حكاية رواندا مع الإسلام
حكاية رواندا مع الإسلام :
كتب الصحفى ” عبدالله محمد حجر ” :
يوم 7 أبريل 1994م ، هجمت قبيلة مسيحية اسمها ( الهوتو ) وهي الأغلبية المسيحية الحاكمة في رواندا ، على أقلية قبيلة مسيحية أخرى اسمها ( توتسي ) ، ودارت أكبر مجزرة بشرية عرفها التاريخ الحديث ، بل وربما هي أكبر مذبحة شهدتها البشرية .
المسيحيون الهوتو لم يتركوا مسيحيًّا توتسيًا إلا قطعوه أو ذبحوه اوأشعلوا فيه النار .
في ذلك الوقت كان المسلمون قلة ، لا هم من الأغلبية ولا من الأقلية ، ولم يكن الإسلام طرفًا في النزاع الدائر بين القبيلتين المسيحيتين ، وما حدث أن الآلاف والآلاف من المسيحيين المستضعفين من التوتسي انطلقوا مسرعين صوب أبواب الكنائس طلبًا للحماية ؛ ففتح لهم القسس ( الهوتو ) للدخول ، ثم أخبروا المليشيات لتأتي وتقتلهم ، وقام قس ووصفهم بالصراصير .
وهناك قسس هوتو كثر أفتوا بقتل التوتسي ؛ فشهدت ساحات الكنائس عمليات إبادة معترف بها دوليًّا وموثقة في الفاتيكان ، ووُصِفت على ألسنة الضحايا فيما بعد في المحاكم ، وتكرر المشهد هنا وهناك ، ولك أن تتخيل أنه خلال 4 شهور فقط كانت حصيلة القتلى قد بلغت 800 ألف مسيحي على يد مسيحي ؛ بواقع 6666 قتيلًا كل يوم !!
لقد قتل الجيران جيرانهم ؛ لأنهم توتسي ، كما قتل بعض الأزواج زوجاتهم المنتميات للتوتسي ، واحتُجزت الآلاف من نساء التوتسي لاغتصابهن .
في ظل هذا النزاع الدموي كان للإسلام في رواندا كلمة أخرى ، ورأي أخر ؛ فقد علت مكبرات الصوت في مساجد المسلمين تقول : إن الدم حرام ، وأفتى مشايخ المسلمين بحرمة الدماء وحرموا على المسلم الهوتو مساندة أهل قبيلته في قتل المسيحيين التوتسي ووجب على كل مسلم من الهوتو حماية التوتسي الذي يستنجد به سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا .
وصرخ مشايخ المسلمين قائلين : إن العصبية للقبيلة جاهلية ، وأن المسلم أخو المسلم ، ورفض أئمة مساجد المسلمين تسليم أي توتسي مسيحي يستنجد بهم ، وحرموا على أي مسلم تسليم أي مسيحي توتسي يستنجد به .
وبعد انتهاء الحرب الأهلية أصبحت دولة رواندا مُدمرة ، وتحولت البنية التحتية للبلد إلى أنقاض ، وخلفت مئات الآلاف من الناجين الذين يعانون من الصدمات النفسية ، والشكوك العقائدية ، والرغبة في معرفة هذا الدين الذي حرم الدماء ، وكان ملاذًا آمنًا للبعض منهم .
ملايين من المسيحيين مصدومون من إجرام القساوسة ومصدمون في عقيدتهم نفسها ؛ فتحولوا بالملايين إلى الإسلام بشكل يصعب وصفه ؛ مما دفع بكل وسائل الإعلام العالمية لتغطية هذا الانتشار الكبير للإسلام في رواندا .
يقول الشيخ ” صالح هابيمانا ” -مفتي المسلمين في رواندا- : إن الإسلام اليوم أصبح منتشرًا في كل مكان في رواندا .
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقول : إن مقتل نحو 800 ألف رواندي في عمليات الإبادة الجماعية لم يؤد فقط إلى فقدان ثقة المواطنين في حكومتهم فحسب ، بل في ديانتهم أيضًا ، إذ تهيمن المسيحية الكاثوليكية في هذا البلد الذي بات الإسلام فيه هو أسرع الأديان انتشارًا .
وتقول الـ بي بي سي البريطانية : لقد كان للملاذ الآمن الذي وفره المسلمون للتوتسي وحمايتهم من الهوتو ، أبلغ الأثر في تحول الكثيرين إلى الإسلام في ذلك البلد .
ياكوبو جوما زيمانا ، الذي اعتنق الإسلام عام 1996م ، قال لـ نيويورك تايمز : ” الناس ماتت في كنيستي القديمة ؛ لقد كان القس يساعد القتلة .. لم يعد بوسعي العودة والصلاة هناك ، كان علي البحث عن دين آخر “.
أليكس روتيريزا أعلن إسلامه ، وقال : ” لقد تعامل المسلمون خلال مذابح عام 1994م بشكل جيد جدًّا ، فأردت أن أكون مثلهم .. كانت عمليات القتل في كل مكان ، في حين كان حي المسلمين هو الأكثر أمانًا “.
رمضاني روغيما ، السكرتير التنفيذي لاتحاد المسلمين في رواندا ، قال : ” لم يمت أحد في مسجد ، ولقد تصدى المسلمون للميليشيات ، وأنقذوا الكثير من الأرواح “.
وأضاف روغيما ، وهو من التوتسي : ” إنه يدين بحياته لمسلم خبأه من الميليشيا التي كانت تطارده “.
وهذه هي القصة ؛ فالإسلام عبّر عن نفسه ، الإسلام تجسد واقعًا ؛ الملايين حرفيًّا من المسيحيين في دولة رواندا تحولوا إلى الإسلام .
كان عدد المسلمين قبل الإبادة الجماعية أقل من مليون ، واليوم أعتقد أنهم من 4 إلى 5 ملايين في دولة عدد سكانها 11 مليونًا .
لقد تزلزل كيان الكاثوليكية ، وانهارت الديانة المسيحية بالشكل الذي جعل رواندا أكثر دولة في العالم ينتشر فيها الإسلام ، وهذا ثابت وموثق ومعلوم ومنشور .
حكاية رواندا مع الإسلام أعظم حكاية يمكن ان تُنشر ، وهي ليست قديمة ، ولا غارقة في سنوات التاريخ ، بل حدثت في عصرنا وفي حياتنا وفي وجود الإنترنت .
فتح الله رواندا بالاسلام ، ثم صالحهم ، ثم هداهم ، ثم أكرمهم ، ثم أغناهم ؛ فأصبحت رواندا الدولة الأفريقية النموذج الاقتصادي الأنجح في إفريقيا على الإطلاق ، من دولة مجاعات وحروب إلى دولة صناعات ونهضة !!