أنفسهم ، وفتح لهم الباب فلم يدخلوا ، وبيَّن لهم الطريق فلم يسلكوا ، فبعد ذلك إذا حُرموا التوفيق ، كان مناسبًا لأحوالهم .
وكذلك تعليقهم الإيمان بإرادتهم ، ومشيئتهم وحدهم ، وعدم الاعتماد على الله من أكبر الغلط ، فإنهم لو جاءتهم الآيات العظيمة ، من تنزيل الملائكة إليهم ، يشهدون للرسول بالرسالة ، وتكليم الموتى وبعثهم بعد موتهم ، وحشر كل شيء إليهم حتى يكلمهم { قُبُلًا } ومشاهدة ، ومباشرة ، بصدق ما جاء به الرسول ما حصل منهم الإيمان ، إذا لم يشأ الله إيمانهم ، ولكن أكثرهم يجهلون .
فلذلك رتبوا إيمانهم ، على مجرد إتيان الآيات ، وإنما العقل والعلم ، أن يكون العبد مقصوده اتباع الحق ، ويطلبه بالطرق التي بينها الله ، ويعمل بذلك ، ويستعين ربه في اتباعه ، ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته ، ولا يطلب من الآيات الاقتراحية ما لا فائدة فيه .

ندعوكم لقراءة : طبيب القلوب

  • ويقول الله عز وجل في آية أخرى :

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ». (الأنفال : 24)

  • صلاح القلب :

قال رسول الله ﷺ :
” إن الحلال بيِّن ، وإن الحرام بيِّن ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب “.
( رواه البخاري : 52 ، ومسلم : 4178 ، واللفظ لمسلم ).

  • الإيمان يزيد وينقص :

هذه عقيدة راسخة ؛ عقيدة أهل السنة والجماعة ؛ أن الإيمان يزيد وينقص ، وقد دل على ذلك الكثير من الأدلة ، ومنها قوله تبارك وتعالى :

« هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ».
(الفتح : 4)

وقوله تعالى :

« إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ». (الأنفال : 2)

وقوله عز من قائل :

« وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ». (الأحزاب : 22)

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى