مع حبر الأمة
مواقف وكلمات ، ونوادر وحكايات ، وطرائف وأطروحات ، مع حبر الأمة ، وترجمان القرآن ، الذي عاش بين السكينة والثبات .
صفاته بَلَّغَتْه ذُرَى المعالي ؛ كذلك ترفع الرجلَ الصفات .
صحابي له التَّجِلَّة في الحياة ، وفوق ذلك في الممات .
ولله در شوقي القائل :
قد كان فيه مَحِلَّ … إجلال الجهابذة الثقات
ولابن عباس الكَلِم الكبار الخالدات ؛ فله كثير من المواقف والعظات ، فأعمار الكرام مباركات .
هو عبدالله بن عباس رضي الله عنهما .
تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعُمْر ابن عباس ثلاث عشرة سنة .
وأجمعت المصادر على أنه كان قد خُتِنَ وبَلَغ الحُلُم ، رضي الله عنه وأرضاه .
كان عبدالله بن عباس -ابن عم سيد الناس- وسیمًا ، قسيمًا ، مديد القامة ، مهيبًا ، كامل العقل ، زکي النفس ، من رجال الكمال .
أنصت إليه -أيها الصغير والكبير معًا- ، وهو يروي هذا الحديث ، وذلك الحوار الذي دار بينه وبين فاروق هذه الأمة ، قال رضي الله عنه :
كان عمر رضي الله عنه يُدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وَجَدَ في نفسه ، فقال : لِمَ تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله .
فقال عمر رضي الله عنه : إنه من قد علمتم .. فدعاه ذات يوم ، فأدخله معهم ، فما رُئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم .
قال : ما تقولون في قول الله تعالى : ” إذا جاء نصر الله والفتح “؟
فقال بعضهم : أُمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نَصَرَنا وفَتَحَ علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا .
فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت : لا .
قال : فما تقول ؟
قلت : هو أَجَل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه له .
قال : إذا جاء نصر الله والفتح ؛ وذلك علامة أجلك فسبِّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا .
فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول .
( رواه البخاري : 4970 ).
إنه حبر الأمة ، وترجمان القرآن ، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
” اللهم فقهه في الدين ، وعلِّمه التأويل “.
وقد كان ، رضي الله عنه وأرضاه .
- قال عنه الذهبي في [ السير ] :
حبر الأمة ، وفقيه العصر ، وإمام التفسير أبو العباس عبدالله ، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي المكي الأمير -رضي الله عنه- .
مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين .
صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوًا من ثلاثين شهرًا ، وحدث عنه بجملة صالحة ، وعن عمر ، وعلي ، ومعاذ ، ووالده ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي سفيان صخر بن حرب ، وأبي ذر ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وخلق .
وقرأ على أبي ، وزيد .
قرأ عليه مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وطائفة .
روى عنه ؛ ابنه علي ، وابن أخيه عبدالله بن معبد ، ومواليه ؛ عكرمة ، ومقسم ، وكريب ، وأبو معبد نافذ ، وأنس بن مالك ، وأبو الطفيل ، وأبو أمامة بن سهل ، وأخوه كثير بن العباس ، وعروة بن الزبير ، وعبيد الله بن عبدالله ، وطاوس ، وأبو الشعثاء جابر ، وعلي بن الحسين .
وسعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، والقاسم بن محمد ؛ وأبو صالح السمان ، وأبو رجاء العطاردي ، وأبو العالية ، وعبيد بن عمير ، وابنه عبدالله ، وعطاء بن يسار ، وإبراهيم بن عبدالله بن معبد ، وأربدة التميمي صاحب التفسير ، وأبو صالح باذان ، وطليق بن قيس الحنفي ، وعطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ؛ ومحمد بن كعب القرظي ، وشهر بن حوشب ، وابن أبي مليكة ، وعمرو بن دينار ، وعبيد الله بن أبي يزيد ، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي ، والضحاك بن مزاحم ، وأبو الزبير المكي ، وبكر بن عبدالله المزني ، وحبيب بن أبي ثابت ، وسعيد بن أبي الحسن ، وإسماعيل السدي ، وخلق سواهم .
وفي [ التهذيب ] : روى عنه مائتان سوى ثلاثة أنفس .
أمه هي أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية من هلال بن عامر .
وله جماعة أولاد ؛ أكبرهم العباس ، وبه كان يُكنَى ، وعلي أبو الخلفاء ، وهو أصغرهم ، والفضل ، ومحمد ، وعبيد الله ، ولبابة ، وأسماء .
- من المستضعفين !!
انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح ، وقد أسلم قبل ذلك ، فإنه صح عنه أنه قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين ؛ أنا من الولدان ، وأمي من النساء .
- دعاء النبي له :
روى خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسي ، ودعا لي بالحكمة .
وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المخرج وخرج ، فإذا تور مغطى ؛ قال : من صنع هذا ؟ فقلت : أنا . فقال : اللهم علمه تأويل القرآن .
- وجه القمر :
قال ابن جريج : كنا جلوسًا مع عطاء في المسجد الحرام ، فتذاكرنا ابن عباس ؛ فقال عطاء : ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس .
وقال عكرمة ، قال : كان ابن عباس إذا مر في الطريق ، قلن النساء على الحيطان : أَمَرَّ المسك ، أم مرَّ ابن عباس ؟
- مع الحبيب النبي :
عن حماد بن سلمة وغيره ، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن عبدالله ، قال : بت في بيت خالتي ميمونة ، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلًا ، فقال : من وضع هذا ؟ قالوا : عبدالله .. فقال : اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين .
وأخبرنا إسحاق الأسدي ، أخبرنا ابن خليل أخبرنا اللبان ، أخبرنا الحداد ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن جعفر بن الهيثم ، حدثنا ابن أبي العوام ، حدثنا عبدالله بن بكر ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن عمرو بن دينار : أن كريبا أخبره عن ابن عباس ، قال : صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- من آخر الليل ، فجعلني حذاءه ، فلما انصرف ، قلت : وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله ؟
فدعا الله أن يزيدني فهمًا وعلمًا .
- مع أهل مصر :
قال أبو سعيد بن يونس : غزا ابن عباس إفريقية مع ابن أبي سرح ؛ وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر رجلًا .
- خالته أمنا ميمونة :
قال أبو عبدالله بن منده : أمه هي أم الفضل أخت أم المؤمنين ميمونة .
وهو ابن خالة خالد بن الوليد المخزومي .
- أوصافه :
كان عبدالله بن عباس أبيض ، طويلًا ، مشربًا صفرة ، جسيمًا ، وسيمًا ، صبيح الوجه ، له وفرة ، يخضب بالحناء ، دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحكمة .
- ألقاب لابن عباس :
كان يفسّر القرآن الكريم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى لُقِّب بـ حّبر الأمة ، وترجمان القرآن ، والحبر ، والبحر .
- مواقف سياسية :
لما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية ، امتنع ابن عباس عن مبايعته ، وبعد وفاة معاوية كان ابن عباس يرى عدم خروج الحسين إلى الكوفة ، ونصحه بعدم الخروج عدة مرات ، وبعد وفاة الحسين ثم يزيد اعتزل ابن عباس الناس مع محمد بن الحنفية ، ولم يبايع عبدالله بن الزبير ولا مروان بن الحكم .