من عبق التاريخ

مهندس الخط العربي

مهندس الخط العربي :

قال الشاعر :
فصاحة حسان وخط ابن مقلة … وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم
إذا اجتمعت في المرءِ والمرءُ مفلس … ونودي عليه لا يُباع بدرهم

هو أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة الشيرازي ( وُلد عام 272هـ / 886م في بغداد وتوفي بها 939م / 328هـ ).
خطاط ووزير عباسي ، وكاتب ، وشاعر .
كان من أشهر خطاطي العصر العباسي وأول من وضع أسسًا مكتوبة للخط العربي .
يٌعتقد بأنه مخترع خط الثلث ، لكن لم يبق أي من أعماله الأصلية .

قال الصولي عنه : ما رأيت وزيرًا منذ توفي القاسم بن عبيد الله أحسن حركة ، ولا أظرف إشارة ، ولا أملح خطًا ، ولا أكثر حفظًا ، ولا أسلط قلمًا ، ولا أقصد بلاغة ، ولا آخذ بقلوب الخلفاء من ابن مقلة ، وله علم بالإعراب ، وحفظ للغة ، وتوقيعات حسان .

وهو رائد ومؤسس قاعدتي خطي الثلث والنسخ ، وإليه تُعزَى نظرية الخط المنسوب ، لكن لم يبق أي شيء من أعماله الأصلية .

  • ثلاث مرات :

وهو الذي تولى الوزارة ثلاث مرات ، وعُزِل ثلاث مرات ، ودُفن ثلاث مرات !! ونُفِي وصودرت أمواله ، وقُطعت يده ولسانه في آخر عمره ، بعد أن خط القرآن الكريم مرتين ، وترك رسالة في علم الخط والقلم .

  • شيخ الخطاطين :

ابن مقلة رجل بلغ في الخط العربي شأنًا عظيمًا ، صاحب خط حسن ، أبدع في هندسة حروفها ، وقدر مقاييسها ، وكان خطّه يُضرب به المثل في عهده ، فصار شيخ الخطَّاطين ومهندس صناعتهم .

  • بيت علم وفن :

وُلِد ابن مقلة في بيت علم وفن اشتهر بخطاطيه .

أخذ الخط عن أبيه وعن إسحاق بن إبراهيم البربري الأحول المحرر ، وبلغ درجة عالية من الدراية والتعمق به ، واستطاع هو وأخوه أبو عبدالله أن ينقلاه نقلة فنية نوعية -لم تتفق المصادر التاريخية حول دور كل منهما فيها- إذ ألفا من الأقلام التي بلغت أربعة وعشرين ، ستة أنواع هي : الثلث ، والريحان ، والتوقيع ، والمحقق ، والبديع ، والرقاع .

وهندس هو -أو أخوه- مقاييسها وأبعادها معتمدًا على العلاقة بين النقطة والدائرة ، فجعل الألف قطرًا لهذه الدائرة ونسب إليها الحروف جميعا ، ووضع معايير لضبط الخط والوصول به إلى صيغ جمالية محكمة مما شكل النقلة الأولى في الخط المنسوب ، والتي ظلت أساسًا بُنيت عليه كل التطورات اللاحقة .

ندعوكم لقراءة : صاحب تجديد النحو

  • سبب الاسم :

وعرف ابن مقلة بهذا الاسم ؛ لأن له أمًّا كان أبوها يلاعبها في صغرها ويقول لها : ” يا مقلة أبيها “ ؛ فغلب عليها هذا الاسم واشتهرت به ، فاتصل هذا الاسم المشهور بابن مقلة الذي كان ضمن سلالتها معروفّ به ، فكان بذلك مقلة الزمان وملك الخط والبيان .

  • إسهاماته في الخط العربي :

كان من إنجازات ابن مقلة أنه أول من هندس حروف الخط العربي ، ووضع لها القوانين والقواعد ، وإليه تُنسَب بداية الطريقة البغدادية في الخط ، وأول من كتب مصنفًا في الخط العربي ذكر فيه مصطلحات هذا العلم البديع ، مثل مصطلحات ” حسن التشكيل ” وهي التوفية ، والإتمام ، والإكمال ، والإشباع ، والإرسال .. ومصطلحات “ حسن الوضع ” وهي : الترصيف ، والتأليف ، والتسطير ، والتنصيل .

كما أنه وضع قواعد دقيقة في ابتداءات الحروف وانتهاءاتها ، وفي علل المدّات ، وأنواع الأحبار ، وفي أصناف بري القلم .

يقول إدوارد روبرتسن : { إن ابن مقلة قد اخترع طريقة جديدة للقياس عن طريق النقط ، وجعل الريشة وحدةً للقياس ، فقد جعل من حرف الألف الكوفي مستقيمًا بعد أن كان منحنيًا من الرأس نحو اليمين كالصنارة ، وقد اتخذه مرجعًا لقياساته ، وخطا ابن مقلة خطوة أخرى ، إذ هذّب الحروف ، وأخذ الخط الكوفي كقاعدة ، وأخرج من هذه الحروف اشكالًا هندسية ، وبذلك أمكنه قياس هذه الحروف }.

وابن مقلة هو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها وعنه انتشر الخط في مشارق الأرض ومغاربها ، مما يعني أن خطه اتسم بالجمال البديع وذاع صيته في الدنيا ، وبلغ به درجة عالية في نفوس الناس حتى وصفوه بأنه أجمل خطوط الدنيا .

قال عنه ياقوت الحموي :
{ كان الوزير أوحد الدنيا في كتبه قلم الرقاع والتوقيعات ، لا ينازعه في ذلك منازع ، ولا يسمو إلى مساماته ذو فضل بارع }.

وقال الثعالبي أيضًا : { خط ابن مقلة يُضرب مثلًا في الحسن ؛ لأنه أحسن خطوط الدنيا ، وما رأى الراؤون بل ما روى الراوون مثله}.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى