مراحل خلق الإنسان
قال الله تعالى عن مراحل خلق الإنسان في سورة المؤمنون :
” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴿12﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴿13﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا قَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿14﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿15﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴿16﴾”.
إذًا هي قصة :
اسمها الإنسان بدأ الله خلقه من طين وسوى من هذا الطين أبّا هو آدم عليه السلام ، وهو أب للناس أجمعين .. ينتقل الواحد منا من مجرد نطفة يقذفها الوالد في قرار مكين محفوظة من كل مؤثر خارجي وهو رحم الأم ، ثم تتحول النطفة في الرحم إلى عدة تحولات ذكرها القرآن قديمًا دون أي أجهزة اكتشاف ورآها الإنسان حديثًا بعدما تطور العلم البشري ليسبق القرآن علوم الإنسان وليثبت أنه من لدن رحيم رحمن .
تتحول النطفة إلى أطوار جنينية هي :
العلقة
المضغة
ثم تكون العظام
ثم كساء اللحم للعظام
ثم استواء الإنسان واكتمال خلقه ليخرج للحياة ويختبره الله فيها .
ثم تنتهي القصة مع آخر نفس له في الدنيا لينتقل إلى طور آخر وهو حياة البرزخ .
اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
( يا لها من رحلة )
تبدأ من ظهر الأب إلى بطن الأم ..
ومن بطن الأم إلى ظهر الأرض ..
ومن ظهر الأرض إلى بطن الأرض ..
من بطن الأرض إلى يوم العرض ..
وفي كل محطة ترى العجب ..
وفي النهاية تحط الرحال ..
إما إلى الجنة ..
وإما إلى النار ..
اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا عزيز يا غفار .
وبحسب موقع إسلام ويب فإن أدوار الخِلقة وأكوان الفطرة تسعة ، هي :
المرتبة الأولى : قوله سبحانه وتعالى : ” ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ” والسلالة : الخلاصة ؛ لأنها تسل من بين الكدر ، فعالة ، وهو بناء يدل على القلة كالقلامة والقمامة ، واختلف أهل التفسير في ( الإنسان ) فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومقاتل : المراد منه آدم عليه السلام ، فآدم سل من الطين ، وخُلقت ذريته من ماء مهين ، ثم جعلنا الكناية راجعة إلى الإنسان الذي هو ولد آدم ، والإنسان شامل لآدم عليه السلام ولولده .. وقال آخرون : الإنسان هاهنا ولد آدم ، والطين هاهنا اسم آدم عليه السلام ، والسلالة هي الأجزاء الطينية المبثوثة في أعضائه التي لما اجتمعت وحصلت في أوعية المني صارت منيًّا ، وهذا التفسير مطابق لقوله تعالى : ” وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ” [السجدة : 7-8] .. وفيه وجه آخر ، وهو أن الإنسان إنما يتولد من النطفة وهي إنما تتولد من فضل الهضم الرابع ، وذلك إنما يتولد من الأغذية ، وهي إما حيوانية وإما نباتية ، والحيوانية تنتهي إلى النباتية ، والنبات إنما يتولد من صفو الأرض والماء ، فالإنسان بالحقيقة يكون متولدًا من سلالة من طين ، ثم إن تلك السلالة بعد أن تواردت على أطوار الخلقة وأدوار الفطرة صارت منيًّا ، وهذا التأويل مطابق للفظ ولا يحتاج فيه إلى التكلفات .
المرتبة الثانية : قوله تعالى : ” ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ” ومعنى جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولًا طينًا ، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة في أصلاب الآباء فقذفه الصلب بالجماع إلى رحم المرأة فصار الرحم قرارًا مكينًا لهذه النطفة ، والمراد بالقرار موضع القرار وهو المستقر ، فسماه بالمصدر ثم وصف الرحم بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها ؛ كقولك : طريق سائر ، أو لمكانتها في نفسها ؛ لأنها تمكنت من حيث هي وأحرزت .
المرتبة الثالثة : قوله تعالى : ” ثم خلقنا النطفة علقة ” أي : حولنا النطفة عن صفاتها إلى صفات العلقة وهي الدم الجامد .
المرتبة الرابعة : قوله تعالى : ” فخلقنا العلقة مضغة ” أي : جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة ؛ أي : قطعة لحم كأنها مقدار ما يمضغ كالغرفة وهي مقدار ما يُغترف ، وسمي التحويل خلقًا ؛ لأنه سبحانه يُفني بعض أعراضها ويخلق أعراضًا غيرها ، فَسَمَّى خلق الأعراض خلقًا وكأنه سبحانه وتعالى يخلق فيها أجزاء زائدة .
المرتبة الخامسة : قوله : ” فخلقنا المضغة عظامًا ” أي : صيرناها كذلك ، وقرأ ابن عامر ( عظمًا ) والمراد منه الجمع كقوله : ” والملك صفًا صفًا “. [الفجر : 22]
المرتبة السادسة : قوله تعالى : ” فكسونا العظام لحمًا ” وذلك لأن اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة لها .
المرتبة السابعة : قوله تعالى : ” ثم أنشأناه خلقًا آخر ” أي : خلقّا مباينًا للخلق الأول مباينة ما أبعدها ، حيث جعله حيوانًا وكان جمادًا ، وناطقا وكان أبكم ، وسميعًا وكان أصم ، وبصيرًا وكان أكمه ، وأودع باطنه وظاهره ، بل كل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه عجائب فطرة وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين ، ولا شرح الشارحين ، وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هو تصريف الله إياه بعد الولادة في أطواره في زمن الطفولية وما بعدها إلى استواء الشباب ، وخلق الفهم والعقل وما بعده إلى أن يموت ، ودليل هذا القول أنه عقَّبه بقوله : ” ثم إنكم بعد ذلك لميتون ” ، وهذا المعنى مروي أيضًا عن ابن عباس وابن عمر ، وإنما قال : ” أنشأناه ” لأنه جعل إنشاء الروح فيه ، وإتمام خلقه إنشاء له .. قالوا : في الآية دلالة على بطلان قول النظام في أن الإنسان هو الروح لا البدن ، فإنه سبحانه بيَّن أن الإنسان هو المركب من هذه الصفات ، وفيها دلالة أيضًا على بطلان قول الفلاسفة الذين يقولون : إن الإنسان شيء لا ينقسم ، وإنه ليس بجسم .
أما قوله : ” فتبارك الله ” أي : فتعالى الله ؛ فإن البركة يرجع معناها إلى الامتداد والزيادة ، وكل ما زاد على الشيء فقد علاه ، ويجوز أن يكون المعنى : والبركات والخيرات كلها من الله تعالى ، وقيل : أصله من البروك وهو الثبات ، فكأنه قال: والبقاء والدوام والبركات كلها منه فهو المستحق للتعظيم والثناء ، وقوله : ” أحسن الخالقين ” أي : أحسن المقدرين تقديرًا ، فترك ذكر المميز لدلالة (الخالقين) عليه .
ثم تأتي المرتبة الثامنة ، ومن بعدها التاسعة ، بعد مراحل خلق الإنسان السبعة المعروفة في علم الأجنة ، لتنقلنا إلى الموت ، ثم البعث.
المرتبة الثامنة : قوله : ” ثم إنكم بعد ذلك لميتون ” قرأ ابن أبي عبلة وابن محيصن ( لمائتون ) والفرق بين الميت والمائت ، أن الميت كالحي صفة ثابتة ، وأما المائت فيدل على الحدوث ، تقول : زيد ميت الآن ومائت غدًا ، وكقولك : يموت ، ونحوهما ضيق وضائق في قوله : ” وضائق به صدرك “. [هود : 12]
المرتبة التاسعة : قوله : ” ثم إنكم يوم القيامة تُبعثون ” فالله سبحانه جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضًا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع .
أدعوكم لقراءة : الجمل سفينة الصحراء
- الدكتور كيث مور :
يحكي عنه الدكتور زغلول النجار في كتابه ( الذين هدى الله ) :
دُعيت مرة لحضور مؤتمر عُقد للإعجاز في موسكو ، فكرهت في بادئ الأمر أن أحضره ؛ لأنه يعقد في بلد كانت هي عاصمة الكفر والإلحاد لأكثر من سبعين سنة ، وقلت في نفسي : ماذا يعلم هؤلاء الناس عن الله حتى ندعوهم إلى ما نادى به القرآن الكريم ؟!
فقيل لي : لا بد من الذهاب ، فإن الدعوة قد وُجِّهت إلينا من قِبَل الأكاديمية الطبية الروسية .
فذهبنا إلى موسكو ، وفي أثناء استعراض بعض الآيات الكونية ، وبالتحديد عند قول الله تعالى : ” يُدَبِّرُالأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍكَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ “. [السجدة : 5]
وقف أحد العلماء المسلمين وقال : إذا كانت ألف سنة تساوي قدرين من الزمان غير متكافئين ، دلَّ ذلك على اختلاف السرعة .
ثم بدأ يحسب هذه السرعة فقال : ألف سنة .. لابد وأن تكون ألف سنة قمرية ؛ لأن العرب يعرفون السنة الشمسية ، والسنة القمرية اثنا عشر شهرًا قمريًا ، ومدة الشهرالقمري هي مدار القمر حول الأرض ، وهذا المدار محسوب بدقة بالغة ، وهو 2.4 بليون كم .. فقال : 2.4 بليون مضروب في 12 (وهو عدد شهور السنة) ثم في ألف سنة ، ثم يُقسم هذا الناتج على أربع وعشرين (وهو عدد ساعات اليوم) ثم على ستين (الدقائق) ثم على ستين (الثواني) ، فتوصَّل هذا الرجل إلى سرعة أعلى من سرعة الضوء .. فوقف أستاذ في الفيزياء -وهو عضو في الأكاديمية الروسية- وهو يقول : لقد كنت أظنني -قبل هذا المؤتمر- من المبرزين في علم الفيزياء ، وفي علم الضوء بالذات ، فإذا بعلمٍ أكبر من علمي بكثير .. ولا أستطيع أن أعتذر عن تقصيري في معرفة هذا العلم إلا أن أُعلن أمامكم جميعًا أني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ..
ثم تبعه في ذلك أربعة من المترجمين ، الذين ما تحدثنا معهم على الإطلاق وإنما كانوا قابعين في غرفهم الزجاجية يترجمون الحديث من العربية إلى الروسية والعكس ، فجاءونا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ..
ليس هذا فحسب وإنما عَلِمنا بعد ذلك أن التلفاز الروسي قد سجَّل هذه الحلقات وأذاعها كاملة ، فبلغنا أن أكثر من 37 عالمًا من أشهر العلماء الروس قد أسلموا بمجرد مشاهدتهم لهذه الحلقات ..
ليس هذا فحسب ، وإنما كان معنا أيضًا ( كيث مور ) وهو من أشهر العلماء في علم الأجنة ، ويعرفه تقريبًا كل أطباء العالم ، فهو له كتاب يُدرَّس في معظم كليات الطب في العالم ، وقد تُرجم هذا الكتاب لأكثر من 25 لغة ، فهو صاحب الكتاب الشهير ( The Developing Human ) .. فوقف هذا الرجل في وسط ذلك الجمع قائلًا: { إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله ، وأن محمدًا رسول الله } ..
فقيل له : هل أنت مسلم ؟! قال : لا ، ولكني أشهد أن القرآن كلام الله ، وأنَّ محمدًا مرسَل من عند الله .. فقيل له : إذن فأنت مسلم .. قال : أنا تحت ضغوط اجتماعية تحول دون إعلان إسلامي الآن ، ولكن لا تتعجبوا إذا سمعتم يومًا أن كيث مور قد دخل الإسلام ..
ولقد وصلنا فيما بعد أنه قد أعلن إسلامه فعلًا ، فلله الحمد والمنة .
وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عُقد في القاهرة عام 1986م ، وقف الأستاذ الدكتور كيث مور ( Keith Moore ) في محاضرته قائلًا: { إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم ، ولست أعتقد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين ؛ لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين ، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالمٍ من علماء الأجنة البارزين }.
علمًا أن مراحل خلق الإنسان ( بني آدم ) التي ذكرها القرآن هي سبع مراحل ، قال تعالى : ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ “. [المؤمنون : 12-14]
وقد أثبت علم الأجنة هذه المراحل وصحتها وتطابقها مع مراحل خلق الإنسان المذكورة في القرآن ، وهذه المراحل هي :
1- أصل الإنسان ( سلالة من طين ) .. 2- النطفة .. 3- العلقة .. 4- المضغة .. 5- العظام .. 6- الإكساء باللحم .. 7- النشأة .
وقد اعتبر المؤتمر الخامس للإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي عقد في موسكو ( سبتمبر / أيلول 1995م ) هذا التقسيم القرآني لمراحل خلق الجنين وتطوره صحيحًا ودقيقًا ، وأوصى في مقرراته على اعتماده كتصنيف علمي للتدريس ، علمًا أنَّ الأستاذ الدكتور كيث مور Keith Moore وهو من أشهر علماء التشريح وعلم الأجنة في العالم ورئيس هذا القسم في جامعة تورنتو بكندا ( الذي كان أحد الباحثين المشاركين في المؤتمرالمذكور ) ، ألَّف كتابًا يعدُّ من أهم المراجع الطبية في هذا الاختصاص ( مراحل خلق الإنسان – علم الأجنة السريري ) ، وضمنه ذكر هذه المراحل المذكورة في القرآن ، وربط بين كل فصل من فصول الكتاب التي تتكلم عن تطور خلق الجنين وبين الحقائق العلمية والآيات والأحاديث المتعلقة بها .