ربنا الله ﷻ

الغفار

من أسماء الله الحسنى : الغفار ، يغفر الذنوب آناء الليل والنهار ؛ الذنوب الصغار والكبار ، سواء كانت في السر أو الجِهَار ؛ فأكثروا من الاستغفار .

يقول ربنا الغفار :

” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ “. (سورة الزمر : 53)

  • يقول أهل التفسير :

قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي ، وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب : لا تَيْئسوا من رحمة الله ؛ لكثرة ذنوبكم ، إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت ، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده ، الرحيم بهم .

  • يقول العلامة السعدي رحمه الله :

يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه ، ويحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال : قُلْ يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين اللّه ، مُخبِرًا للعباد عن ربهم : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب ، والسعي في مساخط علام الغيوب .

لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أي : لا تيأسوا منها ، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا ، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها ، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان ، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن ، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده ، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك ، والقتل ، والزنا ، والربا ، والظلم ، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار .

إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، أي : وصفه المغفرة والرحمة ، وصفان لازمان ذاتيان ، لا تنفك ذاته عنهما ، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود ، مالئة للموجود ، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار ، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار ، والعطاء أحب إليه من المنع ، والرحمة سبقت الغضب وغلبته .

ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد ، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة ، أعظمها وأجلها ، بل لا سبب لها غيره ، الإنابة إلى اللّه تعالى بالتوبة النصوح ، والدعاء والتضرع والتأله والتعبد .

فهلم إلى هذا السبب الأجلّ ، والطريق الأعظم .

– أرجى آية :

قال الإمام ابن باز رحمه الله :

الله سبحانه وَعَدَ بالمغفرة ، وعد المسلمين بالمغفرة ، فهي بهذا المعنى أرجى آية ، ولو ماتوا على ذنوب عظيمة ، إذا تابوا منها ، هذه الآية أجمع العلماء -رحمة الله عليهم- على أنها في التائبين ، وهي قوله سبحانه :
” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا “. (الزمر : 53)

يعني : للتائبين ، في الشرك ، وما دونه ، من تاب إلى الله ؛ تاب عليه توبة صادقة ، إذا ندم على ما مضى منه ، وأقلع منه ، وعزم ألا يعود فيه ؛ تاب الله عليه ، سواءٌ كان شركًا ، أو زنا ، أو خمرًا ، أو غير ذلك .

– الاستغفار :

مع كثرة الذنوب ، وكثرة الاستغفار ؛ يستجيب الرب الغفار ، قال تبارك وتعالى :
” وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ “. (آل عمران : 135-136)

ويقول عز من قائل :
” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ “. (الأنفال : 33)

والمعنى : وما كان الله ليعذب أمتك -سواء من كان منهم من أمة الاستجابة أو من أمة الدعوة- بعذاب يستأصلهم وأنت -يا محمد- حي موجود بين ظهرانيهم ، فوجودك بينهم أمان لهم من العذاب ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون الله من ذنوبهم .

  • يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي -رحمه الله- في [ الوسيط ] لتفسير هذه الآية الكريمة :

وما كان الله مريدًا لتعذيب هؤلاء الذين دعوا بهذا الدعاء الغريب تعذيب استئصال وإهلاك ، وأنت مقيم فيهم -يا محمد- بمكة ، فقد جرت سنته -سبحانه- ألا يهلك قرية مكذبة وفيها نبيها والمؤمنون به حتى يخرجهم منها ثم يعذب الكافرين .

واللام في قوله لِيُعَذِّبَهُمْ لتأكيد النفي ، وللدلالة على أن تعذيبهم والرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة .

والمراد بالاستغفار في قوله : وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ استغفار من بقي بينهم من المؤمنين المستضعفين الذين لم يستطيعوا مغادرة مكة بعد أن هاجر منها النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون .

أى : ما كان الله مريدًا لتعذيبهم وأنت فيهم -يا محمد- وما كان -أيضًا- مريدًا تعذيبهم وبين أظهرهم بمكة من المؤمنين المستضعفين من يستغفر الله ، وهم الذين لم يستطيعوا مغادرتها واللحاق بك في المدينة .

قالوا : ويؤيد أن هذا هو المراد بالاستغفار قوله -تعالى- في آية أخرى : لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابًا أَلِيمًا ؛ أى : لو تميز المؤمنون عن الكافرين لعذبنا الذين كفروا عذابًا أليمًا .

وأسند -سبحانه- الاستغفار إلى ضمير الجميع ، لوقوعه فيما بينهم ، ولتنزيل ما صدر عن البعض منزلة ما صدر عن الكل .
كما يقال : قتل أهل بلدة كذا فلانًا والمراد بعضهم .

ويرى بعضهم أن المراد بالاستغفار المذكور : استغفار الكفرة أنفسهم كقولهم : غفرانك .

في طوافهم بالبيت ، أو ما يشبه ذلك من معاني الاستغفار ، وكأن هذا البعض يرى أن مجرد طلب المغفرة منه -سبحانه- يكون مانعًا من عذابه ولو كان هذا الطلب صادرًا من الكفرة .

ويرجح ابن جرير أن المراد بقوله : وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ نفي الاستغفار عنهم فقد قال بعد أن ذكر بضعة آراء : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : تأويله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد ، وبين أظهرهم مقيم ، حتى أخرجك من بين أظهرهم ، لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها ، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم ، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك بل هم مصرون عليه ، فهم للعذاب مستحقون .

– الغفار في القرآن :

ذُكر في القرآن الكريم خمس مرات منها قوله تعالي : ” رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ “. (ص : 66)

وقوله تعالى : ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا “. (نوح : 10-12)

أما ” الغفور ” فقد ورد في القرآن الكريم أكثر من تسعين مرة .

  • المعنى :

اسم الله الغفار من أسماء الله الحسني ، هو من صيغ المبالغة ، على وزن فعَّال ، أي كثير المغفرة ، كمًا ونوعًا ، وأصل المغفرة التغطية والستر .

  • المغفرة :

الغفر والغفران في اللغة : الستر ، وكل شيء سترته فقد غفرته ، والمغفرة من الله -عز وجل- ستره للذنوب ، وعفوه عنها بفضله ورحمته .

قال الزجَّاج : معنى الغفر في حق الله سبحانه : هو الذي يستر ذنوب عباده ، ويغطيهم بستره .

وقال الحليمي : الغافر هو الذي يستر على المذنب ، ولا يؤاخذه فيشهره ويفضحه ، وأما الغفور فهو الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده ، ويزيد عفوه على مؤاخذته .

اللهم اغفر لنا ذنوبنا ، وكَفِّر عنا سيئاتنا ، وتوفنا مع الأبرار .

ندعوكم لقراءة : التواب

زر الذهاب إلى الأعلى