حكايات عصرية

موعظة معمر

موعظة معمر :

لله در الشاعر القائل :

توكلتُ في رزقي على اللهِ خالقي … وأيقنتُ بأنَّ اللهَ لا شك رازقي

وما يَكُ من رزقٍ فليس يفوتني … ولو كان في قاعِ البحارِ العوامقِ

سيأتي به اللهُ العظيمُ بفضلِهِ … ولو لم يكنْ مني اللسانُ بناطقِ

ففي أي شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرةً … وقد قَسَّم الرحمنُ رزقَ الخلائقِ

خاطرة عن قصة حقيقية مكتوب كل حرف فيها من خمسين ألف سنة .

وتمر الأيام والسنون ، ويتم تجسيد أحداث القصة الحقيقية والتى لا يخالطها أي خيال .

يقول راوي القصة : زارني مرة في بيتي شيخٌ كبيرٌ جدًّا في السِنّ عمره يجاوز المائة عام بقليل .

اغتنمت فرصة لقائي به وسألته : يا والدي ما أعجب ما مرَّ بك في عمرك المديد هذا ؟

قال : يا ولدي ، لقد رأيت في حياتي أحداثًا عجيبة ، ولكن أعجبها ما سوف أقصُّه عليك ؛ فاحفظ عني وخذ العبرة لك ولمن وراءك :
لقد كنا في الزمن الغابر نقتات في بعض مواسم السنة على ما نقوم بصيده .

وقد خرجت ذات موسم أصطاد ، ومرَّت بضعة أيامٍ وأنا أتربَّصُ للصيد دون جدوى ، حتى بدأ اليأس يدبُّ إلى نفسي من الرزق في ذلك الوقت .

وبينما أنا كذلك أراني الله عجبًا !!

لقد رأيت ثعبانًا يراقب شيئًا ما ويتحرك نحوه ببطء ، فتبعته حتى رأيت أمامه حيوانًا صغيرًا بحجم الفأر يأكل من خشاش الأرض ؛ سرعان ما صار بين فكيِّ الثعبان وبدأ بابتلاعه .

وأنا في مكاني أتابع المشهد وأرى جسم الحيوان الصغير يتنقل في جوف الثعبان ببطء من حلقه إلى وسطه !

وعندما وصل الحيوان الصغير إلى نحو نصف جسم الثعبان ، تحرَّكت نحوه وأنا لا أدري لماذا تحركت !

أخرجت بندقيتي وصوبت فوهتَها نحو رأس الثعبان ، وأطلقت رصاصةً عاجلةً خرقته ، وتركته يتلوى قليلًا ثم مات .

أقبلت عليه وأخرجت حربتي التى استخدمها فى صيد الأسماك ، وطعنت الثعبان في الموضع المنتفخ من جلده ، وشققته .

فخرج الحيوان وفيه رمَقٌ ، لم يمُت بعد .

ركزت حربتي في الأرض ، وجلست غير بعيدٍ منه وأنا أتأمل فيما صنعت .

ولا أدري ما الذي دفعني أن اتأمل فيما صنعت !

رأيت الحياة تعود إليه ، بدأ يمشي ، يحاول الركض لكنه يترنَّح يمنةً ويسرة .

بدأ يُسرع ويسرع .. يا الله ، لقد نجا ، لقد نجا !

لم أكد أُنهي تأملى إلاّ وصقرٌ كبير ينقضُّ من السماء كالبرق ؛ فينشبُ مخالبه في جسد الحيوان ليطير به بعيدًا .

ويختفي عن مدى بصري ، ويتركني في ذهولٍ من مشهدٍ سريعٍ خاطفٍ مرَّ كلمح البصر !

شعرت حينئذٍ بأنَّ رسالةً ما قد بلغتني من ربي مفادُها :

( ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ).

نعم إنَّ الله هو الذي يُعطي ويمنع ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .

ويسترسل العجوز قائلًا :
لقد استفدت من ذلك الدرس ألا أهتم للرزق ما حييت .. أسعى بقدر استطاعتي ، ولكني أعلم يقينًا أن الأرزاق بيد الله وحده .

وها أنذا يا ولدي أمامك قد جاوزتُ المئة ، ومرَّ على تلك الحادثة قرابةَ السبعين سنةٍ وأنا أتقلَّبُ في رزقِ ربي ، لا يضلُّ ربي ولا ينسى.

ويعلق راوى القصة قائلًا :
لقد وافى الثعبان أجله في لحظةٍ ظفر فيها برزقٍ كان يظنُّ أنَّه سوف يستمتعُ به ، ولكن الرزاق قد كتب وقدر الرزق لغيره ، وسيخرجُه له من داخل جوف الثعبان وهو لا يعلم !!

وأما الحيوان الصغير فقد أُكل مرَّتين !!

كانت المرة الثانية في اللحظة التي ظنَّ فيها أنه نجا بالفعل ، ولم يعلم أن مستقرَّهُ سوف يكون في بطنٍ آخر بعد أن يُقطَّعَ إرَبًا !!

وأما أمرُ الطائر فهو الأعجبُ عندي ؛ فقد أخرج الله له رزقه من أغرب مكان من بطن الثعبان ، وسخَّر له المخلوق الأرقى في الأرض وهو الإنسان ؛ ليقوم بتلك المهمة ويُقرِّب إليه رزقه !!

يا الله ، ما أبلغَهُ من درس ، كتبته يارب من خمسين ألف سنة .

لعلَّ الشيخ قد فارق الحياة على الأغلب ، لكنَّ كلماته لم تفارق مخيلتي أبدًا .

وكلما ضاقت أبواب الرزق ؛ أتذكَّر ذلك الشيخ وأقول في نفسي :

الزَمها ؛ فهي موعظةُ مُعمَّر .

ندعوكم لقراءة : إنا كنا نستنسخ

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى