نبينا محمد ﷺ

القسم بحياة النبي

القسم بحياة النبي :

يقسم الرب العلي جلَّ في علاه ، بما شاء وكيف شاء ، ولا يقسم ربنا إلا بعظيم ؛ فهو سبحانه العلي العظيم ، الغني الكريم .
أما المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله عز وجل .

وقد أقسم الله تعالى بحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تشريفًا له .

قال تبارك اسمه وتعالى جده :

” لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ “. (الحجر : 72)

قال أهل التفسير والتأويل :

قال الله تعالى : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) [ يقول : وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا “إنهم لفي سكرتهم يعمهون” ] رواه ابن جرير .
وقال قتادة : ( في سكرتهم ) أي : في ضلالتهم ، ( يعمهون ) أي : يلعبون .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( لعمرك ) لعيشك ، ( إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) قال : يتحيرون .

  • خطاب الله للنبي :

خاطب الله تعالى نبيه محمدًا في القرآن الكريم بوصف الرسالة ، وناداه بوصف النبوة ، وعند ذكر اسمه دون نداء ، وصفه بالرسالة .
وأقسم تعالى ببلده ، وأقسم بعصره ، وها هنا أقسم بحياته ؛ فقال عز من قائل :
«لعمرك» ؛ أي وحياتك ؛ فالرب العلي العظيم يقسم بحياة النبي الكريم .
ياله من شرف ، لم ينله نبيٌّ مرسل من قبل .
«إنهم لفي سكرتهم يعمهون» ؛ أي : يترددون .

ولا يجوز لك يا عبدالله يا مسلم ، أن تقسم بحياة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بحياة الولي ، أو بحياة والديك ، أو غير ذلك على الإطلاق .

  • تفسير الوسيط :

يقول الإمام الأكبر شيخ الأزهر السابق ، الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي رحمه الله تعالى :

قوله سبحانه : ” لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ “.

يرى جمهور المفسرين أنه كلام معترض بين أجزاء قصة لوط -عليه السلام- مع قومه ، لبيان أن الموعظة لا تجدي مع القوم الغاوين ، ولتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من سفهاء قومه .
فالخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم واللام في «لعمرك» لام القسم ، والمقسم به حياته صلى الله عليه وسلم والعمر -بفتح العين- لغة في العمر ، بضمها ، ومعناهما : مدة حياة الإنسان وبقائه في هذه الدنيا ، إلا أنهم ألزموا مفتوح العين في القسم ، وهو مبتدأ وخبره محذوف وجوبًا والتقدير لعمرك قسمي أو يمينى .
والسكرة : ذهاب العقل ، مأخوذة من السكر -بفتح السين وإسكان الكاف- وهو السد والإغلاق .
وأطلقت هنا على الغواية والضلالة لإزالتهما الرشد والهداية عن عقل الإنسان ، ويَعْمَهُونَ من العمه بمعنى التحير والتردد في الأمر .
وهو للبصيرة بمنزلة العمى للبصر .
يقال: عَمِهَ فلان -كفرح- عمهًا ، إذا تردد وتحير ، فهو عمه وعامه ، وهم عمهون وعمه -كركع- والمعنى : بحق حياتك -أيها الرسول الكريم- إن هؤلاء المكذبين لك ، لفي غفلتهم وغوايتهم يترددون ويتحيرون ، شأنهم في ذلك شأن الضالين من قبلهم كقوم لوط وقوم شعيب وقوم صالح ، وغيرهم من المتكبرين في الأرض بغير الحق .

قال الآلوسى : وقوله لَعَمْرُكَ قسم من الله -تبارك وتعالى- بعمر نبينا صلى الله عليه وسلم على ما عليه جمهور المفسرين .

وأخرج البيهقي في الدلائل ، وأبو نعيم وابن مردويه وغيرهم عن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال : ما خلق الله -تبارك وتعالى- وما ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله -تبارك وتعالى- أقسم بحياة أحد غيره ، قال تبارك وتعالى : ” لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ “.

ندعوكم لقراءة : محمد نبي كريم

  • الحلف بغير الله شرك :

يقول الإمام ابن باز رحمه الله :
الشرك نوعان : شرك أكبر وشرك أصغر ، فالشرك الأكبر : صرف العبادة لغير الله أو بعضها ، كدعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم أو للجن أو للملائكة ، هذا يقال له شرك أكبر ، كما كانت قريش وغيرها من العرب يفعلون ذلك عند أصنامهم وأوثانهم ، ومن ذلك جحد الإنسان أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة وجوبًا أو تحريمًا ، فمن جحده كان كافرًا ومشركًا شركًا أكبر ، كمن قال : الصلاة لا تجب على المكلفين من المسلمين ، أو قال : الزكاة لا تجب على من عنده مال ، أو قال : صوم رمضان لا يجب على المسلم المكلف ، أو أحل ما حرَّمه الله كما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كأن يقول : الزنا حلال ، أو شرب المسكر حلال ، أو عقوق الوالدين حلال ، أو السحر حلال ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا يكون كافرًا ومشركًا شركًا أكبر .

القاعدة أن من صرف العبادة أو بعضها لغير الله من أصنام أو أوثان أو أموات أو غيرهم من الغائبين فإنه مشرك شركًا أكبر ، وكذلك الحكم فيمن جحد ما أوجب الله ، أو ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة مما أجمع عليه المسلمون ، فهذا يكون كافرًا ومشركًا شركًا أكبر .

وكل من أتى ناقضًا من نواقض الإسلام يكون مشركًا شركًا أكبر كما قلنا .

أما الشرك الأصغر فهو أنواع أيضًا : مثل الحلف بغير الله ، والحلف بالنبي ﷺ وبالأمانة ، وبرأس فلان ، وما أشبه ذلك ، فهذا شرك أصغر ؛ لقوله ﷺ : ” من حلف بشيء دون الله فقد أشرك “. (رواه أحمد)

وهكذا الرياء ، يقرأ للرياء أو يتصدق للرياء ، فهذا شرك أصغر .

وقد يكون الشرك الأصغر شركًا أكبر إذا اعتقد صاحبه أن من حلف بغير الله أو قال : ما شاء الله وشاء فلان ، فإن له التصرف في الكون ، أو أن له إرادة تخرج عن إرادة الله وعن مشيئته سبحانه ، أو أن له قدرة يضر وينفع من دون الله ، أو اعتقد أنه يصلح أن يُعبد من دون الله وأن يُستَغاث به ، فإنه يكون بذلك مشركًا شركًا أكبر بهذا الاعتقاد .

أما إذا كان مجرد حلف بغير الله من دون اعتقاد آخر ، لكن ينطق لسانه بالحلف بغير الله ؛ تعظيمًا لهذا الشخص ، يرى أنه نبي أو صالح ، أو لأنه أبوه أو أمه وتعظيمها لذلك ، أو ما أشبه ذلك ، فإنه يكون من الشرك الأصغر وليس من الشرك الأكبر .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى