الوضوح في سورة نوح
الوضوح في سورة نوح :
آيات سورة نوح واضحةٌ وضوح الشمس متى برزت من خدرها ؛ فهي تشرح قصة نوح مع قومه في آيات بينات واضحات ، وكأن ربنا ﷻ أراد أن يختصر القصة لمن أراد أن يعرفها في هذه السورة المُعجِزة .
وقد فسرها مفسرون كُثُر ، وصل إلينا منها الكثير ، والقليل قد اندثر ، كما شرحها الشُّراح ، في غاية الجمال والإيضاح .
وسُورَةُ نُوْحٍ سورة مكية ، عدد آياتها 28 آية ، وترتيبها في المصحف رقم ( 71 ).
وهي في الجزء التاسع والعشرين .
بدأ الله تبارك وتعالى السورة بأسلوب توكيد :
قال عز من قائل :
” إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.
تتحدث السورة عن قصة سيدنا نوح عليه السلام ، من أول السورة إلى آخرها ، وذلك في إيجاز بليغ .
أُنزِلت هذه السورة على قلب الحبيب المصطفى ﷺ ، كما أُنزل القرآن كله ، وقد انتهت إليه أمانة دعوة الله في الأرض ؛ وذلك لتكون هذه السورة وأحداثها حاضرة في ذهن النبي محمد ﷺ ، وأذهان من حوله ؛ من الصحابة الكرام ، وكذلك المشركين اللئام .
وعرض سورة نوح على المشركين زمن النبي محمد ﷺ ؛ ذلك ليروا فيها صورة أسلافهم المكذبين ، ويدركوا نعمة الله عليهم في إرساله إليهم رسولًا رحيمًا بهم ، لا يدعو عليهم بالهلاك كما دعا نوح على قومه :
” وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا “. (نوح : 24)
” وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا “. (نوح : 26-27)
- وهذا وصف لأحد المفسرين :
تصف السورة تجربة من تجارب الدعوة في الأرض ، وتمثل دورة من دورات العلاج الدائم الثابت المتكرر للبشرية ، وشوطًا من أشواط المعركة بين الخير والشر ، والهدى والضلال ، والحق والباطل .
هذه التجرية تكشف عن صورة من صور البشرية العنيدة ، الضالة ، الذاهبة وراء القيادات المضللة ، المستكبرة عن الحق ، المعرضة عن دلائل الهدى وموجبات الإيمان ، المعروضة أمامها في الأنفس والآفاق ، المرقومة في كتاب الكون المفتوح ، وكتاب الكون المكنون.
وهي في الوقت ذاته تكشف عن صورة من صور الرحمة الإلهية تتجلى في رعاية الله لهذا الكائن الإنساني ، وعنايته بأن يهتدى .
تتجلى هذه العناية في إرسال الرسل إلى هذه البشرية العنيدة الضالة الذاهبة وراء القيادات المضللة المستكبرة عن الحق والهدى .
هذه السورة التي يعرضها نوح عليه السلام على ربه عز وجل ، وهو يقدم له حسابه الأخير بعد ألف سنة إلا خمسين عامًا قضاها في هذا الجهد المضني ، والعناء المرهق ، مع قومه المعاندين ، الذاهبين وراء قيادة ضالة مضللة ذات سلطان ومال وعزوة : ” رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا “. (نوح : 5-6)
- وإليكم السورة بتمامها :
قال تبارك وتعالى :
« إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (1) قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ (2) أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا (5) فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا فِرَارٗا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوۡتُهُمۡ جِهَارٗا (8) ثُمَّ إِنِّيٓ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ لَهُمۡ إِسۡرَارٗا (9) فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا (10) يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا (11) وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا (12) مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا (13) وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا (14) أَلَمۡ تَرَوۡاْ كَيۡفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗا (15) وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجٗا (16) وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمۡ فِيهَا وَيُخۡرِجُكُمۡ إِخۡرَاجٗا (18) وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ بِسَاطٗا (19) لِّتَسۡلُكُواْ مِنۡهَا سُبُلٗا فِجَاجٗا (20) قَالَ نُوحٞ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمۡ يَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارٗا (21) وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا كُبَّارٗا (22) وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا (23) وَقَدۡ أَضَلُّواْ كَثِيرٗاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلٗا (24) مِّمَّا خَطِيٓـَٔتِهِمۡ أُغۡرِقُواْ فَأُدۡخِلُواْ نَارٗا فَلَمۡ يَجِدُواْ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارٗا (25) وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا (27) رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا (28) ».