الأم مدرسة 2
الأم مدرسة :
- لله در الشاعر القائل :
الأمُ تذوبُ لكي نحيا … ونذوقُ من العمر هناه
الأم بحارٌ من خيرٍ … والبحرُ تدومُ عطاياه
أماهُ أُحِبُّكِ يا عمري … يا بهجةَ قلبي ومُناه
ضمّيني واسقيني حبًّا … ودعيني أحلمُ أماه
- وقال الشاعر القروي عن الأم :
لي أمٌ حَنُونٌ أرضعتني … لبانَ الحبِّ من صَدْرٍ أحنِّ
على بسمَاتِها فتحتُ عيني … ومن لَثماتِها رويتُ سِنِّي
كما كانتْ تُناغيني أُناغي … وما كانتْ تُغَنيني أُغَنِّي
سَقاني حُبُّها فوقَ احتياجي … ففاضَ على الوَرى ما فاضَ مني
- وقال الشاعر خليل مطران :
نعمت الأمُ أنجبت خيرةَ الأولادِ … للبِّرِ والنَدى والوفــاءِ
- وهذا الإمام العلم محمد بن إدريس الشافعي ينصحنا قائلًا :
ﺃﻃﻊ ﺍﻹﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﺃﻣﺮ … ﻭﺍﻣﻸ ﻓﺆﺍﺩﻙ ﺑﺎﻟﺤﺬﺭ
ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺣﻖٌّ ﻭﺍﺟﺐٌ … ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺒﺼﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮ
ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈﻧﻪ … ﻧِﻌْﻢَ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺗُﺪَّﺧَﺮ
ﻭﺃﻃﻊ ﺃﺑﺎﻙ ﻓﺈﻧﻪ … ﺭﺑﺎﻙ ﻣﻦ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﺼﻐﺮ
ﻭﺍﺧﻀﻊ ﻷﻣﻚ ﻭﺍﺭﺿﻬﺎ … ﻓﻌﻘﻮﻗﻬﺎ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻜُﺒَﺮ
ﺣﻤﻠﺘﻚ ﺗﺴﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ … ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘَّﺄَﻟُﻢِ ﻭﺍﻟﻀﺠﺮ
ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺮﺿﺖُ ﻓﺈﻧﻬﺎ … ﺗﺒﻜﻲ ﺑﺪﻣﻊٍ ﻛﺎﻟﻤﻄﺮ
ﻓﺄﻃﻌﻬﻤﺎ ﻭﻗﺮﻫﻤﺎ … ﻛﻴﻼ ﺗُﻌﺬَّﺏ ﻓﻲ ﺳَﻘَﺮ
– وهذه نماذج لأمهات مربيات فضليات :
- ﺃﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ :
ﻭُﻟﺪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ( 194 ﻫـ ) ﺑﺒﻠﺪﺓ ﺑﺨﺎﺭﻯ .. ﻣﺎﺕ ﺃﺑﻮﻩ ﻭﻫﻮ ﺻﻐﻴﺮ ﻓﻜﻔﻠﺘﻪ ﺃﻣﻪ ﻭﺃﺣﺴﻨﺖ ﺗﺮﺑﻴﺘﻪ .
ﺫﻫﺒﺖ ﻋﻴﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻩ ، ﻓﺮﺃﺕ ﻭﺍﻟﺪﺗﻪ ﺍﻟﺨﻠﻴﻞ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻡ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ : ” ﻳﺎ ﻫﺬﻩ ! ﻗﺪ ﺭﺩ ﺍﻟﻠّﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﺑﻨﻚ ﺑﺼﺮﻩ ﺑﻜﺜﺮﺓ ﺩﻋﺎﺋﻚ “.
ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻭﻗﺪ ﺭﺩّ ﺍﻟﻠّﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺼﺮﻩ ، ﻓﺘﺒﺪﻝ ﺣﺰﻧﻬﺎ ﺳﺮﻭﺭًﺍ ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻪ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻟﻪ ﻭﺍﻟﺒﻜﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ .
ﺭﺑﺘﻪ ﺃﻣﻪ ﺃﺣﺴﻦ ﺗﺮﺑﻴﺔ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻪ إلى المسجد ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺳﻠﻪ إلى العلماء ﻭﺣﻠﻘﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻢ ، ﻓﺄﺻﺒﺢ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﻟﻔﺬ ﺇﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺻﺎﺣﺐ ﺃﺻﺢ ﻛﺘﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠّﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
( المصدر : سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله ).
- ماجدات ساجدات :
لله در الشيخ راشد البداح القائل في خطبة له :
في بيوتِنا مصانع ، لا تَصنعُ حديدًا ، في بيوتِنا مطابخُ لا تَطبخُ ثريدًا .
في بيوتِنا صانعاتُ الرجال ، وبانياتُ البيوت ، ومربياتُ الأجيال ، إنهنَّ صانعاتُ الأمجاد ، يا لَهُنَّ من ماجداتٍ ساجدات ، ” مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ “. (التحريم : 5)
أليسَ يَرتادُ المساجدَ أطفالٌ وصبيانٌ يَشهدونَ معنا الصلوات ؟!
بل أليسَ أئمةُ المساجدِ ومؤذنُوها شبابٌ همْ منْ إنتاجِ صانعاتِ العقولِ ؟!
أليسَ طلابُ وطالباتُ الحلقاتِ والدورِ النسائيةِ إنما صَنَعَهنَّ أمهاتٌ صالحاتٌ : ” قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ “. (النساء : 34)
بلْ مَن رَبَّى زوجاتِنا الصالحات إلا أمهاتهُن المربيات ؟!
حقًا : إنكنَّ أمهاتٌ عظيماتٌ : فوَفَقَكُنّ اللهُ وسهَّلَ لكُنَّ طُرُقَ أبوابِ الخيراتِ .
أيتامٌ ماتَ آباؤهم ، فقامتْ أمهاتٌ عظيماتٌ بالُمهمتيِن : مهمةِ الأبوةِ والأمومةِ معًا .
- الزبير وذريته :
هذا الزبيرُ بنُ العوامِ فارسُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي عَدَلَ به عمرُ رضي الله عنه ألفًا منَ الرجالِ ، يَشِبُّ في كنفِ أمهِ صفيةَ بنتِ عبدِ المطلب عمةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .
وهؤلاءِ الكَمَلةُ العظماءُ عبدُاللهِ ، وعروةُ ابنا الزبيرِ بن العوام ، كلُّهم ثمراتُ أمِّهم ذاتِ النطاقينِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما .
- أنا ابن هند :
وهذا أمير المؤمنين معاويةُ بنُ أبي سفيانَ أريبُ العربِ وألمعيُها ، ورِثَ عنْ أمهِ هندَ بنتِ عتبةَ همةً تُجاوِزُ الثُريَّا ، ولما قيلَ لها ومعاويةُ بينَ يديْها : إنيْ أظنُ أنَّ هذا الغلامَ سيَسُودُ قومَه ، فقالتْ واثقةً : ” ثكِلْتُه إذًا ، إنْ لم يَسُدْ إلا قومَه “.
وقدْ كانَ معاويةُ إذا نُوزعَ انتسبَ إلى أمهِ مُفتخِرًا : ” أنا ابنُ هندَ “.
- المحضن الصالح :
وأما الخليفةُ الراشدُ الخامسُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ ، فلولا الله ثم المَحضِنُ الصالحُ الدافئُ الدافعُ إلى المَعالي ، لمَا كان منهُ ما كانَ .
وقدْ بكى عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ وهو غلامٌ صغيرٌ ، فأرسلَتْ إليه أمهُ ، وقالتْ : ما يُبكيكَ ؟ قال : ” ذكرتُ الموتَ ” ؛ فبكتْ أمُّه خوفًا وفرحًا في آنٍ واحدٍ .
( المصدر : علو الهمة ص : 382 ).
- أم الإمام الأوزاعي :
وهذا الإمامُ أبوْ عمروٍ الأوزاعيُ نشأَ يتيمًا في حَجْرِ أمهِ ، فتنقلَتْ بهِ منْ بلدٍ إلى بلدٍ ، وربَّتْه تربيةً عجَزَ عنها الملوكُ ، حتى استُفتيَ وله ثلاث وهكذا تطِيبُ الفروعُ ما طابتِ الأصولُ ، وتدبَّرُوا قول الله تعالَى : ” يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا “. (مريم : 28)
ولله در القائل :
أفلا نعلمُ أن كثيرًا منْ صالحِي زمانِنا نتاجٌ لتربيةِ أمهاتٍ ؟ بلْ حتى منْ انحرفَ عنْ جادةِ الصوابِ ، كمْ وكمْ عاتبَتْهُ أمُّهُ عنْ سلوكِ طريقهِ المنحرفِ ! ولَكَمْ تمنَّتْ لهُ سلوكَ طرقِ الخيرِ لو كانَ لها منْ مُجيبٍ !.
إن المرأةَ هيَ التيْ قالَ فيها النبيُ صلى الله عليه وسلم : ” الدنيا مَتاعٌ ، وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالحةُ “. (رواهُ مسلمٌ)
وبعضُنا لا يَعرفُ منْ المرأةِ إلا أنها ناقصةُ عقلٍ ودينٍ ، لا شيءَ غيرُه .
ألا إنَّ في نساءِ الأمةِ خيرًا كثيرًا ، وإيمانًا يصنعُ الأعاجيبَ ؛ فلا نَكُنْ مُتشائمينَ وظانينَ ظنَّ السَّوءِ بأننا في زمنٍ كلِّه ظلماتٌ ، فنيأسَ منْ الإصلاحِ .
ونختم بخادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه :
- أم سليم بنت ملحان :
وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنه ، وهي صاحبة أعظم مهر في الإسلام ؛ ذلك أنه خطبها أبو طلحة الأنصاري وكان يومها مشركًا ، فقالت : أما إني فيك لراغبة ، وما مثلك يُرد ، ولكنك كافر ، وأنا امرأة مسلمة ، فإن تسلم فذلك مهري ، ولا أسألك غيره .
فأسلم وتزوجها وحسن إسلامه ، وكانت تغزو مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وروت عنه أحاديث ، وروى عنها ابنها أنس .
أما موقفها التربوي العظيم مع ابنها أنس ، فروت كتب السيرة ، أن كل واحد من الأنصار أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة هدية ، ولم يكن لأم سليم ما تهدي ، فأتت بابنها أنس ، وكان له من العمر عشر سنين ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! ابني هذا يخدمك وليس عندي ما أهديه ، فقبله رسول الله وكناه أبا حمزة ، وكان دخول أنس إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقرب منه سبب سعادته في الدنيا والآخرة .
وذات مرة زار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أهل أنس ، فقالت أم سليم : يا رسول الله ، إن لي خويصة ، قال : ما هي ؟ قالت : خادمك أنس ، ادع الله له .
قال أنس : فما ترك لي خير دنيا ولا آخرة إلا دعا لي به : اللهم ارزقه مالًا وولدًا ، وبارك له .
يقول أنس : فوالله إن مالي لكثير ، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم .
وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين ، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك .
وقد عمّر سيدنا أنس وكان آخر الصحابة موتًا بالبصرة .
ومن تربيتها لابنها ما خرّجه مسلم بإسناده عن أنس رضى اللَّه عنه قال : أتى علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا ألعب مع الغلمان ، قال : فسلم علينا ، فبعثني إلى حاجة ، فأبطأت على أمي ، فلما جئت ، قالت : ما حبسك ؟ قلت : بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجة ، قالت : ما حاجته ؟ قال : إنها سر ، قالت : لا تحدثن بسر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدًا .
قال أنس لتلميذه ثابت : واللَّه لو حدثت به أحدًا ًلحدثتك يا ثابت .
فمهما استطاعت الأم المربية أن تُلْحِق ولدها بالصالحين وأن تدعوه لصحبتهن وكثرة مجالستهن فلتفعل فإنها تهديه بهذا سعادة الدارين بإذن الله .