سيرة الحبيب ﷺ

إسلام أبي ذر الغفاري

إسلام أبي ذر الغفاري :

( ٣٢ ) الحلقة الثانية والثلاثون من سيرة الحبيب ﷺ :

فلنبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام .

قصة إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه :
لَمَّا بَلَغَ أبَا ذَرٍّ مَبعَثُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، قالَ لأخِيهِ : اركَب إلى هذا الوَادِي فَاعلَم لي عِلْمَ هذا الرَّجُلِ الذي يَزعُمُ أنَّه نَبِيٌّ ، يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ ، واسمَع مِن قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي ، فَانْطَلَقَ الأخُ حتَّى قَدِمَهُ ، وسَمِعَ مِن قَوْلِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أبِي ذَرٍّ فَقالَ له : رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بمَكَارِمِ الأخْلَاقِ ، وكَلَامًا ما هو بالشِّعرِ ، فَقالَ : ما شَفَيْتَنِي ممَّا أرَدتُ ( يقصد أنه أراد معلومات أكثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فَتَزَوَّدَ وحَمَلَ شَنَّةً له فِيهَا مَاءٌ ( والشَّنَّة هي القِربةُ الباليةُ ) ، حتَّى قَدِمَ مَكَّةَ ، فأتَى المَسجِدَ فبحث عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، ولكنه لم يكن يَعرِفُهُ ، وكَرِهَ أنْ يَسْأَلَ عنْه حتَّى أدرَكَهُ بَعضُ اللَّيْلِ ، فنام عند الحَرَم ، فَرَآهُ ” عَلِيُّ بن أبي طالب ” رضي الله عنه فَعَرَفَ أنَّه غَرِيبٌ فاستضافه ، فَلَمْ يَسْأَلْ واحِدٌ منهما صَاحِبَهُ عن شيءٍ حتَّى أصبَحَ ، ثُمَّ حَمَلَ قِربَتَهُ وزَادَهُ إلى المَسْجِدِ ، وظَلَّ ذلكَ اليومَ ولَا يَرَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى أمْسَى ، فَعَادَ إلى مَضْجَعِهِ ، فَمَرَّ به عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقالَ : أما آنَ لِلرَّجُلِ أنْ يَعلَمَ مَنْزِلَهُ ؟ ( أي هل مازلت على حالك لم تنجز ما جئت له ) ، فاستضافه ولم يَسأَلُ واحِدٌ منهما صَاحِبَهُ عن شيءٍ ، حتَّى إذَا كانَ يَوْمُ الثَّالِثِ ، فَعَادَ عَلِيٌّ رضي الله عنه علَى مِثْلِ ذلكَ ، فأخذه عَلِيٌّ رضي الله عنه معه مرة أخرى ثُمَّ قالَ : ألَا تُحَدِّثُنِي ما الذي أقْدَمَكَ ؟
قالَ : إنْ أعطَيْتَنِي عَهْدًا ومِيثَاقًا لَتُرشِدَنِّي فَعَلْتُ ( أقول لك ) ، فَفَعَلَ فأخْبَرَهُ ، فقالَ عَلِيّ رضي الله عنه : فإنَّه حَقٌّ ، وهو رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فَإِذَا أصبَحتَ فَاتْبَعنِي ، فإنِّي إنْ رَأَيْتُ شيئًا أخَافُ عَلَيكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ المَاءَ ( أقضى حاجتي ) فإنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعنِي حتَّى تَدخُلَ مَدخَلِي فَفَعَلَ ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ ( يمشى خلفه ) حتَّى دَخَلَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، ودَخَلَ معهُ ، فَسَمِعَ مِن قَوْلِهِ وأَسْلَمَ مَكَانَهُ ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : ” ارجِعْ إلى قَوْمِكَ فأخْبِرْهُمْ حتَّى يَأْتِيَكَ أمْرِي “.
قالَ : والذي نَفْسِي بيَدِهِ ، لَأَصْرُخَنَّ بهَا بيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ .. فَخَرَجَ حتَّى أتَى المَسْجِدَ ، فَنَادَى بأَعلَى صَوْتِهِ : ” أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا الله ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ الله ” ، ثُمَّ قَامَ القَوْمُ فَضَرَبُوهُ حتَّى أضْجَعُوهُ ، وأَتَى العَبَّاسُ فأكَبَّ عليه ( أي : رمى نفسَه علَيه ليمنَعَهم أن يضرِبوه ) ، قالَ : ويْلَكُمْ ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّه مِن غِفَارٍ ، وأنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إلى الشَّأْمِ ؟!!
فأنْقَذَهُ منهمْ ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الغَدِ لِمِثْلِهَا ، فَضَرَبُوهُ وثَارُوا إلَيْهِ ، فأكَبَّ العَبَّاسُ عليه .

حقًا إن قصة إسلام سيدنا أبي ذر الغِفَارِيّ رضي الله عنه قصة فريدة ! فسيدنا أبو ذر رضي الله عنه كان من قبيلة غِفَار التي كانت تحترف السرقة وقطع الطريق .. بالإضافة إلى أنه كان يسكن بعيدًا عن مكة المكرمة ، ولا يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام ؛ فَهُمْ بالنسبة إليه كتاب مغلق ، وهو من قبيلة بعيدة جدًّا في النسب عن قريش .. فبدراسة كل العوامل فإن فرصة إسلامه تقترب من الصفر !

ومع ذلك رأينا في القصة أنه هو الذي أتى إلى المسلمين وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يذهبوا هم إليه ، كما أنه صبر طويلًا حتى يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إنه أسلم من اللحظة الأولى التي سمع فيها القرآن ، وفوق ذلك صبر على الإيذاء الذي تعرَّض له من أهل قريش سواء قبل إسلامه ، أم بعد ذلك ، وأخيرًا فقد تحوَّل في دقائق معدودة إلى داعية يُريد حمل الأمانة إلى قبيلته غِفَار !

إنه مثال عجيب عجيب !

فهلَّا اقتدينا بأمثال هؤلاء الأبطال الذين قدَّموا أرواحهم فداءً في سبيل الله عز وجل ونُصرةً لنبيه صلى الله عليه وسلم .

ونُكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله .

ندعوكم لقراءة : إسلام والد عمران بن حصين

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى