من هَدي الحبيب ﷺ

الاستخارة

لو أردت أن تسكن في عمارة ، أو شئت أن تكتب استمارة ، أو تعمل في وزارة ، أو تذهب في مشوار إلى الإدارة ، أو تخرج في إعارة ، أو أي عمل تقوم به ؛ فعليك بالاستخارة ، فهي صلاة عَلَّمَنَا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها الاستنارة .

– الاستخارة لغةً واصطلاحًا :

الاستخارة لغةً هي طلب الْخِيَرَة والتوفيق والسدادِ في أمور الدنيا والدين .

وهي مصدر مشتق من الفعل استخار يستخير استخارةً ؛ أي طلب الخيرة والاختيار ممن هو أكثر علمًا وأوسع حكمة .

أما في الاصطلاح الشرعي :
فالاستخارة عبارة عن صلاة يؤديها المسلم عند شعوره بالحيرة والتردد لفعل أو ترك أمر معين لا يعلم إن كانت عواقبه نافعة أو ضارة ؛ فيستخير الله تعالى طالبًا منه صرف همته وعزمه لما يحبه تعالى ويرضاه .

– الكيفية :

تكون بأن يصلي المسلم ركعتين من غير الفريضة ويسلم ، ثم يدعو بنص الدعاء الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه :

” اللهُمَّ إنِّي أسْتَخيرُكَ بعِلْمِكَ ، وأسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ ، وأسْألُكَ مِنْ فضلِكَ العَظِيم ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أقْدِرُ ، وتَعْلَمُ ولا أعْلَمُ ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيوبِ ، اللهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أن هذَا الأمرَ -ويسمي الشيء الذي يريده- خَيرٌ لي في دِيني ومَعَاشي وعَاقِبَةِ أمْري عَاجِلهِ وآجِلِهِ فاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لي ، ثمَّ بَارِكْ لي فيهِ ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومَعَاشي وعَاقِبَةِ أمري عَاجِلِهِ وآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، واقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثُمَّ أرْضِنِي بِهِ “.

– الاستخارة سُنَّة :

أجمع العلماء أَنَّ الاستخَارَة سُنَّة ، يُثاب فاعلها ولا يأثم تاركها ، وَدَلِيلُ مشروعيتِها مَا رواه الْبخارِي عَنْ جابِر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن . (رواه البخاري : 6382)

قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
” إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ ، ثم لْيقُلْ : اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك ، وأستقدِرُك بقُدرتِك ، وأسألُك من فضلِك ، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ ، اللهم فإن كنتَُ تَعلَمُ هذا الأمرَ -ثم تُسمِّيه بعينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمري وآجلِه -قال : أو في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري- فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي ، ثم بارِكْ لي فيه ، اللهم وإن كنتَُ تَعلَمُ أنه شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري -أو قال : في عاجلِ أمري وآجلِه- فاصرِفْني عنه ، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان ثم رَضِّني به ، ويسمي حاجته “. (رواه البخاري : 6382)

– استنباطات العلماء :

هناك العديد من الأمور التي استنبطها العلماء عن صفات صلاة الاستخارة طبقًا للحديث النبوي السابق ، ومنها :

  • الاستخارة في كل الأمور ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    ” ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع “. (رواه ابن حبان : 895)
  • ” فليركع ركعتين .. من غير الفريضة ” ، فيه إظهار كونها صلاة نافلة ودل ذلك أيضًا على جواز اتخاذ سنن الصلوات للاستخارة لمن لم يتسع له تخصيص ركعتين ، شريطة أن ينوي ذلك .
  • جاءت الصلاة مقدمة على الدعاء لحصول الخير ، ويقول الإمام ابن أبي جمرة : الحكمة في تقديم الصلاة أنك تحتاج إلى قرع باب المَلِك ، ولا شيء لذلك أنجح من الصلاة .
  • صيغ الرجاء المنوعة ؛
    ” أستخيرك ” تؤكد الإلحاح في الطلب من الله .
    والباء في ” بعلمك ” أي بسبب علمك وقدرتك ويحتمل أن تكون أيضًا باء التوسل إلى الله بـأسمائه وصفاته .
  • جاء الدين مُقَدَّمًا على الدنيا في الدعاء ” في ديني ومعاشي ” ، وهي من تربية النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين .
  • يحتاج المؤمن دومًا إلى تقدير الله للخير ، وتيسيره ، ومباركته للاستفادة منه ، والعكس مع الشر فإن رجاء العبد في صرف الشر عن نفسه ، وصرف نفسه وهواه عنه ، وأن يعوضه ربه بخير منه ويرضه به ، وهو منتهى الرحمة والكرم .
  • ويقول ابن حجر : ” واصرفني عنه ” : أي حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه متعلقًا به . (فتح الباري)

– أقوال العلماء :

  • يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ما ندم من استخار الخالق ، وشاور المخلوقين ، وثبت في أمره .

قال سبحانه وتعالى : ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “. (آل عمرا ن : 159)

  • قال قتادة : ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هُدوا إلى أرشد أمرهم .
  • وقال النووي رحمه الله تعالى في باب الاستخارة والمشاورة : والاستخارة مع الله ، والمشاورة مع أهل الرأي والصلاح ، وذلك أن الإنسان عنده قصور أو تقصير ، والإنسان خُلق ضعيفًا ، فقد تشكل عليه الأمور ، وقد يتردد فيها ، فماذا يصنع ؟

ندعوكم لقراءة : ﺍﻟﺘﻴﺠﺎﻥ ﺍلسبعة

– بعض الفوائد التربوية من حديث الاستخارة :

1- الاستخارة هي ركعتان ثم يعقبها دعاء خاص بها ، وفي ذلك تحقيق التوكل على الله وتعلق القلب بالله وسؤال الله أن يختار للعبد الخير لأن العبد ضعيف لا يملك لنفسه شيئًا .

قال ابن القيم رحمه الله : والمقصود أن الاستخارة توكل على الله وتفويض إليه ، وهي من لوازم الرضى به ربًّا ، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك ، وإن رضي بالمقدور بعدها ، فذلك علامة سعادته .

2- وفيها إشارة لقصور علم العبد بما يصلحه ولذا يقول في الدعاء ( فإنك تعلم ولا أعلم ) ومهما كان الأمر واضحًا لك فلتعلم أن هناك تفاصيل في العمل لا يعلمها إلا الله تعالى .

قال ابن القيم رحمه الله : ولما كان العبد يحتاج في فعل ما ينفعه في معاشه ومعاده إلى علم ما فيه من المصلحة .

أرشده النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى محض العبودية وهو جلب الخيرة من العالِم بعواقب الأمور وتفاصيلها وخيرها وشرها وطلب القدرة منه فإنه إن لم يقدره وإلا فهو عاجز وطلب فضله منه فإن لم ييسره له ويهيئه له وإلا فهو متعذر عليه .

ثم إذا اختاره له بعلمه وأعانه عليه بقدرته ويسره له من فضله فهو يحتاج إلى أن يبقيه عليه ويديمه بالبركة التي يضعها فيه .

والبركة تتضمن ثبوته ونموه وهذا قدر زائد على إقداره عليه وتيسيره له ثم إذا فعل ذلك كله فهو محتاج إلى أن يرضيه به فإنه قد يهيئ له ما يكرهه فيظل ساخطًا .

3- ومن دروس الاستخارة أنها صلاة ، وفي ذلك بيان أن المسلم ينبغي عليه أن يفزع إلى الصلاة في كافة أموره .

ومما ورد في الاستخارة :

حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
عن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” من سعادة ابن آدم استخارته الله ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله ، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله عز وجل “. ﴿أخرجه أحمد والترمذي ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح وضعفه الألباني في الضعيفة : 6112﴾

– أحاديث ضعيفة في الاستخارة :

لابد لك أيها المسلم أن تتعرف على الصحيح وغير الصحيح من أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى :

1- حديث أبي بكر رضي الله عنه :

عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أن النبي كان إذا أراد أمرًا قال : ” اللهم خر لي واختر لي “.

﴿ أخرجه : الترمذي وغيره ، وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل وهو ضعيف عند أهل الحديث ﴾.

2- حديث أنس رضي الله عنه :

عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا : ” إذا أهممت بأمر فاستخر ربك سبعًا ، ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه “.

﴿ أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة ولكنه لا يصح ، قال الحافظ في الفتح (18/171) : ولو صح لكان المعتمد لكن إسناده واهٍ جدًّا ﴾.

– اتفاق المذاهب :

اتفقت المذاهب الأربعة على أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها .

أما ما هو معروف خيره أو شره ؛ كالعبادات وصنائع المعروف والمعاصي والمنكرات فلا حاجة إلى الاستخارة فيها إلا إذا أراد بيان خصوص الوقت كالحج مثلًا في هذه السنة لاحتمال عدو أو فتنة والرفقة فيه أيرافق فلانًا أم لا .

وعلى هذا فالاستخارة لا محل لها في الواجب والحرام والمكروه ، وإنما تكون في المندوبات والمباحات .

والاستخارة في المندوب لا تكون في أصله لأنه مطلوب وإنما تكون عند التعارض ؛ أي إذا تعارض عنده أمران أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه .

والمسلم إذا صلى صلاة الاستخارة مضى لما عزم عليه سواء انشرح صدره أم لا .

– استخارة واستشارة :

قال الشاعر العباسي الصاحب بن عباد :

اِذا هَمَمتَ بِأَمرٍ … فَقَدّم الاِستِخارَة

وَاِن عَزَمتَ عَلَيهِ … فَكَرِّر الاِستِشارَة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى