تارك الصلاة :
لا يصح لمسلم آمن بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولا ، أن يترك الصلاة تحت جميع الظروف ؛ حتى أثناء الحرب ، أو في السفر ، أو أثناء المرض ؛ ذلك أن الصلاة صلة مباشرة بين العبد وربه ، فلا ينبغي أن تترك معية الملك جَلَّ في علاه من أجل أي لعاعة من الدنيا الفانية التي لاتعدل عند الله جناح بعوضة ، ولو كانت تعدل جناح بعوضة ، ما سقى كافرًا منها جرعة ماء .
قال الله تعالى في سورة مريم :
” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩ (58) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) “.
كان إسماعيل عليه السلام ” يَأْمرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا “.
وكل الأنبياء كانوا يأمرون الناس كذلك بالصلاة والزكاة وفعل الخيرات ، كما ورد في الآيات البينات .
ومع الأسف الشديد ، استجد جديد ؛ حيث خَلَفَ بعد هؤلاء الأماجد خَلْف ؛ وتأتي بهذا الشكل للطالح من الناس ، بينما الخَلَف تأتي للصالح منهم ، ” فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا “.
يقول تعالى ذكره : فحدث من بعد هؤلاء الذين ذكرت من الأنبياء الذين أنعمت عليهم ، ووصفت صفتهم في هذه السورة ، خلْف سوء في الأرض أضاعوا الصلاة .
وإضاعة الصلاة قد تكون بتأخيرها عن مواقيتها ، وتضييعهم أوقاتها .
فعن الأوزاعي ، عن موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة ، في قوله ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ) قال : إنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركًا كان كفرًا .
- ذاك الكفر :
قيل لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن : الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ، و عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ، وعَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ، فقال ابن مسعود رضي الله عنه : على مواقيتها ، قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على الترك ، قال : ذاك الكفر.
قال مسروق : لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس ، فيكتب من الغافلين ، وفي إفراطهنّ الهلكة ، وإفراطهنّ : إضاعتهنّ عن وقتهنّ .
قال الإمام الذهبي عن ” مسروق ” في كتابه [ سير أعلام النبلاء ] :
مسروق بن الأجدع ، الإمام ، القدوة ، العلم ، أبو عائشة الوادعي ، الهمداني ، الكوفي .
وهو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبدالله بن مر بن سلمان بن معمر ، ويقال : سلامان بن معمر بن الحارث بن سعد بن عبدالله بن وادعة بن عمر بن عامر بن ناشح بن دافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان .
قال أبو بكر الخطيب : يقال إنه سُرق وهو صغير ثم وُجد فسُمِّي مسروقا .
أسلم أبوه الأجدع .
حدّث هو عن أبي بن كعب ، وعمر ، وعن أبي بكر الصديق -إن صح- وعن أم رومان ، ومعاذ بن جبل ، وخباب ، وعائشة ، وابن مسعود ، وعثمان وعلي ، وعبدالله بن عمرو ، وابن عمر وسبيعة ، ومعقل بن سنان ، والمغيرة بن شعبة ، وزيد حتى إنه روى عن عبيد بن عمير ، قاص مكة .
إضاعتها تعني تركها : قال القرظي رحمه الله في هذه الآية ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ) ، يقول : تركوا الصلاة .
ندعوكم لقراءة : أرحنا بها يا بلال
- رأي الإمام الطبري :
يقول الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره :
أولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية ، قول من قال : إضاعتهموها تركهم إياها لدلالة قول الله تعالى ذكره بعده على أن ذلك كذلك ، وذلك قوله جلّ ثناؤه : ” إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ” ، فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن ، وهم مؤمنون ولكنهم كانوا كفارًا لا يصلون لله ، ولا يؤدّون له فريضة ، فسقة قد آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله ، وقد قيل : إن الذين وصفهم الله بهذه الصفة قوم من هذه الأمة يكونون في آخر الزمان .
- سوف يلقون غَيًّا :
وأما قوله ( فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) فإنه يعني أن هؤلاء الخلْف الذين خلفوا بعد أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين سيدخلون غيا ، وهو اسم واد من أودية جهنم ، أو اسم بئر من آبارها .
- مع العَلَّامة ابن باز :
س : ما معنى الكفر في أحاديث تارك الصلاة ؟
ج : الصلاة عمود الإسلام ، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وتركها كفر أكبر عند جميع العلماء إذا جحد وجوبها ، وإن صلى ، إذا جحد وجوبها ؛ كفر بإجماع المسلمين ؛ لأنه مُكَذِّب لله ولرسوله ، الله يقول سبحانه : ” وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ” [البقرة : 43] ، ويقول جل وعلا : ” حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى ” [البقرة : 238] ، ويقول جل وعلا : ” وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ “. [العنكبوت : 45]
وإن تركها ، ولم يجحد وجوبها ، أو ترك بعضها كفر أيضًا في أصح قولي العلماء ، سواء ترك الخمس ، أو ترك الظهر وحدها ، أو العصر وحدها ، أو الفجر وحدها ، أو الجمعة وحدها يكفر بذلك ؛ لقول النبي ﷺ : ” بين الرجل ، وبين الكفر والشرك ترك الصلاة “. (رواه مسلم في الصحيح)
والكفر والشرك إذا أطلق المعرف ، فهو الكفر الأكبر ، هذا هو أصح قولي العلماء في هذا .
وقال عليه الصلاة والسلام : ” العهد الذي بيننا ، وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر “. (أخرجه الإمام أحمد ، وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة)
وسأل الصحابة النبي ﷺ عن الأمراء الذين لا يقيمون الصلاة ، الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها ، قالوا : أفنقاتلهم يا رسول الله؟
قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة في لفظ : إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان .
فدل على أن الأمراء -الملوك والخلفاء- الذين لا يقيمون الصلاة كفرهم كفر بواح ، أي : لا شبهة فيه .
فالواجب على جميع المسلمين من الأمراء ، والملوك ، والوزراء ، وغيرهم ، رجالًا ونساء ، الواجب على الجميع العناية بالصلاة ، والمحافظة عليها في أوقاتها ، فمن تركها ، وأعرض عنها ، فقد كفر كفرًا أكبر في أصح قولي العلماء .
- كفر دون كفر :
وواصل فضيلته قائلًا :
قال جماعة من أهل العلم : إنه كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، إذا كان يقر بوجوبها ، ولا يجحده ، ولكن هذا القول ضعيف .
وختم بقوله :
والصواب أنه كفر أكبر ، فيجب الحذر من ذلك ، ويجب التواصي بالمحافظة عليها ، وإقامتها في الجماعة في أوقاتها ، يجب على الرجال أن يقيموها في الجماعة في بيوت الله ، جميع الأوقات الخمسة : الفجر الظهر والعصر المغرب والعشاء ، كثير من الناس قد يتساهل بالفجر ، فيصليها في البيت ، أو بعد الشمس ، وهذا منكر عظيم، يجب الحذر من ذلك ، والتواصي بترك ذلك ؛ فإن هذا من عمل المنافقين .