البصر والبصيرة
البصر والبصيرة :
البصر : قوة الإبصار والإدراك بالعين .
البصيرة : قوة فِطْنة واتقاد ذكاء ، ونظر نافِذ إلى خفايا الأشياء ؛ يقول الشاعر أسامة بن منقذ :
تُريه آراؤُه في يومِه غَدَهُ … فيحسِمُ الخطبَ فيه قبلَ يَكتَنِفُ
بصيرة كشفت ما في القلوب له … وأطلَعَته عليه قبلَ يَنْكشفُ
- قال علماء اللغة :
البصيرة : الفطنة .. تقول العرب : أعمى الله بصائره : أي فطنه .
وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن معاوية -رضي الله عنه- لما قال لهم : يا بني هاشم ! تصابون في أبصاركم .
قالوا له : وأنتم يا بني أمية ! تصابون في بصائركم .
وإنه لبصير بالأشياء أي عالم بها .
ويقال للفراسة الصادقة فراسة ذات بصيرة .
وقال الراغب : البصر يقال للجارحة الناظرة ، كقوله -تعالى- : ” وَإذ زَاغَتِ الأَبصَارُ ” (الأحزاب : 10) ، وللقوة التي فيها .
ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة ، نحو قوله -تعالى- : ” أَدعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ “. (يوسف : 108)
- أما في الشرع :
فيعرّفها ابن القيم بقوله : « هي نور يقذفه الله في القلب ، يفرّق به بين الحق والباطل ، والصادق والكاذب ».
وفي تعريف آخر له يقول : « هي نور يقذفه الله في قلب ، يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل كأنه يشاهده رأي عين ، فيتحقق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرسل وتضرره بمخالفتهم ، وهذا معنى قول بعض العارفين : ( البصيرة تحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به )».
- البصيرة في القرآن الكريم :
قال -تعالى- : ” أَوَ مَن كَانَ مَيتًا فَأَحيَينَاهُ وَجَعَلنَا لَهُ نُورًا يَمشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظٌّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ مِّنهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ “. (الأنعام : 122)
فهذا مثل للذي هداه الله بعد الضلالة ، وأضاء بصيرته بنور الحجج والآيات ، يتأمل بها الأشياء فيميز بين الحق والباطل ( ويجد الإنسان في قلبه هذا النور ) ؛ فتتكشف له حقائق الوجود وحقائق الحياة وحقائق الناس وحقائق الأحداث التي تجري في هذا الكون وتجري في عالم الناس ، ويجد الإنسان في قلبه هذا النور فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث ، يجد الوضوح في نفسه وفي نواياه وخواطره وخطته وحركته ، ويجد الوضوح فيما يجري حوله ، سواء من سنة الله النافذة أو من أعمال الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة .
- إشراقات شعرية :
ـ يقول الشاعر عبد الجبار بن حمديس :
تريه خفيّات الأمور بصيرة … كأن حجابَ الغيب عنها تكشّفا
ـ ويقول الشاعر ابن معتوق :
لهُ بصرٌ يرنو بهِ عنْ بصيرةٍ … يجوزُ حدودَ الغيبِ وهوَ حديدُ
ـ ويقول الشاعر محمد إقبال :
ضمنا كالزهر نظمٌ مضمرُ … بصرٌ ليس يراه مبصرُ
ـ ويقول الشاعر جبران خليل جبران :
قد تفتن الأبصار بهرجة وقد … تغشى البصائر فتنة الأبصارِ
ـ ويقول الشاعر علي بن محمد التهامي :
لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا … وعمى البصائر من عمى الأبصارٌ
ـ ويقول أبو العتاهية :
خُذْ ما عرفتَ ودعْ ما أنتَ جاهلُهُ … للأمْرِ وَجهانِ : مَعرُوفٌ وَمَجهولُ
ـ يقول الشاعر الراعي النميري :
إنْ يَعْرِفُونِي فَمَعْرُوفٌ لِذي بَصَرٍ … أوْ يَنْسُبُوني فَعالي الذِّكْرِ مَشْهُورُ
ـ فيومئ الشاعر البحتري برأسه إيجابًا ؛ ويقول :
أقامَ منارَ الحقّ حتى اهتدَى بهِ … وَأبْصَرَهُ مَنْ لمْ يكُنْ قطّ أبْصَرَا
ـ ويكمل الشاعر عبد الغفار الأخرس :
كم له من كلماتٍ في النهى … نبّهت للرشد أبصار النيام
ـ ويقول الشاعر مهيار الديلمي :
ولقد كفاني في العفافِ بصيرةً … ذلُّ الحريصِ ورزقهُ مقسومُ
ـ ويكمل الشاعر ابن شهاب :
فإني على علم وصدق بصيرة … من الأمر لم أنقد بغير زمامها
ـ يقول الشاعر جرير :
رأى الناسُ البصيرةَ فاستقاموا … وبينتِ المراضِ منَ الصحاحِ
ـ يقول الشاعر أبو بكر الخالدي :
إذا تشكَّكْتَ فيما أنت مبصرُهُ … فلا تَقُلْ إِنّني في النّاس ذُو بَصَرِ
ـ يقول الشاعر ابن عنين :
وإذا البصائرُ عن طرائق رشدها … عميتْ فماذا تنفعُ الأبصارُ
ـ يحذر الشاعر ابن شهاب كل من يسعى بغير بصيرة ؛ فيقول :
يسعى بغير بصيرة فيزيده … طلب المزيد بسعيه نقصانا
ـ يقول الشاعر عبد الغفار الأخرس :
كمن راح يختار الضلال على الهدى … وعوِّض عن عين البصيرة بالعمى
ـ وخير ختام مع الأحكام ، وصوت عملاق التلاوة ( فضيلة الشيخ محمد صديق المنشاوي ) وهو يتلو آيات من الذكر الحكيم :
” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”. (الحج : 46)