ربنا الله ﷻ

التواب

من أسماء الله الحسنى : التواب ، ويتوب الله على من تاب ، وعاد إليه وأناب ؛ وخصوصًا معشر الشباب .

وربنا لا يريد لنا العذاب ؛ ولذلك يفتح لنا الأبواب ، ويسبب الأسباب ، ويتوب الله على من تاب .

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم الكتاب :

” وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “. (النساء : 27)

” وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ “.

تذكر ذلك يا من آلمته الذنوب ، ولعبت به الشهوات ؛ تعال إلى باب التوبة بقلبٍ تائب نادم .

” وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ “.

” يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ “.

سبحانه ما أحلمه يتودد إلى عباده !

  • يقول الشيخ محمد متولى الشعراوي رحمه الله تعالى :

يقول ربنا عز وجل : ” وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “.

سبحانه قال في الآية السابقة : { يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } ، وبعد ذلك يقول : { وَيَهْدِيَكُمْ } ، وبعد ذلك : { يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ، وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ، فلماذا جاء أولًا بـ { يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } وجاء هنا ثانيًا بـ { والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}؟

نقول : التوبة لابد أن تكون مشروعة أولًا من الله ، وإلا فهل لك أن تتوب إلى الله من الذنب لو لم يشرع الله لك التوبة ؟ أتصحُّ هذه التوبة ؟ إنه سبحانه إذن يشرع التوبة أولًا ، وبعد ذلك أنت تتوب على ضوء ما شرع ، ويقبل هو التوبة .

  • ثلاث مراحل :

ويواصل فضيلته بقوله :

بذلك نكون أمام ثلاث مراحل : أولًا مشروعية التوبة من الله رحمة منه بنا ، ثم توبة العبد ، وبعد ذلك قبول الله التوبة ممن تاب رحمة منه سبحانه .

إذن فتوبة العبد بين توبتين من الرب : توبة تشريع ، وتوبة قبول .

  • الاختيار :

{ والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } ، ما دام سبحانه قد شرع التوبة أيشرعها ولا يقبلها ؟!
لا ، فما دام قد شرع وعلمني أن أتوب فمعنى ذلك أنه فتح لي باب التوبة ، وَفْتَحُ باب التوبة من رحمة العليم الحكيم بخلقه ؛ لأن الحق حينما خلق الإنسان زوده دون سائر الأجناس بطاقة من الاختيارات الفاعلة ؛ أي أن الإنسان يستطيع أن يفعل هذه أو يفعل تلك ، وجعل أجهزته تصلح للأمر وللنهي ، فالعين صالحة أن ترى آية في كون الله تعتبر بها ، والعين -أيضًا- صالحة أن تمتد إلى المحارم .
واللسان صالح أن تسب به ، وصالح أن تذكر الله به قائلًا : لا إله إلا الله ، وسائر أنواع الذكر .
واليد صالحة أن ترفعها وتضرب بها ، وصالحة لأن تقيل وترفع بها عاثرًا واقعًا في الطريق .

هذا هو معنى الاختيار في القول وفي الفعل وفي الجوارح ، فالاختيار طاقة مطلقة توجهها إرادة المختار ، وإذا نظرت إلى اليد تجد أنك إذا أردت أن ترفعها ، فإنك لا تعرف شيئًا عن العضلات التي تستعملها كي ترفع اليد ، فالذي يرفع يده ماذا يفعل ؟ وما العضلات التي تخدم هذا الرفع ؟
وأنت ترى ذلك مثلًا في الإنسان الميكانيكي أو تراه في رافعة الأثقال -الونش- التي ترفع الأشياء ، انظر كم عملية لتفعل ذلك ؟ أنت لا تعلم شيئًا عن هذه المسألة في نفسك ، لكنك بمجرد أن تريد تحريك يدك فأنت تحركها وتطيعك .
وعندما يريد المهندس أن يحرك الإنسان الآلي فهو يوجهه بحسابات معينة ليفعل كذا وكذا ، أما الإنسان فيحرك اليد أو القدم أو العين بمجرد الإرادة .

ندعوكم لقراءة : الله قريب

  • وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :

وقوله : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : توبة تلم شعثكم ، وتجمع متفرقكم ، وتقرب بعيدكم .. { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ } أي : يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم ، ويعبدون أهواءهم ، من أصناف الكفرة والعاصين ، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم ، فهؤلاء يريدون { أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } أي : [أن] تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين .
يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان ، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره ، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه .
فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم ، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء ، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين ، وتخيّروا أحسن الطريقتين .

  • تعليقات :

والله يريد أن يتوب عليكم ، ويتجاوز عن خطاياكم ، ويريد الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن الدين انحرافًا كبيرًا .

” وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “.

الميل العظيم : ينتهي بزوال الصراط المستقيم ، فما من ميل إﻻ وتحته ميل ( أحط منه ).

ليس بعد الميل ( العظيم ) إﻻ السقوط ( المدوي ).

لكل مجتمع لصوص قلوب همهم صرفها إلى الشهوات لتغفل عن الرحيم التواب .

لا يقنع دعاة الفجور بميل يسير للأمة إلى الشهوات ؛ ﻷن غاية سرورهم وقوعها في الميل العظيم إليها .

قال أحد العلماء : لا يستريح أصحاب الشهوات حتى يكثر أمثالهم ، فلا يريدون أن يُنظر إليهم نظرة شذوذ فيستوحشون .

ولله در القائل : ما رأيت تاريخًا صنعته الشهوات والملذات !
ولكن دعاة الشهوات والملذات عندنا يزعمون أنهم يصنعون تاريخنا الحديث ، فهل هم جاهلون؟ أم متآمرون؟ أم جمعوا بين الجهل والتآمر ؟

قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى : السفور والحسور والتكشف والموضات ، وكشف النساء العورات ، وسلوك الشباب سبيل الفساد ، كل ذلك قنابل للعدو تتساقط علينا ، وتهدم كياننا ، وتصدع بنياننا ، وتُذهب قوانا ، فهل نكون من غفلتنا عونًا للعدو على أنفسنا ؟!

يقول عبدالله السكاكر : لن يكتفي أتباع الشهوات بما يسوغ الخلاف فيه ؛ حتى يجنحوا بالأمة إلى ما لا خلاف على تحريمه : ” وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا “.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : من تدبر أصول الشرع علم أن الله يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق !

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى