ديننا العظيم يحثنا على العمل الصالح ؛ الكبير منه والصغير ، بل ويحفزنا عليه تحفيزًا ، وذلك من خلال كتاب الله القرآن الكريم ، والسُّنَّة النبوية المطهرة ، وها هو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول فيما ورد عنه :
” أَرْبَعُونَ خَصْلَةً – أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ – مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ “. (البخاري : 2631)
يقول الملك جَلَّ في علاه : ” مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “. (النحل : 97)
– وفي التفسير :
مَن عمل عملًا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى ، وهو مؤمن بالله ورسوله ، فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة ، ولو كان قليل المال ، ولنجزينَّهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا .
– ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها ، بل لا تسمى أعمالًا صالحة إلا بالإيمان ، والإيمان مقتض لها ، فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات ، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } وذلك بطمأنينة قلبه ، وسكون نفسه ، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ، ويرزقه الله رزقًا حلالًا طيبًا من حيث لا يحتسب .. { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ } في الآخرة { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } من أصناف اللذات مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .. فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة .
– وفي تفسير الوسيط لطنطاوي :
بيّن -سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين الذين يحرصون على العمل الصالح فقال -تعالى- : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .
أى : من عمل عملًا صالحًا ، بأن يكون خالصًا لوجه الله -تعالى- وموافقًا لما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم سواء أكان هذا العامل المؤمن ذكرًا أم أنثى ، فلنحيينه حياة طيبة ، يظفر معها بصلاح البال ، وسعادة الحال .
وقال -سبحانه- : ( مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى ) مع أن لفظ ” مَنْ ” فى قوله : ( من عمل ) يتناول الذكور والإِناث ؛ للتنصيص على النوعين ، حتى يكون أغبط لهما ، ولدفع ما قد يتوهم من أن الخطاب للذكور وحدهم .
ولذا قال صاحب الكشاف : فإن قلت ” مَن ” متناول فى نفسه للذكر والأنثى فما معنى تبيينه بهما ؟ قل : هو مُبهم صالح على الإِطلاق للنوعين ، إلا أنه إذا ذكر كان الظاهر تناوله للذكور ، فقيل ( مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى ) على التبيين ليعم الوعد النوعين جميعًا .
وقيّد -سبحانه- العامل بكونه مؤمنًا فقال : ( وهو مؤمن ) لبيان أن العمل لا يكون مقبولًا عند الله -تعالى- إلا إذا كان مبنيًّا على العقيدة الصحيحة ، وكان صاحبه يدين بدين الإِسلام ، وقد أوضح القرآن هذا المعنى فى آيات كثيرة ، منها قوله -تعالى- : ( وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا ) ، والمراد بالحياة الطيبة فى قوله -تعالى- : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) الحياة الدنيوية التى يحياها المؤمن إلى أن ينقضى أجله .
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : هذا وعد من الله -تعالى- لمن عمل صالحًا من ذكر أوأنثى ، بأن يحييه الله حياة طيبة فى الدنيا .. والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أى جهة كانت .. وقد رُوى عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال ، وعن على بن أبى طالب أنه فسرها بالقناعة .
والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله ، كما جاء فى الحديث الذى رواه الإِمام أحمد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا وقَنَّعه الله بما آتاه “.
وقيل المراد بالحياة الطيبة هنا : الحياة الأخروية ، وقد صدر الشيخ الآلوسى تفسيره بهذا الرأى فقال ما ملخصه : قوله -تعالى- ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) والمراد بالحياة الطيبة التى تكون فى الجنة ، إذ هناك حياة بلا موت ، وغنى بلا فقر ، وصحة بلا سقم ، وسعادة بلا شقاوة ، فعن الحسن : لا تطيب الحياة لأحد إلا فى الجنة .
وقال شريك : هى حياة تكون فى البرزخ .. وقال غير واحد هى فى الدنيا .
ويدلو الدكتور محمد سيد طنطاوي بدلوه في تفسيره ، فيقول :
ويبدو لنا أن تفسير الحياة الطيبة هنا بأنها الحياة الدنيوية أرجح ؛ لأن الحياة الأخروية جاء التصريح بها بعد ذلك فى قوله تعالى : ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
– وسِّعُوا مفهومكم :
الواجب علينا أن نوسع مفهومنا للعمل الصالح ، فمن الممكن دخول الجنة بعمل يسير ؛ كالذي سقى الكلب ، والذي قطع الشجرة من ظهر الطريق ، كانت تؤذي المسلمين .
وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاسن أعمال أمته حين عُرضت عليه : الأذى يُمَاط عن الطريق .
وفي حديث مُعَبِّر عن هذا المعني ؛ يقول المعلم صلى الله عليه وسلم : ” لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق “. (رواه مسلم)
واعلم يا عبدالله يا مسلم أن طرق الخير كثيرة ، والله جل في علاه يعلمها تمام العلم ، ويجزي عليها خير الجزاء ؛ قال الله تعالى : ” وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ “. (البقرة : 215)
وقال عز من قائل : ” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ “. (الزلزلة : 7)
ندعوكم لقراءة : النية في الإسلام
– أبو ذر يسأل ، والحبيب يجيب :
س : أي الأعمال أفضل ؟
ج : ” الإيمان بالله ، والجهاد في سبيل الله “.
س : أي الرقاب أفضل ؟
ج : ” أَنْفَسَهَا عند أهلها ، وأكثرها ثمنًا “.
س : فإن لم أفعل ؟
ج : ” تعين صانعًا ، أو تصنع لأخرق “.
س : أرأيت إن ضَعَفْتُ عن بعض العمل ؟
ج : ” تَكُف شرك عن الناس ؛ فإنها صدقة منك على نفسك “.
وهذا الحديث رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما .
( الصانع ) ، ورُوِيَ ( ضائعًا ) : أي ذا ضياع من فقر أو عيال ، ونحو ذلك .
( والأخرق ) : الذي لا يُتقن ما يحاول فعله .
هل عرفتم في تاريخ البشرية مُعَلِّمًا مثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
هذا مُعَلِّمُنَا ، فليُرني امرؤ معلمه .
بأبي وأمي وروحي ، صلى الله عليه وسلم .
– هيا نكرر الآية مرة أخرى :
يقول الله الملك الحق : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “.
– رسالة معبرة :
وصلتني رسالة راقية ومعبرة عن موضوعنا هذا من أخ كريم ، قال فيها :
حرصك على إغلاق الباب بهدوء حتى لا يستقيظ النائمون .. عمل صالح .
وجدت أكلًا مكشوفًا وغطيته .. عمل صالح .
خدمة أهل بيتك .. عمل صالح .
إصغاؤك لحديث ممل لجبر خاطر المتحدث .. عمل صالح .
بشاشة صوتك في الرد علي الهاتف .. عمل صالح .
ابتسامتك لطفل وملاطفتك له .. عمل صالح .
استقبالك الناس في منزلك بترحاب وإكرامهم .. عمل صالح .
إغلاق ما فتحته ، ورفع ما سقط منك ، وتغطية ما كشفته ، وتسوية ما بعثرته ، وتنظيف ما استخدمته ، وترك المكان أحسن مما كان .. هذا بالطبع عمل صالح .
رفع الهاتف : أهلًا أخي ، أختي ، أبي ، أمي ، خالتي ، عمي ، والسؤال عن أحوالهم .. عمل صالح .
شربت العصير وأبقيت العلبة معك حتي تصل لأقرب سلة مهملات .. عمل صالح .
رأيت ولدًا يخطئ ، فأعطيته ابتسامة مليئة بالحب ، وقلت له : استغفر يا بني هذا خطأ ، ولديك فرصة للاستغفار وتثقيل ميزان الحسنات .. عمل صالح .
شيء أفادك في حياتك فنشرته لتعم الفائدة .. عمل صالح .
لم ترد سائلًا خائبًا ، سواء كان سائل نصيحة ، أو سائل مال ، أوسائل خدمة .. عمل صالح .
كتمت عيبًا رأيته بأحدهم .. عمل صالح .
دعوت لميت .. عمل صالح .
الأعمال الصالحة محيطة بنا حتى ونحن في منازلنا .. بإمكاننا تثقيل ميزان الحسنات يوميًا بمليون عمل صالح .
– شرط العمل حتى يكون صالحًا : الإخلاص :
لو احتسبنا هذه الأعمال عند الله وسألناه أن يجعلها سببًا في تثقيل الموازين ؛ سيزداد معدل الإيمان ويستشعر العبد قربه من ربه .
اللهم ثقل موازيننا ، وبيّض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .