يتساءلون : هل في القرآن الوصايا العشر ؟
نرد بكل فخرٍ وبِشر :
نعم وألف نعم ، وهي تستحق النشر .
موجودةٌ في سورة الأنعام ، مُحْكَمَةٌ أيما إحكام ، وهي من خير الكلام ، سبحانه رب الأنام ، ذي الجلال والإكرام .
الآيات من 151 – 153 للخواص وللعوام ، واضحةٌ لكل الأفهام .
معروفةٌ هي في الإسلام ، مثل البدر وهو تمام ، وهي ركنٌ على هام النجوم يُقَام .
قال الله الملك العلّام ، الملك القدوس السلام :
” قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “. (الأنعام : 151-153)
– شرح الكلمات :
{ اتل } : اقرأ .
{ من إملاق } : من فقر .
{ الفواحش } : جمع فاحشة كل ما قبح واشتد قبحه كالزنى والبخل .
{ حرم الله } : أي حرم قتلها وهي كل نفس إلا نفس الكافر المحاب .
{ إلا بالحق } : وهو النفس بالنفس وزنى المحصن، والردة .
{ بالتي هي أحسن } : أي بالخصلة التي هي أحسن .
{ أشده } : الإِحتلام مع سلامة العقل .
{ بالقسط } : أي بالعدل .
{ إلا وسعها } : طاقتها وما تتسع له .
{ تذكرون } : تذكرون فتتعظون .
{ السبل } : جمع سبيل وهي الطريق .
( منقول من كتاب زبدة التفاسير ).
– يقول العلامة ابن باز رحمه الله : يقول تعالى : قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ . (الأنعام : 151)
ذكر هذه الآية لما فيها من بيان تحريم الشرك ، قُلْ : يعني قل يا أيها الرسول للناس ، تَعَالَوْا ؛ يعني هلموا وأقبلوا ، أَتْلُ يعني أخبركم وأقص عليكم ، مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ؛ يعني عن علم وعن يقين لا عن شك وظن ، أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ؛ يعني حرَّم الله عليكم أن تشركوا به شيئًا ، لا صلة المعنى حرم عليكم الشرك به سبحانه وتعالى ، كما حرّم ما حرّم من المحرمات من الزنا والسرقة والعقوق والربا وغير ذلك ، حرّم الشرك لكن الشرك هو أعظم المحرمات وأشدها وأغلظها وأولها تحريمًا وهو ضد التوحيد ، ضد لا إله إلا الله ؛ فالتوحيد إخلاص العبادة لله وحده ، والشرك صرف العبادة أو بعضها لغير الله من جن ، أو إنس ، أو ملائكة ، أو أنبياء ، أو أصنام ، أو أشجار ، أو أحجار ، أو كواكب ، أو غير ذلك .
فالعبادة حق الله وحده ، ليس لأحدٍ أن يصرف منها شيئًا لغير الله ، وليس لأحد أن يدعو الملائكة والأنبياء ، أو الجن ، أو الكواكب ، أو الأصنام ، أو يسجد لهم ، أو يركع لهم ، أو يستغيث بهم ، أو غير ذلك من أنواع العبادة كلها لله وحده .
ثم قال : ” وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا “. (الأنعام : 151)
هذه الآية وما بعدها اشتملت على عشرة أمور : أولها : تحريم الشرك .
والثاني : قوله : ” وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” ، الأمر بالإحسان إلى الوالدين ؛ فدل ذلك على أن حقهما عظيم ؛ لأن الله قرنه بحقه ، ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا “. (الإسراء : 23)
وهنا كذلك قرنهما بتحريم الشرك ، والشرك أعظم الذنوب ، فدل ذلك على أن عقوقهما وعدم الإحسان إليهما من أقبح السيئات والجرائم .
ثم قال : ” وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ “. (الأنعام : 151)
هذه الثالثة ، والإملاق الفقر ، كان بعض الجاهلية إذا افتقر قتل بعض أولاده ، وربما قتل البنات خوف العار فنهاهم الله عن ذلك ، وأخبر أن الرزق بيده سبحانه ، هو الذي يرزقهم ويرزق أولادهم .
الرابع قال : ” وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ” (الأنعام : 151) ، الفواحش المعاصي ، سميت فواحش ؛ لأن العقل السليم والفطرة السليمة تنكرها وتراها فاحشة وتراها خبيثة كالعقوق ، وقطيعة الرحم ، والربا ، والزنا ، واللواط ، وظلم الناس في أموالهم ودمائهم ، وغير ذلك مما حرم الله .
الخامسة : ” وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ” (الأنعام : 151) ، هذه الخامسة ، والفواحش ظاهرها وباطنها كلها محرم ، جميع الفواحش ، جميع المعاصي الظاهرة والباطنة من النميمة، والغيبة ، والزنا ، والسرقة ، والكبر ، والخيلاء ، والرياء كلها محرمة ظاهرها وباطنها ، ” ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” (الأنعام : 151) ، وصاكم بهذه الأشياء لتعقلوها ، وصاهم بأن يحذروا الشرك ، وصاهم بأن يحسنوا للوالدين ، وصاهم بألا يقتلوا أولادهم من إملاق ، وصاهم بأن يبتعدوا عن الفواحش ظاهرها وباطنها ، وصاهم بألا يقتلوا نفسًا بغير حق ، ” ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ” (الأنعام : 151) ، الوصية أمر مؤكد ، الوصية الأمر المؤكد الذي يؤكده الإنسان ، يقال : وصى بكذا يعني أكد كذا ، فالله وصانا بهذا يعني أكد علينا وأمرنا بهذه الأمور حتى نقوم بها ونلتزم بها إن كنا نعقل ، ” لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” (الأنعام : 151) ، فالعقلاء هم الذين يفهمون هذه الأمور ، ويأخذون بها ، ويلتزمون بها ، بخلاف غير العاقل كالمجنون والطفل الذي لا يعقل .
المقصود هنا أن الله جل وعلا أوجب عليهم هذه الأمور ، وحرم عليهم انتهاك هذه الحرمات ليلتزموها بما أعطاهم الله من العقول .
ثم قال بعدها في السادسة : ” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ” (الأنعام : 152) ، اليتيم : هو الذي ما له أب ، مات أبوه وهو صغير قبل أن يحتلم ، يقال له : يتيم فإذا بلغ زال عنه اليتم ، فالله أوصى بالأيتام ، والإحسان إليهم ، وحفظ أموالهم ، وأن لا يفسد فيها ، بل يعمل فيها بما هو أصلح حتى يبلغوا أشدهم ، حتى يرشدوا .
ندعوكم لقراءة : أغلى واو جماعة
– الأنعام والإسراء :
يقول الشيخ محمد صالح المنجد :
في القرآن الكريم آيات أطلق عليها بعض العلماء ( آيات الوصايا العشر ) ؛ نظرًا لاشتمالها على عشر وصايا عظيمة من الله للبشرية ، وهذه الآيات في موضعين من القرآن الكريم :
- الأول في سورة الأنعام ؛ كما أسلفنا في الآيات من 151 حتى 153 .
- والموضع الثاني في سورة الإسراء ويكاد أن يكون شرحًا للموضع الأول ، قال الله تعالى : ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) “.
– خاتم محمد :
وقد اشتهر عند أهل العلم تسمية هذه الوصايا بالوصايا العشر ، ووصفها ابن مسعود رضي الله عنه بأنها عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بذلك أنها آيات محكمة غير منسوخة .
- روى الترمذي وحسنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد فليقرأ هذه الآيات : ” قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ … “.
وهي الآيات من 151 إلى 153 من سورة الأنعام .
– في القرآن والإنجيل :
وهذه رؤية الدكتور ناجح إبراهيم المفكر الإسلامي :
الوصايا العشر التى وردت فى القرآن والإنجيل تمثل أهم القواعد الدينية والاجتماعية التى لو اتبعها الإنسان وانضبطت بها حياته لسعد وأسعد الآخرين ؛ لأنها تضبط علاقة الإنسان بربه ونفسه والكون والناس .. وإذا انضبطت هذه العلاقات الثلاث انضبطت منظومة الحياة ، وقد وردت الوصايا العشر فى الإنجيل فى سفر الخروج وفى تثنية الاشتراع ، وهى كالآتى : « لا يكن لك إله غيرى ، لا تحلف باسم الرب بالباطل ، احفظ يوم الرب ، أكرم أباك وأمك ، لا تزنِ ، لا تسرق ، لا تشهد على قريبك شهادة الزور ، لا تشته امرأة قريبك ، لا تشته مقتنى غيرك ».
أما الوصايا العشر فى القرآن فقد وردت فى سورة الأنعام .
( والآيات ذكرناها من قبل ).
ويضيف الدكتور ناجح بقوله :
وهى أجمع وأشمل وصايا القرآن ، حتى قال ابن مسعود : من سره أن ينظر إلى الصحيفة التى عليها خاتم محمد فليقرأ هذه الآيات .
والمتأمل فى الوصيتين يدرك أنهما قد خرجتا من مشكاة واحدة لخير الإنسان وصلاحه ، وأنها مفروضة على أتباع الرسالات الثلاث « موسى وعيسى ومحمد » عليهم السلام .. والمتأمل فى وصايا الإنجيل العشر نجد أنها يمكن أن تقسم إلى : ثلاث منها تضبط علاقة الإنسان بربه ، وأربع تضبط علاقة العبد مع الكون والناس حوله بدءًا بالوالدين وانتهاء بالأقربين ، وثلاث تحرم الاعتداء على ممتلكات الآخرين سواءً حسية أو معنوية .
أما الوصايا المتماثلة والمتشابهة بين القرآن والإنجيل فهى « لا يكن لك إله غيرى » تطابق ” لَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ” ، و ” شَيْئًا ” نكرة فى سياق العموم تعنى العموم أى لا تشرك به أى شىء ، وكل شىء .
” وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” تطابق « أكرم أباك وأمك » ، ” وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ” تطابق « لا تقتل » ، فالأصل فى كل النفوس العصمة ولا يزول هذا الأصل إلا بدليل أنصع من شمس النهار يقضى به القضاة عن عدل وحق وصواب .
” وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ” تطابق « لا تشتهِ امرأة قريبك » ، « لا تزنِ » ، وهى جميعًا تحذر من مقدمات الزنى مثل الخلوة واللمسة والقبلة ونظرة الشهوة المحرمة ، فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه ، وحمى الله محارمه .
” وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ” تطابق « لا تشهد على قريبك شهادة الزور » ، ورغم أن الوصية بالعدل أشمل وأوسع إلا أن بداية الظلم تأتى من قول الزور وشهادة الزور .
” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ” تقترب فى معناها من « لا تشتهِ مقتنى غيرك » ، فرغبة الإنسان فى الاستيلاء على ما يملكه غيره هى مقدمة لكل غصب ونهب وأكل لأموال الناس بالباطل ، وأكبر سوءات الدنيا جاءت من القتل والسرقة والزنى والظلم ، وهى التى نهت عنها هذه الوصايا .
والمتأمل فى كلتا الوصيتين يجد أنهما ركزتا بعد توحيد الله على الأمر بما يعمر الكون ونهتا عن كل ما يخربه ، ووالله لو انتهى القتل والسرقة والزنى وشهادة الزور وأكل أموال الأيتام بالباطل واختفت الخيانة والغدر وعقوق الوالدين من كوكب الأرض لصار جنة تشبه الفردوس الأعلى .
فلك أن تتخيل الكرة الأرضية دون قتل أو سرقة أو زنى أو غدر أو ظلم أو شهادة زور وقبل ذلك كله تخيلها وهى خالية من الإلحاد وجحد الرب أو الكفر برسالاته .