وهديناه النجدين
وهديناه النجدين :
قال الله تعالى : ” وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ “. (البلد : 10)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي الطريقين : طريق الخير وطريق الشر .
وقال تعالى : ” وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا “. (الشمس : 7-8)
قال ابن عباس : أي بيّن لها الخير والشر .
- الخير لغةً :
هو اسم تفضيل على غير قياس وهو ضد الشر ، والخير الحسن لذاته ولما يحققه من لذة أو نفع أو سعادة ، وجمعه خيور ، وخيار ، وأخيار ، ومنه قوله تعالى : ” وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا “.
أي تجدوه خيرًا لكم من متاع الدنيا .
فالمقصود من مصطلح الخير هو اختيار الأفضل ، ويأتي عادةً في وصف الأمور ذات النهاية السعيدة والمحببة أو المفضلة لدى الناس ، وبالنتيجة يبقى اختيار الخير أو الشر منوط بالفرد نفسه ، فمعرفة الخير والشر مطلب جميع المخلوقات لكي تستمر في البقاء أي إنهُ موجود في الفطرة وذلك لدى جميع المخلوقات دون استثناء ، فالمخلوقات التي تستمر بالبقاء تكون قد عرفت ما هو الخير بالنسبة لها فأخذت به ، وما هو الشر بالنسبة لها فابتعدت عنه .
- والخير اصطلاحًا :
الخير : ما يرغب فيه كل الناس من أصحاب الفطر السليمة ، كالعقل والفضل والعدل والأشياء النافعة كالمال .
- الخير في سلوك الإنسان :
” إِرَادَةُ الْحَسَنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَبِيحِ ، وَفِعْلُ الْحَسَنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَبِيحِ “.
- وفي المعاجم :
” وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ “. (البلد : 10)
بيَّنا له طريق الخير وطريق الشر .
النجدين : طريقي الخير و الشر.
النجد : الطريق المرتفع .
وقيل : عند الثديين ، أي ألهمناه الثديين كي يرضع منهما .
وقيل : هما طريقا الحق والباطل .
نجد النجد : المكان الغليظ الرفيع ، وقوله تعالى : ” وهديناه النجدين ” (البلد : 10) فذلك مثل لطريقي الحق والباطل في الاعتقاد ، والصدق والكذب في المقال ، والجميل والقبيح في الفعال ، وبيّن أنه عرفهما كقوله : ” إنا هديناه السبيل “. (الإنسان : 3)
والنجد : اسم صقع ، وأنجده : قصده ، ورجل نجد ونجيد ونجد .. أي : قوي شديد بيِّن النجدة ، واستنجدته : طلبت نجدته فأنجدني .. أي : أعانني بنجدته .. أي : شجاعته وقوته ، وربما قيل استنجد فلان .. أي : قوي ، وقيل للمكروب والمغلوب : منجود ، كأنه ناله نجدة .. أي : شدة ، والنجد : العرق ، ونجده الدهر ، ( قال ابن منظور : ونجده الدهر : عجمه وعلمه ، والذال المعجمة أعلى .. اللسان : نجد ).
فالمقصود بالنجدين : طريقا الخير والشر .
قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود : وهديناه النجدين ، قال : الخير والشر ، وكذا رُوي عن عليّ وابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي وائل وأبي صالح ومحمد بن كعب والضحاك وعطاء الخراساني في آخرين .
- وقال العلامة ابن باز في إجابته على سؤال لأحدهم عن معنى : النجدين :
الطريقان ، المقصود الطريقان : طريق الخير ، وطريق الشر .
هذا هو المراد بالنجدين الطريقين ؛ لأن الله جل وعلا بيّن لعباده الطريقين ؛ طريق الشر يعني : الشرك والمعاصي ونهاهم عن ذلك ، وبيّن لهم طريق الخير ؛ التوحيد والطاعات ودعاهم إليه على أيدي الرسل وفي الكتب المنزلة من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وغيرها .
والهداية هنا بمعنى : الدلالة ، كما قال تعالى : ” وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ” (فصلت : 17) ، يعني : دللناهم وأوضحنا لهم الحق بدليله ، ومن هذا قوله تعالى : وَإِنَّكَ … يخاطب النبي ﷺ ” وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ … ” (الشورى : 53) ، يعني : ترشد وتدل .
أما الهداية التي معناها التوفيق لقبول الحق والرضا به هذه بيد الله تعالى ، لا يدركها الإنسان وليست في يد الإنسان وهي المراد في قوله تعالى : ” لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ” (البقرة : 272) ، يعني : ليس عليك توفيقهم وإدخال الإيمان في قلوبهم هذا إلى الله سبحانه ، ومن هذا قوله تعالى : ” إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ” (القصص : 56) ، يعني : لا تستطيع ذلك بل هذا إلى الله تبارك وتعالى .
وأما الدلالة والبلاغ والبيان فهذا بيد الرسل وأتباعهم مستطاعة ، والمراد في قوله جل وعلا : ” وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ” (البلد : 10) ، يعني : دللناه وأرشدناه ، وهو المراد أيضًا في قوله تعالى :” وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ” (فصلت : 17) ، أي : دللناهم .