مع الإمام أحمد
مع الإمام أحمد :
مع بعض النوادر والأزاهير ، في حياة هذا الإمام الكبير ، نقضي هذا الوقت القصير ، نتعلم منه الكثير والكثير .
- الإمام حقًّا :
قال الإمام الذهبي في [ السير ] :
هو الإمام حقًّا ، وشيخ الإسلام صدقًا ، أبو عبدالله ، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبدالله بن حيان بن عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي ، أحد الأئمة الأعلام .
هكذا ساق نسبه ولده عبدالله ، واعتمده أبو بكر الخطيب في [ تاريخه ] وغيره .
- قلعة حصينة ملساء :
شَبَّه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كيفية الخلق بقلعة حصينة ملساء لا فرجة فيها ، ظاهرها كالفضة المذابة ، وباطنها كالذهب الإبريز ، ثم انشقت الجدران ، وخرج من القلعة حيوان سميع بصير !!
وعني بالقلعة : البيضة ، وبالحيوان : الفرخ ، وبالفضة : البياض ، وبالذهب : الصفار ، وكيف خُلق منها حيوان ” الكتكوت ” ، يسمع ويبصر ، ويغدو ويروح .. أفيحدث هذا من ذاك بلا صانع ؟!
- الإمام وابنة بشر :
جاءت امرأة الى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، فقالت : يا أبا عبدالله ، إني امرأة أغزل في ضوء السراج ، فيمر بنا العسس ( رجال الشرطة ) بالليل يحملون مشاعل السلطان ، أيحل لي أن أغزل على ضوء نارهم ؟
فبكى الامام أحمد بن حنبل و قال لها : من أنت ؟
قالت : أخت بشر الحافي ، فقال لها : من بيتكم يخرج الورع الصادق ، لا تغزلي على شعاعها .
بكى الإمام أحمد بن حنبل لهذا السؤال الدقيق جدًّا ، وخوف هذه المرأة من أن تقع في شبهة الحرام .
أجابها الإمام الوَرِع بقدر مقامها ، وإن كان الأمر يجوز ؛ لأن بيتها عُرف بالورع الصادق .
- غلامٌ يتورع :
يُروى أن عم أحمد بن حنبل كان يرسل إلى بعض الولاة بأحوال بغداد ليُعلمَ بها الخليفة إذا كان غائبًا عنها ، أما أحمد بن حنبل فقد كان يتورع عن المشاركة في ذلك منذ صباه ، فقد رُوي أن الوالي داود بن بسطام قال : أبطأتْ عليَّ أخبار بغداد ، فوجهت إلى عم أبي عبدالله بن حنبل : « لم تصل إلينا الأخبار اليوم » ، وكنت أريد أن أحررها وأوصلها إلى الخليفة ، فقال لي : « قد بعثت بها مع أحمد ابن أخي » ، قال : فبعث عمُّه ، فأحضر أبا عبدالله وهو غلام ، فقال : « أليس بعثتُ معك الأخبار » ، قال : « نعم » ، قال : « فلأي شيء لم توصلها؟ » ، قال : « أنا كنت أرفع تلك الأخبار ! رميتُ بها في الماء » ، فجعل ابن بسطام يسترجع ويقول : « هذا غلام يتورع ، فكيف نحن؟ ».
- صبي مستقيم :
وكان ابن حنبل وهو صبي محل ثقة الذين يعرفونه من الرجال والنساء ، وقد كان نُجبه واستقامته أثرين ملاحظين لكل أترابه وآبائهم ، يتخذه الآباء قدوة لأبنائهم ، حتى قال بعض الآباء :
« إني أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين لكي يتأدبوا فما أراهم يفلحون ، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم ، انظروا كيف يخرج! » ، وجعل يعجب .
ندعوكم لقراءة : فتنة خلق القرآن
- أزواجه وأولاده :
لم يتزوج أحمد بن حنبل إلا بعد أن بلغ الأربعين ، وقيل إن ذلك كان بسبب اشتغاله بالعلم ، أو لأن أمه كانت موجودة بجواره ترعى شؤونه ، أو لأنه كان يكثر من الرحلات وتطول غيبته عن بلده ، فلما أن بلغ الأربعين وأصبح أقرب إلى الاستقرار من ذي قبل فكر في الزواج .
قال ابن الجوزي في ذلك : « كان رضي الله عنه شديد الإقبال على العلم ، سافر في طلبه السفر البعيد ، ووفر على تحصيله الزمان الطويل ، ولم يتشاغل بكسب ولا نكاح حتى بلغ منه ما أراد ».
وكانت أولى زوجاته هي العباسة بنت الفضل ، وهي فتاة عربية من ربض بغداد أي من ضواحيها القريبة ، وقد عاشت مع أحمد بن حنبل ثلاثين سنة ، وأنجبت منه ولدهما صالحًا ، وقد قال المروذي تلميذ أحمد بن حنبل في شأن العباسة : « سمعت أبا عبدالله يقول : أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة ».
ولما توفيت أم صالح تزوج أحمد زوجته الثانية ريحانة ، وأنجبت منه ولدًا واحدًا هو عبدالله ، فلما ماتت أم عبدالله اشترى جاريةً اسمها حُسْن ، فأنجبت له زينب ثم توءمين هما الحسن والحسين ، فماتا بعد ولادتهما ، ثم وَلدت الحسن ومحمدًا ، ثم وَلدت بعد ذلك سعيدًا .
وقد نبغ في الفقه من أولاده صالح وعبدالله ، وأما سعيد فقد ولي قضاء الكوفة فيما بعد .
- قوة جَنَانِه :
ومن الأخبار التي تدل على قوة جنانه وثباته أنه دخل على الخليفة في أيام المحنة ( محنة خلق القرآن ) ، بعد أن هولوا عليه لينطق بما ينجيه ويرضيهم ، وكانوا قد ضربوا عنق رجلين في حضرته ، ولكنه في وسط ذلك المنظر المروع ، وقع نظره على بعض أصحاب الشافعي ، فسأله : « وأي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح على الخفين؟ » ، فأثار ذلك دهشة الحاضرين ، وراعهم ذلك الجنان الثابت ، حتى قال خصمه أحمد بن أبي دؤاد متعجبًا : « انظروا لرجل هو ذا يُقدم به لضرب عنقه فيناظر في الفقه ».
- ثناء الشافعي عليه :
أكثَرَ العلماء من الثناء على أحمد بن حنبل ؛ ومن ذلك قول الإمام الشافعي : « ثلاثة من عجائب الزمان ، عربي لا يُعرب كلمة ، وهو أبو ثور ، وأعجمي لا يخطئ في كلمة ، وهو الحسن الزعفراني ، وصغير كلما قال شيئًا صدقه الكبار ، وهو أحمد بن حنبل ».
وقال أيضًا : « خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدًا أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل ».
وقال الربيع بن سليمان : قال لنا الشافعي : « أحمد إمام في ثمان خصال : إمام في الحديث ، إمام في الفقه ، إمام في اللغة ، إمام في القرآن ، إمام في الفقر ، إمام في الزهد ، إمام في الورع ، إمام في السُّنَّة ».