الإخوة الخلفاء 2 :
نستكمل مع الإخوة الخلفاء من أبناء عبد الملك بن مروان الذين تولوا حكم الدولة الإسلامية من بني أمية :
- ثانيًا : سليمان بن عبد الملك :
قال الإمام الذهبي عنه في [ سير أعلام النبلاء ] :
أبو أيوب القرشي الأموي ، بويع بعد أخيه الوليد سنة ست وتسعين .
وكان ديِّنًا فصيحًا مفوهًا عادلًا محبًّا للغزو ، يقال : نشأ بالبادية : مات بذات الجنب ، ونقش خاتمه : أومن بالله مخلصًا .
– لا بأس به :
قال الذهبي : جهز جيوشه مع أخيه مسلمة برًا وبحرًا لمنازلة القسطنطينية ، فحاصرها مدة حتى صالحوا على بناء مسجدها .
وكان أبيض كبير الوجه ، مقرون الحاجب جميلًا ، له شعر يضرب منكبيه ، عاش تسعًا وثلاثين سنة ، قسم أموالًا عظيمة ، ونظر في أمر الرعية ، وكان لا بأس به .
– مصاحبة الأخيار :
كان يستعين في أمر الرعية بعمر بن عبد العزيز ، وعزل عمال الحجاج ، وكتب : إن الصلاة كانت قد أميتت ، فأحيوها بوقتها ، وهم بالإقامة ببيت المقدس ، ثم نزل قنسرين للرباط ، وحج في خلافته .
وقيل : رأى بالموسم الخلق ، فقال لعمر بن عبد العزيز : أما ترى هذا الخلق الذين لا يحصيهم إلا الله ، ولا يسع رزقهم غيره ! قال : يا أمير المؤمنين ! هؤلاء اليوم رعيتك ، وهم غدًا خصماؤك ، فبكى وقال : بالله أستعين .
– شهادة ابن سيرين :
عن ابن سيرين قال : يرحم الله سليمان افتتح خلافته بإحياء الصلاة ، واختتمها باستخلافه عمر .. وكان سليمان ينهى الناس عن الغناء .
– كان أكولًا !!
كان سليمان من الأكلة ، حتى قيل : إنه أكل مرة أربعين دجاجة ، وقيل : أكل مرة خروفًا وست دجاجات ، وسبعين رمانة ، ثم أتي بمكوك زبيب طائفي فأكله .
– استخلاف عمر :
ولما مرض بدابق قال لرجاء بن حيوة الكندي : من لهذا الأمر ؟ قال : ابنك غائب ، قال : فالآخر ؟ قال : صغير ، قال : فمن ترى ؟ قال : عمر بن عبد العزيز ، قال : أتخوف إخوتي ، قال : ولِ عمر ، ثم من بعده يزيد بن عبد الملك ، وتكتب كتابًا ، وتختمه ، وتدعوهم إلى بيعة من فيه ، قال : لقد رأيت . وكتب العهد ، وجمع الشرط ، وقال : من أبى البيعة ، فاقتلوه ، وفعل ذلك وتم ، ثم كفن سليمان في عاشر صفر سنة تسع وتسعين ، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز ، وقيل عاش أربعين سنة ، وخلافته سنتان وتسعة أشهر وعشرون يومًا ، عفا الله عنه .
- ثالثًا : يزيد بن عبد الملك :
الخليفة أبو خالد القرشي الأموي الدمشقي ، استخلف بعهد عقده له أخوه سليمان بعد عمر بن عبد العزيز .
كان أبيض جسيمًا جميلًا مدور الوجه ، لم يتكهل .
– فليتعلم التواضع :
قال ابن جابر : أقبل يزيد بن عبد الملك إلى مجلس مكحول ، فهممنا أن نوسع له ، فقال : دعوه يتعلم التواضع .
– أربعون يومًا فقط !!
قال ابن الماجشون وآخر : إن يزيد قال : والله ما عمر بن عبد العزيز بأحوج إلى الله مني ، فأقام أربعين يومًا يسير بسيرته .
– يزيد وحبابة :
تلطفت حبابة وغنته أبياتًا ، فقال للخادم : ويحك !
قل لصاحب الشرط يصلي بالناس .
وهي التي أحب يومًا الخلوة معها ، فحذفها بعنبة ، وهي تضحك ، فوقعت في فيها فشرقت ، فماتت ، وبقيت عنده حتى أروحت ، واغتم لها ثم زار قبرها وقال :
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا … فباليأس تسلو عنك لا بالتجلدِ
وكل خليل زارني فهو قائل … من أجلك هذا هامة اليوم أو غدِ
ثم رجع ، فما خرج إلا على النعش ، وقيل : عاش بعدها خمسة عشر يومًا .
وكانت بديعة الحسن ، مجيدة للغناء ، لامه أخوه مسلمة من شغفه بها ، وتركه مصالح المسلمين ، فما أفاد .
وكان لا يصلح للإمامة ، مصروف الهمة إلى اللهو والغواني .
كانت دولته أربعة أعوام وشهرًا .
وعهد بالخلافة إلى أخيه هشام ، ثم من بعده لولده الوليد بن يزيد ذاك الفويسق ، وخلف أحد عشر ابنًا .
- رابعًا : هشام بن عبد الملك :
بلغت الدولة الأموية أوج قوتها وعظمتها واتساعها في عهد الخليفة العاشر ( والرابع من الإخوة الخلفاء ) هشام بن عبد الملك إذ امتدت من الصين والهند شرقًا حتى بلاد الغال غربًا ( فرنسا حاليًا ) ومن بلاد القوقاز والأناضول ( جورجيا وتركيا حاليًا ) وسواحل إيطاليا شمالًا حتى أرض الحبشة ( إثيوبيا حاليًا ) وغابات إفريقيا جنوبًا .