إن خير ما يُوصَى به دواما ، لمن ابتغى عزًّا ترامى :
تقوى الله ؛ فتقواه تشفي من الصلاح أواما ، وتحقق ما عز مراما .
قال الله تبارك وتعالى :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ “. (الأحزاب : 70-71)
فَلازِمْ تُقَى الرَّحمنِ واسْألهُ نصْرَه … يُمِدُّك مِنْ إسْعَافِه بالعجَائِبِ
فَإِنَّ التُّقى حصنٌ حصِينٌ لأهْلِه … وَدِرْعٌ يقِي حَادِثاتِ النَّوَائِبِ
– سارعوا :
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
مَنْ هم المتقون ؟
قال الله تعالى :
” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ “. (آل عمران : 133-136)
- يقول أهل التفسير :
ثم أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض ، فكيف بطولها ، التي أعدها الله للمتقين ، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها ، ثم وصف المتقين وأعمالهم ، فقال : ( الذين ينفقون في السراء والضراء ) ؛ أي : في حال عسرهم ويسرهم ، إن أيسروا أكثروا من النفقة ، وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئًا ولو قل .
( والكاظمين الغيظ ) ؛ أي : إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق ، الموجب للانتقام بالقول والفعل- ، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية ، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم .
( والعافين عن الناس ) يدخل في العفو عن الناس ، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم ؛ لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء ، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة ، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة ، وممن تاجر مع الله ، وعفا عن عباد الله رحمة بهم ، وإحسانًا إليهم ، وكراهة لحصول الشر عليهم ، وليعفو الله عنه ، ويكون أجره على ربه الكريم ، لا على العبد الفقير ، كما قال تعالى : ” فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ “.
ثم ذكر حالة أعم من غيرها ، وأحسن وأعلى وأجل ، وهي الإحسان ، فقال تعالى : ( والله يحب المحسنين ) والإحسان نوعان : الإحسان في عبادة الخالق ، والإحسان إلى المخلوق ، فالإحسان في عبادة الخالق ؛ فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : « أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ».
وأما الإحسان إلى المخلوق ، فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم ، ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم ، فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وتعليم جاهلهم ، ووعظ غافلهم ، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم ، والسعي في جمع كلمتهم ، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم ، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم ، والسعي في جمع كلمتهم ، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم ، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم ، فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى ، واحتمال الأذى ، كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات ، فمن قام بهذه الأمور ، فقد قام بحق الله وحق عبيده .
ثم ذكر اعتذارهم لربهم من جناياتهم وذنوبهم ، فقال : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) ؛ أي : صدر منهم أعمال سيئة كبيرة ، أو ما دون ذلك ، بادروا إلى التوبة والاستغفار ، وذكروا ربهم ، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين ، فسألوه المغفرة لذنوبهم ، والستر لعيوبهم ، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها ، فلهذا قال : ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ).
( أولئك ) الموصوفون بتلك الصفات ( جزاؤهم مغفرة من ربهم ) تزيل عنهم كل محذور ( وجنات تجري من تحتها الأنهار ) فيها من النعيم المقيم ، والبهجة والسرور والبهاء ، والخير والسرور ، والقصور والمنازل الأنيقة العاليات ، والأشجار المثمرة البهية ، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات ، ( خالدين فيها ) لا يحولون عنها ، ولا يبغون بها بدلًا ولا يغير ما هم فيه من النعيم ، ( ونعم أجر العاملين ) عملوا لله قليلًا فأجروا كثيرًا فـ « عند الصباح يحمد القوم السرى » وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملًا موفرا .
وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة ، على أن الأعمال تدخل في الإيمان ، خلافًا للمرجئة ، ووجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية ، التي في سورة الحديد ، نظير هذه الآيات ، وهي قوله تعالى : ” سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ “.
فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله ، وهنا قال : ( أُعدت للمتقين ) ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية ، فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون .
( انتهى من تفسير السعدي ).
ندعوكم لقراءة : ثبات حتى الممات
– التقوى لغةً واصطلاحًا :
التقوى لغةً : مأخوذة من الوقاية وما يحمي به الإنسان نفسه .
والتقوى اصطلاحًا : أن تجعل ما بينك وبين ما حرَّم الله حاجبًا وحاجزًا .
– قالوا عن التقوى :
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه : التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : المتقون : الذين يحذرون من الله وعقوبته .
وقال طلق بن حبيب : التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله ، تخاف عقاب الله .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه ، في قوله تعالى : ” اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ “.
قال : أن يُطاع فلا يُعصَى ، ويُذكَر فلا يُنسَى ، وأن يُشكَر فلا يُكفر .
فاحرص -أخي الكريم- على تقوى الله عز وجل فهو سبحانه أهل أن يُخشى ويُجل ، ويعظم في صدرك .
– أكرم الناس أتقاهم :
أَعْلَمَنَا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن أكرم الناس أتقاهم ، وكان من دعائه :
” اللهم إني أسألك الهدى ، والتُّقَى ، والعفاف ، والغنى “.
( رواه مسلم ).
– خير الزاد :
قال الله تبارك وتعالى :
” تزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب “. (البقرة : 197)
فليس شيء أحسن من عقل زانه علم ، ومن علم زانه صدق ، ومن صدق زانه رفق ، ومن رفق زانته تقوى .
ومثقال ذرة من بِرِّ صاحب تقوى ويقين ، أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة المغترين ؛ كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه .
– التقي الغني الخفي :
ياله من عبدٍ ، يحبه ربه جل في علاه ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إن الله تعالى يحب العبد التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ “.
( أخرجه مسلم ، وأحمد ).