الحق ما نطق به

الحق ما نطق به :
لما نزل : حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، إلى قوله : إليه المصير ، سمع الوليد بن المغيرة المخزومي النبي محمدًا ﷺ يقرؤها فقال لقومه :
{ والله لقد سمعت منه كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه ، وما يقول هذا بشر }.
وفي رواية أخرى ، قال :
{ إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو وما يُعلَى عليه }.
والحق ما شهدت به الأعداء .
هذه الكلمات جزء من كلام طويل للوليد بن المغيرة الكافر ، يصف فيه بلاغة القرآن الكريم وحلاوته وطلاوته ، وتعبر كلماته عن عذوبة ألفاظ القرآن الكريم ، وجزالتها .
وتعبر عن قوة تركيبه ، وسمو معانيه ، وأخذه بمجامع القلوب ، وعلوه على كل كلام .
والوليد بن المغيرة هو والد البطل المسلم الأسطوري خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه .
وأولاده كانوا ثلاثة عشر ؛ كما ذكر السدي ، وأبو مالك ، وعاصم بن عمر بن قتادة .
وقال مجاهد : كانوا حضورًا عنده لا يسافرون في التجارات ، بل مواليهم وأجراؤهم يتولون ذلك عنهم وهم قعود عند أبيهم ، يتمتع بهم ويتملى بهم !!
- نسب الوليد :
هو : الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر المخزومي القرشي .
وأمه : صخرة بنت الحارث بن عبدالله بن عبد شمس ، من بجيلة .
- الوليد في قومه :
اجتمع للوليد بن المغيرة نفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا ، ويرد قولكم بعضه بعضًا ؛ قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيًا نقول به ، قال : بل أنتم فقولوا أسمع ؛ قالوا : نقول كاهن ، قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ؛ قالوا : فنقول : مجنون ، قال : ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ، ولا تخالجه ، ولا وسوسته ، قالوا : فنقول : شاعر ؛ قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر ؛ قالوا : فنقول : ساحر ؛ قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السُّحَار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم ؛ قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة – قال ابن هشام : ويقال لغدق – وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته .. فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره .
ندعوكم لقراءة : قالوا عن القرآن 1
- الوليد في القرآن :
أنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة هذه الآيات البينات :
« ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ». (المدثر : 11-30)
توعد الله – جل في علاه – هذا الوليد الكافر الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم كثيرة ، ولكنه كفر بأنعم الله ، وبدلها كفرًا ، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها ، وجعلها من قول البشر ؛ فقال : ” إن هذا إلا قول البشر “.
لقد خلق الله عز وجل هذا الجاحد في بطن أمه وحيدًا فريدًا لا مال له ولا ولد ، وجعل له مالًا ممدودًا ، وبنين شهودًا ؛ حضورًا معه في مكة لا يغيبون عنه ، ويسَّر له سبل العيش تيسيرًا ، ثم يأمُل بعد هذا العطاء أن يزيد الله في ماله وولده .
ليس الأمر كما يزعم هذا الفاجر الأثيم ؛ لم يزده الله العليم الحكيم على ذلك ؛ إنه كان للقرآن وحجج الله على خلقه معاندًا مكذبًا ، سيكلفه الله عز وجل مشقة من العذاب والإرهاق لا راحة له منها ؛ وسيدخله جهنم ، وسيورده بابًا من أبوابها اسمه ” سقر ” ؛ كي يصلى حرَّها ويحترق بنارها ؛ فهي لا تبقي لحمًا ولا تترك عظمًا إلا أحرقته ، مغيِّرة للبشرة ، مسوِّدة للجلود ، محرقة لها ، يلي أمرها ويتسلط على أهلها بالعذاب تسعة عشر ملكًا من الزبانية الأشداء .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار .