العلم والأخلاق :
لله در شاعر النيل حافظ إبراهيم القائل :
إنـي لـتطربني الخلالُ كريمةً … طـرب الـغريب بـأوبة وتـلاقِ
وتهزني ذكرى المروءة والندى … بـيـن الـشـمائل هـِـزة الـمشتاقِ
فــإذا رُزقــتَ خـلـيقةً مـحـمودةً … فـقـد اصـطـفاك مـُقسّم الأرزاقِ
فـالـناس هــذا حـظـهُ مــالٌ وذا … عــلـمٌ وذاك مــكـارم الأخــلاقِ
والـمـال إن لـم تـدخره مـحصنًا … بـالـعـلم كـــان نـهـاية الإمــلاقِ
والـعـلم إن لــم تـكـتنفه شـمائلٌ … تـعـلـيه كـــان مـطـية الإخـفـاقِ
لاتـحـسبن الـعـلم يـنـفع وحــده … مــالــم يــتــّوج ربـــه بــخـلاقِ
– الإسلام دين العلم :
قال الله تعالى : ” يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ “. (المجادلة : 11)
وقال المعلم صلى الله عليه وسلم : ” من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا ؛ سهَّل الله به طريقًا إلى الجنة “. (رواه مسلم)
فالإسلام دين العلم ، كما أنه دين الأخلاق الكريمة ، فأول آيات نزلت من القرآن العظيم على قلب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، تأمر بالقراءة التي هي مفتاح العلوم ، قال الله تعالى : ” ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ * ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ “. (العلق : 1-5)
– مقام العلم والعلماء :
استشهد الله جل في علاه العلماء على وحدانيته فقال سبحانه : ” شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمًَا بِٱلْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ “. (آل عمران : 18)
ومعرفة الله وخشيته تتم بمعرفة آياته ومخلوقاته ، والعلماء هم الذين يعلمون ذلك ولذلك أثنى الله عليهم بقوله : ” إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ “. (فاطر : 28)
وقال الله الملك الحق : ” يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ “. (المجادلة : 11)
ولأهمية العلم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطلب المزيد منه ، فقال : ” وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا “. (طه : 114)
وقد مدح الله جلّ في علاه العلماء وأثنى عليهم بقوله : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ “. (الزمر : 9)
وأهل العلم هم أسرع الناس إدراكًا للحق وإيمانًا به ، قال الله الملك الحق : ” وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ “. (الحج : 54)
وروى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سَهّل الله له طريقًا إلى الجنة “. (رواه البخاري في كتاب العلم)
– أفضل العلوم :
وأفضل العلوم على الإطلاق ، علوم الشريعة التي يعرف بها الإنسان ربه ، ونبيه ، ودينه ، وهي التي أكرم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم وعَلَّمَه إياها ليعلمها الناس : ” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ “. (آل عمران : 164)
وقال المعلم صلى الله عليه وسلم : ” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين “. (متفق عليه)
– خيركم :
وفي العناية بالقرآن تعلمًا وتعليمًا ، يقول المعلم صلى الله عليه وسلم : ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه “. (أخرجه البخاري : 4639)
ندعوكم لقراءة : أخلاقيات رفيعة
– للعالِم ثواب عظيم :
الدال على الخير كفاعله ، وإذا مات العالم فإن أجره عند الله لا ينقطع بموته ، بل يجري له ما انتفع الناس بعلمه ، مصداقًا لقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام : ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له “. (رواه مسلم : 1631)
وإذا نشر العالم علمه بين الناس كان له مثل أجور من اتبعه ، قال عليه الصلاة والسلام : ” من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا”. (رواه مسلم : 2674)
والفقه في الدين من أفضل خصال الخير التي يتشرف بها المسلم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين “. (متفق عليه)
– مفهوم الأخلاق لغة واصطلاحًا :
الخلق لغة : هو السَّجيَّة والطَّبع والدِّين ، وهو صورة الإنسان الباطنية ، أما صورة الإنسان الظاهرة فهي الخُلق ؛ لذلك كان من دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ” … واهدِني لأحسنِ الأخلاق ، لا يهدي لأحسنِها إلا أنت ، واصرِفْ عني سيِّئَها ، لا يصرِفُ عني سيِّئها إلا أنت “. (رواه مسلم)
ويوصَفُ المرءُ بأنه حسَنُ الظاهر والباطن إذا كان حسَنَ الخَلْق والخُلُق .
– علم الأخلاق :
هو علمٌ موضوعه أحكام قِيَمِيَّة تتعلق بالأعمال التي توصف بالحُسن أو القُبح . (المعجم الوجيز)
والأخلاقي : ما يتفق هو وقواعد الأخلاق أو قواعد السلوك المقررة في المجتمع ، وعكسه : لا أخلاقي .
وعلم الأخلاق يهدي إلى أفضل الطرق وأقوم السبل في السلوك .
ومن وسائل تهذيب الأخلاق : الوعظ والإرشاد ببيان حقيقة الفضيلة وأثرها ، وبيان سوء الرذيلة حتى يرتدع الإنسان بنفسه .
وهذا العلم يبين للإنسان طريق الخير وطريق الشر ، وعليه هو أن يسلك أحدهما .
– الخُلق اصطلاحًا :
عبارة عن هيئة في النفس راسخةٍ تصدُرُ عنها الأفعالُ بسهولةٍ ويُسرٍ ، من غير حاجة إلى فكرٍ ولا رويَّة ، وهذه الهيئة إما أن تصدُرَ عنها أفعالٌ محمودة ، وإما أن تصدُرَ عنها أفعالٌ مذمومةٌ ، فإن كانت الأولى ، كان الخُلُق حسَنًا ، وإن كانت الثانية ، كان الخُلُق سيِّئًا .
– الخلق والتخلق :
هناك فَرْقٌ بين الخُلُق والتخلُّق ؛ إذ التخلُّق هو التكلُّف والتصنُّع ، وهو لا يدوم طويلًا ، بل يرجع إلى الأصل ، والسلوك المتكلَّف لا يسمَّى خُلقًا حتى يصير عادةً وحالةً للنفس راسخةً ، يصدُرُ عن صاحبِه في يُسر وسهولة ؛ فالذي يصدُقُ مرة لا يوصَفُ بأن خُلقَه الصدقُ ، ومن يكذِبُ مرَّةً لا يقال : إن خُلقَه الكذب ، بل العبرةُ بالاستمرار في الفعل ، حتى يصيرَ طابعًا عامًّا في سلوكه .
– معنى حُسن الخلق :
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى : « حُسن الخلق : هو بسط الوجه ، وبذل المعروف ، وكف الأذى ». (رواه الترمذي عن عبدالله بن المبارك برقم 2018 ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي)
وعَرَّف القزويني -رحمه الله- معنى حسن الخلق بأنه « سلامة النفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال ، وقد يكون ذلك مع الله تعالى ، وقد يكون فيما بين الناس ».
وقال الإمام الغزالي رحمه الله : « إن الألفة ثمرة حسن الخلق ، والتفرق ثمرة سوء الخلق، فحسن الخلق يوجب التحابّ، والتآلف، والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض، والتحاسد، والتدابر ». (إحياء علوم الدين)
– خُلق الحبيب المصطفى :
سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ” كان خُلُقه القرآن “. (رواه مسلم)
وقال المعلم صلى الله عليه وسلم : ” إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” ، وفي رواية ” صالح الأخلاق “. (أخرجه أحمد ، والبخاري في الأدب المفرد)
وجاء في ( صحيح الجامع ) للألباني ( 1743 ، 1744 )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله تعالى جميل يحب الجمال ، ويحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها “.
– حَدَّثَنَا التاريخ :
الخُلق هو أبرز ما يراه الناسُ ، ويُدركونه من سائر أعمال الإسلام ؛ فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص ؛ لأن محلَّها القلبُ ، كما لا يرون كلَّ عباداته ، لكنهم يرَوْن أخلاقه ، ويتعاملون معه من خلالها ؛ لذا فإنهم سيُقيِّمون دِينَه بِناءً على تعامله ، فيحكُمون على صحتِه من عدمه عن طريق خُلقه وسلوكه ، لا عن طريق دعواه وقوله ، وقد حدَّثَنا التاريخ أن الشرق الأقصى ممثَّلًا اليوم في إندونسيا والملايو والفلبين وماليزيا ، لم يعتنقْ أهلُها الإسلام بفصاحة الدعاة ، ولا بسيف الغزاة ، بل بأخلاقِ التجَّار وسلوكِهم .