لغة الضاد

مسكنهم في القلب

مسكنهم في القلب :

أولادُنا فلذاتُ أكبادنا ، ثمارُ قلوبنا ، بهجةُ نفوسِنا ، عمادُ ظهورنا .
نحن لهم أرضٌ ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم نصول على كل جليلة .
إن طلبوا أعطيْناهم ، وإن غضِبوا أرْضيناهم .

وَإِنَّمَا أَطْفَالُنَا بَيْنَنَا … أَكْبَادُنَا تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ

إِنْ هَبَّتِ الرِّيحُ عَلَى بَعْضِهِمْ … امْتَنَعَتْ عَيْنِي عَنِ الغُمْضِ

هذه قصيدة للشاعر السوري الراحل عمر بهاء الدين الأميري في الحنين إلى أولاده حينما سافروا وتزوجوا وتركوه وحيدًا في بيته .

قال عنها العملاق عباس محمود العقاد : { لو كان للأدب العالمي ديوانٌ ؛ لكانت هذه القصيدة في طليعته }.

** قال الشاعر الكبير :

أين الضجيجُ العذبُ والشغبُ … أين التدارسُ شابه اللعبُ ؟

أين الطفولةُ في توقدها … أين الدمى في الأرض والكتبُ ؟

أين التشاكسُ دونما غرضٍ … أين التشاكي ماله سببُ ؟

أين التباكي والتضاحكُ في … وقت معا والحزنُ والطربُ ؟

أين التسابقُ في مجاورتي … شغفًا إذا أكلوا وإن شربوا ؟

يتزاحمون على مجالستي … والقربِ مني حيثما انقلبوا

يتوجهون بسوْقِ فطرتهم … نحوي إذا رهبوا وإن رغبوا

فنشيدُهم : ( بابا ) إذا فرحوا … ووعيدُهم : ( بابا ) إذا غضبوا

وهتافهم : ( بابا ) إذا ابتعدوا … ونجيهم : ( بابا ) إذا اقتربوا

بالأمسِ كانوا مِلءَ منزلنا … واليوم ويح اليوم قد ذهبوا

وكأنما الصمت الذي هبطت … أثقالُه في الدار إذ غربوا

إغفاءةَ المحمومِ هدأتها … فيها يشيعُ الهمُ والتعبُ

ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنُهم … في القلبِ ما شطوا وما قربوا

إني أراهم أينما التفتتْ … نفسي وقد سكنوا وقد وثبوا

وأحسُّ في خلَدي تلاعبَهم … في الدار ليس ينالهم نصبُ

وبريق أعينهم إذا ظفروا … ودموع حرقتهم إذا غلبوا

في كلِّ ركنٍ منهم أثرٌ … وبكل زاويةٍ لهم صخبُ

في النافذات زجاجها حطموا … في الحائطِ المدهونِ قد ثقبوا

في الباب قد كسروا مزالجَه … وعليه قد رسموا وقد كتبوا

في الصحن فيه بعضُ ما أكلوا … في علبة الحلوى التي نهبوا

في الشطر من تفاحةٍ قضموا … في فضلةِ الماءِ التي سكبوا

إني أراهم حيثما اتجهتْ … عيني كأسرابِ القطا سرَبوا

دمعي الذي كتمته جَلدا … لما تباكوا عندما ركبوا

حتى إذا ساروا وقد نزعوا … من أضلعي قلبًا بهم يجبُ

ألفيتني كالطفل عاطفةً … فإذا به كالغيثِ ينسكبُ

قد يعجب العُذَّالُ من رَجلٍ … يبكي ولو لم أبكِ فالعجبُ

هيهات ما كل البكا خَوَرٌ … إني وبي عزمُ الرجالِ أبُ

ندعوكم لقراءة : أولادنا ثمار قلوبنا

** والشاعر هو :

عمر بهاء الدين الأميري ، شاعر ودبلوماسي سوري من مدينة حلب ، ويعتبر من أعلام سوريا .

يميل إلى التصوف ، ويتميز شعره بالطبيعة العاطفية ، وتناول في شعره العديد من المواضيع منها مواضيع سياسية وعاطفية ودينية .

عمل سفيرًا لسوريا فترة من الزمن بباكستان ثم بالمملكة العربية السعودية .

** وللمزيد :

نشأ في مدينة حلب ، وفيها تلقى دروسهُ الأولى في المدرسة الفاروقية ، وحفظ القرآن الكريم في صغرهِ ، ومن مدارسها الأخرى تلقى علوم الأدب ، والعلوم ، والفلسفة ، وعلم الاجتماع ، والنفس ، والأخلاق ، والتاريخ ، والحضارة وعلم الفلك .

أولع بالشعر العربي ، وكانت لهُ هواية -بعد حفظهِ للقرآن- حفظ روائع الشعر العربي في مختلف عصوره .

وفي الجامعة السورية تلقى العلوم القانونية ، وحمل ( شهادة الحقوق ) التي تخوله أن يكون محاميًا ، وفعلًا عمل عمر في مهنة المحاماة حينًا من الزمن ، ثم سافر إلى باريس رغبة في استكمال تحصيله العلمي ، فدرس الأدب العربي والعالمي ، وفقه اللغة ، وحمل الشهادة العليا من جامعة السوربون .

عاد إلى مدينتهِ ، فدرّس في حلب حينًا من الزمن ، بالأخص مادة ( حاضر العالم الإسلامي ) في الكلية الشرعية ، ثم انتقل إلى العاصمة وتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي ، وكان الشعر والترنم به هوايته الأولى .

عمل مدة طويلة في تدريس الأدب وفقه اللغة ، والحقوق والحضارة الإسلامية في عدد من الجامعات العربية والأجنبية ، ثم عمل سفيرًا لبلادهِ في وزارة الخارجية السورية .

كان الشاعر مع أقاربه في أحد المصايف في لبنان ، ثم سافرت الأسرة إلى حلب وخلفته وحيدًا ، فكانت قصيدة : مسكنهم في القلب .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى