تسخير كل شيء للإنسان
تسخير كل شيء للإنسان :
لقد سخَّر الله جل في علاه السموات والأرض ، وغيرهما لخدمة الإنسان ؛ والأمثلة على ذلك كثيرة ، ذكرها رب العزة في آيات في قرآنه الكريم تؤكد أن الله تعالى يسَّر للإنسان سبيل حياته زمانًا ومكانًا .
وآيات التسخير كثيرة وفوائدها جمة .
قال الله تعالى في كتابه العزيز :
” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ “. (لقمان : 20)
سبحان الله الملك الحق الذي سخَّر لنا ما في السموات ؛ من الشمس والقمر والنجوم لننتفع بها ، وسخَّر لنا ما في الأرض ؛ من الثمار والبحار والأنهار والدواب وغير ذلك ، وأسبغ وأوسع وأتمَّ علينا نعمه ظاهرةً ؛ وهي حسن الصورة وتسوية الأعضاء وغير ذلك ، والنعم الباطنة ؛ وهي كثيرة كالمعرفة وغيرها .
حقًّا ربنا : ” وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ “. (النحل : 18)
وفي التفسير الميسر للآية الكريمة :
ألم تروا -أيها الناس- أن الله ذلَّل لكم ما في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير ذلك ، وما في الأرض من الدوابِّ والشجر والماء ، وغير ذلك مما لا يُحصى ، وعمَّكم بنعمه الظاهرة على الأبدان والجوارح ، والباطنة في العقول والقلوب ، وما ادَّخره لكم مما لا تعلمونه ؟
ومن الناس مَن يجادل في توحيد الله وإخلاص العبادة له بغير حجة ولا بيان ، ولا كتاب مبين يبيِّن حقيقة دعواه .
وقال عز من قائل :
” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ “. (إبراهيم : 32)
يقول ابن كثير في التفسير :
يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السموات سقفًا محفوظًا والأرض فرشًا ، ” وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ” (طه : 53) ، ما بين ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع ، وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر تجري عليه بأمر الله تعالى ، وسخر البحر لحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر لجلب ما هنا إلى هناك وما هناك إلى هنا ، وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر رزقًا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع ، ” وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ” (إبراهيم : 33) ؛ أي يسيران لا يفتران ليلًا ولا نهارًا .
وقال تعالى :
” وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. (الجاثية : 13)
يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ من شمس وقمر ونجوم ﴿ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ من دابة وشجر وجبل وجماد وسفن لمنافعكم ومصالحكم ﴿ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ يقول تعالى ذكره : جميع ما ذكرت لكم أيها الناس من هذه النعم نعم عليكم من الله أنعم بها عليكم وفضل منه تفضل به عليكم وجميعها منه ومن نعمه فلا تجعلوا له في شرككم له شريكًا بل أفردوه بالشكر والعبادة وأخلصوا له الألوهة فإنه لا إله لكم سواه .
وقال عز وجل :
” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ “. (الحج : 65)
وقال الإمام الرازي في تفسير هذه الآية :
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ﴾ أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر ولا أحد من الحديد ولا أكثر هيبة من النار ، وقد سخرها لكم وسخر الحيوانات أيضًا حتى ينتفع بها من حيث الأكل والركوب والحمل عليها والانتفاع بالنظر إليها .
- سؤال وجواب :
وهذا سؤال ومعه الإجابة من موقع [ إسلام ويب ] الرائع :
السؤال :
هل كل شيء مسخر للإنسان ، مع ذكر أدلة لذلك من الكتاب والسنة ؟
الإجابــة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، أما بعـد :
فإن من فضل الله تعالى على هذا الإنسان وتكريمه له أن سخر له ما في هذا الكون ليستخدمه في مصلحته انتفاعًا واستمتاعًا واعتبارًا .. ويستعين به على تحقيق العبودية لله تعالى والتي من أجلها خُلق ، فقال تعالى : ” وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. (الجاثية : 13)
وقال تعالى : ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا… “. (البقرة : 29)
وقال تعالى : ” اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ “. (إبراهيم : 32-34)
وقال تعالى : ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِي وَالْحِسَابَ… “. (يونس : 5)
- الكون لنا ، فهل نفهم التسخير حقًّا ؟!
يقول الأستاذ أحمد كمال قاسم في مقال له ما خلاصته :
إن الكون بعظمته مُسخَّرٌ لك أيها الإنسان ، وهو ليس مُسخَّرًا لك لتستخدمه في معصية من سخَّره لك وإنما هو مُسخَّرٌ لك لتقوم بوظيفتك المحدَّدة بوضوح من قِبل ربك تعالى وهي عبادته ، فإن أردت أيها الإنسان أن تستخدم نعمة الله التي لا تُحصى في معصيته ، فلتعصه من دون جسدك المملوك لله المُسخَّر لك ومن دون كونه المملوك له تعالى المُسخَّر لك حتى تكون قد تحليت ببعض الحياء .
فمن قلة الحياء أن تُعادي ربك بفضله !
ألَّا تترك أيها المسلم غيرك من الكفار يستعمل تسخير الكون للإنسان في اللهو المحرَّم وفي الكفر بالله بواحًا ، بل الواجب عليك أيها المسلم أن تستعمل تسخير الكون لك في عبادته لتكون قد أدَّيت وظيفتك المفروضة عليك في بحرِ حياتك في كون الله تعالى .
اللهم علِّمنا وفهِّمنا ، وزدنا علمًا ، وعملًا بما نعلم .