هو على الله هين

هو على الله هين :
العذراء أنجبت ، والرضيع تكلم ، والعجوز حملت ، والعاقر أنجبت ، والقمر انشق .
النائمون استيقظوا بعد سنين طوال ، القلة غلبت الكثرة ، عرش ملكة في اليمن انتقل إلى الشام في طرفة عين ، بطن الحوت لم يهضم ، النار لم تحرق ، والمستحيل تحقق .
سبحانه .. سبحانه ..
رفع الطور ، وأنزل المائدة ، وشق البحر ، وحمى البيت ، وأغرق الأرض ، وجعل النار بردًا وسلامًا ، وأنطق الرضيع ، ونصر عبده ، وأنجز وعده ، وهزم الأحزاب وحده .
كل ما سبق ، حتى خَلْق السموات والأرض ، إنما هو غيضٌ من فيض .
كل ذلك ، وأضعاف أضعاف ذلك : هَيِّنٌ على الله رب الممالك ﷻ .
فالله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، فإذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون .
- يقول الرب الجليل ، في محكم التنزيل :
« قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ». (مريم : 9)
هذه الآية خاصة بزكريا عليه السلام ، قال الله تبارك وتعالى مجيبًا على استفهام زكريا ، الأمر كما ذكرت يا زكريا من كون امرأتك عاقرًا ، وأنت قد بلغت من الكبر عتيا ، ولكن ذلك لا يحول بيننا وبين تنفيذ إرادتنا في منحك هذا الغلام ، فإن قدرتنا لا يعجزها شيء ، ولا تخضع لما جرت به العادات .
وهذا الأمر وهو إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ؛ أي : يسير سهل .
فالأمر مستغرب في العادة ، وفي سُنَّة الله في الخليقة ، ولكن قدرة الله تعالى صالحة لإيجاد الأشياء بدون أسبابها فذلك هيِّنٌ عليه ، ليس بأصعب من إيجاده قبل ولم يكن شيئًا .
- ويقول جل شأنه :
« قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ». (مريم : 21)
كمال قدرة الملك جل في عليائه ، إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون .
أما الأسباب كلها لا تستقل بالتأثير ، وإنما تأثيرها بتقدير العليم القدير ؛ فيُري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية ، لئلا يقفوا مع الأسباب ، وينسوا رب الأسباب ، الذي يعطي بالأسباب ، ويعطي بلا أسباب ، بل يعطي بضد الأسباب .
سبحانه من رب عزيز وهاب ؛ وملك الملوك إذا وهب ، لا تسألن عن السبب .
فإنْ تسلل اليأس إلى قلبك ، أطفئ لهيبه بهذه الآية الكريمة ، فمع الله كل العقبات تتلاشى ، وكل الأبواب تُفتَح ، وإن غابت كل الأسباب ، وحارت كل العقول ، وأُغلقت كل الأبواب ، فكل شيء على ربك هيٌّن ؛ لذا نسأله سبحانه بيقين أن ينصر الإسلام والمسلمين ، وخصوصًا فوق أرض فلسطين ، وأن يفتح أوسع أبواب فرجه لكل المظلومين .
فكل شيء على الله هين ؛ فالملك ﷻ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، بل خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن .
لهذا وأنت تدعوه بشيء وكنت تراه بعيدًا أو مستحيلًا ، تعتقد أنه غير منطقي ، أو أن الظروف غير مهيأة ، تذكر فقط هذه الأية :
« قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ».
فكل مستحيل هيِّـنٌ علي رب ليس عنده مستحيل .
إن الله على كل شيء قدير .
ندعوكم لقراءة : هذا من فضل ربي
- وكان أمرًا مقضيا :
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
« وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًا * فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَابًا فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ». (مريم : 16-21)
قال المَلَك لمريم البتول الطاهرة : الأمر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر ، ولم تكوني بَغِيًّا ، ولكن ربك قال : الأمر عليَّ سهل ؛ وليكون هذا الغلام ؛ وهو عيسى عليه السلام ، علامة للناس تدل على قدرة الله العظيم ﷻ ، ورحمة منَّا به وبوالدته وبالناس ، وكان وجود عيسى عليه السلام ، على هذه الحالة وبهذه الكيفية ، قضاءً سابقًا مُقدَّرًا ، مسطورًا في اللوح المحفوظ .
سبحان من هذا خلقه ، وهذه قدرته ، وهذا أمره .
سبحانك ، سبحانك ، عز جاهك ، وجل ثناؤك ، وتقدست أسماؤك ، ولا إله إلا أنت .
من أطاعك قربته ، ومن تقرب إليك أحببته ، ومن عصاك أدبته ، ومن حاربك خذلته وأهنته .
في السماء ملكك ، وفي الأرض سلطانك ، وفي البحر عظمتك ، وفي النار سطوتك ، وفي الجنة رحمتك ، وفي كل شيء حكمتك وآيتك.
- لم يعي بخلقهن :
يقول الله الملك الحق سبحانه وتعالى :
« أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ». (الأحقاف : 33)
ألم ير المنكرون للبعث يوم القيامة ، المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد ( أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن ) ؛ أي : ولم يكرثه خلقهن ، بل قال لها : ” كوني ” فكانت ، بلا ممانعة ولا مخالفة ، بل طائعة مجيبة خائفة وجلة ، أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟
لقد خلق الله تعالى السموات والأرض على غير مثال سبق ، ولم يعجز عن خلقهن ، قادر على إحياء الموتى الذين خلقهم أوّلا ؟
بلى ، ذلك أمر على الله تعالى هين وهو الذي لا يعجزه شيء ، إنه على كل شيء قدير .