تعاقب الليل والنهار
تعاقب الليل والنهار ، نعمة من نِعَم الله العزيز الغفار ، يجب أن نشكره عليها بالليل والنهار .
قال الله الملك الحق :
” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ “. (آل عمران : 190)
إن في خلق السموات والأرض من العجائب ما يبهر العقول ، وفي اختلاف الليل والنهار ؛ بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان ، لآيات على قدرة الملك تبارك وتعالى ، وذلك لايكون إلا لأولي الألباب ؛ ذوي العقول .
فخلق السموات والأرض جاء على غير مثال سابق ، وتعاقُب الليل والنهار ، واختلافهما طولًا وقِصَرًا ، كل ذلك دليل قاطع ، وبرهان ساطع على وحدانية الله ، وعظمته ، وقدرته ، هي آيات لأولي الألباب من أصحاب العقول السليمة .
- اشكروا نعمة ربكم :
شكر النعمة يكون بالقول ، ويكون بالفعل ؛ كما قال قائلهم :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة : يدي ، ولساني ، والضمير المحجبا .
وهذا مصداق لقول الله تبارك وتعالى :
” ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ “. (سبأ : 13)
فاللهم اجعلنا من القليل ؛ فنعمل شكرًا على ما أنعم الله به علينا في الدنيا والدين .
فالصلاة شكر ، والصيام شكر ، والزكاة شكر ، والصدقة شكر ، والحج شكر ، وكل خير تقدمه بين يديّ مولاك شكر ، وأفضل الشكر : الحمد .
قال الله تعالى :
” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “. (القصص : 71-73)
تُرَى لو صيّر الله سبحانه وتعالى على الناس الليل دائمًا مستمرًا ، لا انقطاع له إلى يوم القيامة ، مَنْ إله غير الله عز وجل -صاحب النعم- يأتيكم بضياء مثل ضياء النهار ؟!
لا إله إلا الله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، يأتيكم بذلك سبحانه وبحمده .
ثم أخبروني إن صيّر الله عليكم النهار دائمًا مستمرًّا إلى يوم القيامة ، مَنْ إله غير الله -مالك الملك- يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه لتستريحوا من عناء العمل في النهار ؟!
أفلا تبصرون هذه الآيات ، وتعلمون أن لا إله إلا الله يأتيكم بذلك كله ؟!
ومن رحمته سبحانه أن جعل لكم -أيها الناس- الليل مظلمًا ؛ لتسكنوا فيه بعدما عانيتم من عمل النهار ، وجعل لكم النهار مضيئًا ؛ لتسعوا إلى طلب الرزق فيه ، ولعلكم تشكرون نعم الله عليكم ولا تكفرونها .
الحمد لله رب العالمين .
ندعوكم لقراءة : إعجاز القرآن في الليل والنهار
- تقدير العزيز الحكيم :
اختلاف الليل والنهار ؛ أي : تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر ، فتارة يطول هذا ويقصر هذا ، ثم يعتدلان ، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرًا ، ويقصر الذي كان طويلًا ، وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم .
- آيات .. وآيات :
هي -وربي- آيات في إثر آيات ، ولكنها لأولي الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ، ويقولون : ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك .
سبحان من خلق السموات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ؛ وفيها حث على التفكر فيها ، والتبصر بآياتها ، وتدبر خلقها .
يقول العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في كلامه عن الآية الكريمة :
فيها إشارة لكثرتها وعمومها ، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين ، ويقنع المتفكرين ، ويجذب أفئدة الصادقين ، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية .
أما تفصيل ما اشتملت عليه ، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره ، ويحيط ببعضه ، وفي الجملة فما فيها من العظمة والسعة ، وانتظام السير والحركة ، يدل على عظمة خالقها ، وعظمة سلطانه وشمول قدرته .
وما فيها من الإحكام والإتقان ، وبديع الصنع ، ولطائف الفعل ، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها ، وسعة علمه .
وما فيها من المنافع للخلق ، يدل على سعة رحمة الله ، وعموم فضله ، وشمول بره ، ووجوب شكره .
وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها ، وبذل الجهد في مرضاته ، وأن لا يشرك به سواه ، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
وخص الله بالآيات أولي الألباب ، وهم أهل العقول ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم .
تفسير الطبري : معنى الآية 190 من سورة آل عمران :
القول في تأويل قوله : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ } (190) ، قال أبو جعفر : وهذا احتجاج من الله تعالى ذكره على قائل ذلك ، وعلى سائر خلقه ، بأنه المدبر المصرّف الأشياء والمسخِّر ما أحب ، وأن الإغناء والإفقار إليه وبيده ، فقال جل ثناؤه : تدبروا أيها الناس واعتبروا ، ففيما أنشأته فخلقته من السموات والأرض لمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم ، وفيما عقَّبت بينه من الليل والنهار فجعلتهما يختلفان ويعتقبان عليكم ، تتصرفون في هذا لمعاشكم ، وتسكنون في هذا راحة لأجسادكم ، معتبر ومدَّكر ، وآيات وعظات .
فمن كان منكم ذا لُبٍّ وعقل ، يعلم أن من نسبني إلى أنّي فقير وهو غني كاذب مفتر ، فإنّ ذلك كله بيدي أقلّبه وأصرّفه ، ولو أبطلت ذلك لهلكتم ، فكيف يُنسب إلى فقر من كان كل ما به عيش ما في السموات والأرض بيده وإليه ؟
أم كيف يكون غنيًّا من كان رزقه بيد غيره ، إذا شاء رزقه ، وإذا شاء حَرَمه ؟
فاعتبروا يا أولي الألباب .