ادع إلى ربك
ادع إلى ربك :
اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك .
قال الله الملك الحق :
” وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ “. (آل عمران : 104)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” من دل على خير فله مثل أجر فاعله “. (رواه مسلم)
قال الله تعالى في كتابه العزيز :
” وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ۖ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ “. (القصص : 87)
– مهمتك الأولى :
وصلتني رسالة عبر ( الواتساب ) ، وجزى الله من أرسلها خيرا ، تقول :
إن مهمتك الأولى كمسلم في هذا العالم ليست أن تثبت ذاتك ، أو تجد نفسك ، ولا أن تطارد أحلامك ، ولا أن تحقق طموحاتك ولا أن تتبع شغفك ، ولا أن تعتزل الناس لتجد سلامك النفسي ، ولا كل هذه العناوين البراقة المستمدة من وحي التنمية البشرية ودورات الجذب من البعد الخامس وكل هذه المسميات .
فكل ما سبق تحول إلى أصل وهدف بل أصبح هو مهمتك في هذه الحياة الدنيا ، والحقيقة التى طُمست بسبب غلبة المادية والنفعية على عالمنا وعقلنا وأنفسنا ، أن كل ما سبق ليس بهدف ولا غاية بل هو في حقيقة الأمر بعد إحسان النية وإخلاصها لله رب العالمين ، هو وسيلة ومَركَب لتحقيق الوظيفة الأساسية والمهمة الأولى لك كمسلم في هذه الحياة الدنيا هي :
أن تدل الناس على رب الناس ، دلالة على هَدْي كتابه وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ لتستنقذهم بها من النار ، وإن بذلت في سبيل ذلك الغالي والنفيس ، كل حسب قدرته واستطاعته .
عمارة الأرض وفق شريعة الإسلام في كل مناحي الحياة ( على مستوى الفرد والأسرة والعائلة والمجتمع والدولة ) تربويًّا وتعليميًّا وثقافيًّا ، وغير ذلك .
وكل ما في حياتك وجميع أهدافك يجب أن تتوجه لتحقيق هذه المهمة الأسمى اليوم وغدًا وبعد غد ، كُلٌّ حسب استطاعته .
فاجعل في أذنيك دومًا قول ربعي بن عامر رضي الله عنه :
” إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة “.
وإني أُعيذك بالله ألا تكون تافهًا فارغًا تطارد السراب لا لشيء ، فتكون كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : ” فارغًا ، لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة “.
فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا ، وكن لنا ولا تكن علينا وأعنا و لا تُعن علينا وبَصِّرنا بالحق واهدنا له ، واهدنا فيه ، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، ولا تقبضنا إليك إلا وأنت راضٍ عنا يا الله .
– اقضِ حوائجهم يا الله :
كان أحد الصالحين إذا خرج من صلاة الفجر يقول :
” الكلُّ يغدو لحاجته ، وحاجتي يا الله ، أنْ تقضيَ لكل واحدٍ من المسلمين حاجته “.
- وفي التفسير ، لابن كثير :
يقول الله تعالى : ﴿ ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك ﴾ ؛ أي : لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك لا تلوي على ذلك ولا تباله ؛ فإن الله مُعْلِ كلمتك ، ومؤيد دينك ، ومظهر ما أرسلت به على سائر الأديان ؛ ولهذا قال : ( وادع إلى ربك ) ؛ أي : إلى عبادة ربك وحده لا شريك له ، ( ولا تكونن من المشركين ).
– { وادع إلى ربك } :
يقول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله :
اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك ، فكل ما خالف ذلك فارفضه ؛ من رياء ، أو سمعة ، أو موافقة أغراض أهل الباطل ، فإن ذلك داع إلى الكون معهم ، ومساعدتهم على أمرهم ، ولهذا قال : { وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } لا في شركهم ، ولا في فروعه وشعبه ، التي هي جميع المعاصي .
– حكمة وموعظة حسنة :
ما أروع أن تدعو إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ كما أمر ربك في كتابه الكريم ، قال الله العلي العظيم :
” ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحسنى ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ “. (النحل : 125)
قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة :
ليكن دعاؤك للخَلْق ؛ مسلمهم وكافرهم ، إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح { بِالْحِكْمَةِ } أي : كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده .
ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل ، والبداءة بالأهم فالأهم ، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم ، وبما يكون قبوله أتم ، وبالرفق واللين ، فإن انقاد بالحكمة ، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة ، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب .
إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها ، والنواهي من المضار وتعدادها ، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به .
وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل ، فإن كان [المدعو] يرى أن ما هو عليه حق .. أو كان داعيه إلى الباطل ، فيجادل بالتي هي أحسن ، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلًا ونقلًا .
ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها ، فإنه أقرب إلى حصول المقصود ، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها ، ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها .
وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ } علم السبب الذي أداه إلى الضلال ، وعلم أعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها .
{ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } علم أنهم يصلحون للهداية فهداهم ثم منَّ عليهم فاجتباهم .
- والإمام السعدي :
هو أبو عبدالله عبد الرحمن بن ناصر بن عبدالله بن ناصر آل سعدي من قبيلة تميم ، ولد في بلدة عنيزة في القصيم ، وذلك بتاريخ 12 من المحرم عام ألف وثلاثمائة وسبع من الهجرة النبوية ، وتُوفيت أمه وله أربع سنين ، وتُوفي والده وله سبع سنين ، فتربى يتيمًا ولكنه نشأ نشأة حسنة ، وكان قد استرعى الأنظار منذ جداثة سنه بذكائه ورغبته الشديدة في العلوم ، وقد قرأ القرآن بعد وفاة والده ثم حفظه عن ظهر قلب ، وأتقنه وعمره أحد عشر عامًا ، ثم اشتغل في التعلم على علماء بلده وعلى من قدم بلده من العلماء ، فاجتهد وجد حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم ، ولما بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم ويعلم ، ويقضي جميع أوقاته في ذلك حتى أنه في عام ألف وثلاثمائة وخمسين صار التدريس ببلده راجعًا إليه ، ومعول جميع الطلبة في التعلم عليه .
من أهم مصنفاته : تفسير القرآن الكريم المسمى [ تيسير الكريم المنان ] في ثماني مجلدات أكمله في عام 1344هـ .
– مع البغوي :
قال الإمام البغوي في تفسيره :
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة ) بالقرآن ، ( والموعظة الحسنة ) يعني مواعظ القرآن .
وقيل : الموعظة الحسنة هي الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب .
وقيل : هو القول الليِّن الرقيق من غير غلظة ولا تعنيف .
( وجادلهم بالتي هي أحسن ) وخاصمهم وناظرهم بالخصومة التي هي أحسن ، أي : أعرض عن أذاهم ، ولا تقصر في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق ، نسختها آية القتال .
( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ).
– الدين النصيحة :
عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” الدين النصيحة ” ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟
قال : ” لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم “. (رواه مسلم)