
تخاصم أهل النار :
يقول الله تعالى في كتابه العزيز :
« إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ». (سورة ص : 64)
يتخاصم أهل النار ، أهل الباطل من الكفار ، ومن المسلمين العصاة الفجار .
يتخاصم أهل النار ؛ كفرة وفجرة وعصاة ومستكبرون .
يتخاصم أهل النار الذين لا يصلون ، ولا يصومون ، ولا من الله يخافون ، وبالمعصية كانوا يجهرون .
يتخاصمون مع أسيادهم وكبرائهم في الضلالة والعصيان والمجون .
ياله من تخاصم ، يعضون فيه على أصابع الندم ، حيث لا ينفع الندم .
إذا رأوا النار أيقنوا أنهم كانوا على ضلال ، أيقنوا أنهم صائرون إلى الأغلال ، فيتصايحون :
« رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ». (فصلت : 29)
يتخاصم أهل النار ؛ فالأخلاء يوم القيامة ، المتخالين على الكفر والتكذيب ومعصية اللّه تبارك وتعالى ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ؛ لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير اللّه ، فانقلبت يوم القيامة عداوة .
يقول الملك الجليل في محكم التنزيل :
« الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ». (الزخرف : 67)
الْأَخِلَّاء : جمع خليل بمعنى صديق .
وسُمِّي الأصدقاء أخلاء ؛ لأن المودة التي بينهم تخللت قلوبهم واختلطت بنفوسهم .
ويقول الإمام ابن كثير في التفسير :
وقوله : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ؛ أي : كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله ، عز وجل ، فإنه دائم بدوامه .. وهذا كما قال إبراهيم ، عليه السلام ، لقومه : ( إنما اتخذتم من دون الله أوثانًا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) [العنكبوت : 25] .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، رضي الله عنه : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ، قال : خليلان مؤمنان ، وخليلان كافران ، فتُوفِي أحد المؤمنين وبُشِّر بالجنة ، فذكر خليله ، فقال : اللهم ، إن فلانًا خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، وينبئني أني ملاقيك ، اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وترضى عنه كما رضيت عني .
فيقال له : اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرًا وبكيت قليلًا .
قال : ثم يموت الآخر ، فتجتمع أرواحهما ، فيُقال : ليُثْنِ أحدكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : نِعْم الأخ ، ونعم الصاحب ، ونعم الخليل .
وإذا مات أحد الكافرين ، وبُشِّر بالنار ، ذكر خليله فيقول : اللهم إن خليلي فلانًا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وتسخط عليه كما سخطت علي.
قال : فيموت الكافر الآخر ، فيجمع بين أرواحهما فيُقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : بئس الأخ ، وبئس الصاحب ، وبئس الخليل .
( رواه ابن أبي حاتم ).
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين .
وروى الحافظ ابن عساكر – في ترجمة هشام بن أحمد – عن هشام بن عبدالله بن كثير : حدثنا أبو جعفر محمد بن الخضر بالرقة ، عن معافى : حدثنا حكيم بن نافع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله ﷺ :
” لو أن رجلين تحابا في الله ، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ، لجمع الله بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي أحببته في “.
يقول الدكتور طنطاوي في الوسيط :
الآية الكريمة إنذار للكافرين الذين كانت صداقاتهم في الدنيا تقوم على محاربة الحق ، ومناصرة الباطل .
وبشارة عظيمة للمتقين الذين بنوا صداقتهم في الدنيا على طاعة الله – تبارك وتعالى – ونصرة دينه ، والعمل بشريعته .
قال مجاهد رحمه الله :
كلّ خُلَّةٍ على معصية الله في الدنيا متعادون .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :
كلُّ خُلَّةٍ هي عداوة إلا خلة المتقين .
ندعوكم لقراءة : صنفان من أهل النار
- قول الكفار :
يقول الله عز وجل :
« وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ ». (فصلت : 29)
ومما يؤكد تخاصم أهل النار : قول الكفار السابق الوارد في الآية الكريمة ؛ وذلك على وجه الحنق ، على من أضلهم من
الصنفين اللذين قادوهم إلى الضلال والعذاب ، من شياطين الجن ، وشياطين الإنس ، الدعاة إلى جهنم .
يريدون أن يدوسوهم بالأقدام ؛ انتقامًا منهم ونكاية بهم .
ففي هذا ، بيان حنق بعضهم على بعض ، وتبرِّي بعضهم من بعض .
وفي الميسر ، قالوا :
وقال الذين كفروا بالله ورسوله ، وهم في النار : ربنا أرنا اللذَين أضلانا من خلقك من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ؛ ليكونا في الدرك الأسفل من النار .