صنائع المعروف
صنائع المعروف :
قال المعلم صلى الله عليه وسلم :
” صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم زيادة في العمر .
وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف “. (رواه الطبراني وغيره ، وصححه الألباني)
والمقصود هنا أن فعل الخير من الصدقة وصلة الرحم وبر الوالدين ومساعدة المحتاجين ، بالإضافة إلى الإحسان إلى الناس ، كل هذه الأشياء تقي مصارع السوء ؛ مثل الموت فجأة والحرق والغرق .
– أعمال البر :
ما أجمل أعمال البر ، في العلن كانت أو في السِّر ، في البرد كانت أو في الحَرّ .
ولك الثواب والأجر .
وفي كُلٍّ خير ، لك وللغير .
اللهم اجعل قلوبنا كأفئدة الطير .
– الصديق الحق :
رجل أعمال في تبوك ، زاره صديق له من الرياض ، وعند الانتهاء من ضيافته ، قال له : نطلع العصر أعلمك ماذا أملك ، وتشاهد أملاكي .
وعند الانتهاء من الجولة ، قال له : ما رأيك فيما شاهدت ؟
قال : ما شفت شيئًا !!
صُدم الرجل من إجابة صديقه وقال له : كيف ما شفت شيئًا ؟!!
قال له : كل ما شفته أملاك الورثة بعد موتك !
كل ما شفته ليس شيئًا تفتخر به ، ولن ينفعك ولن يفيدك !!
قال : كل هذا ؟ قال : نعم !
ما شفت لك مسجدًا أو وقفًا خيريًا .
وما إن انتهت زيارة صديقه ، حتى قام ببناء مسجد يتسع لمائتي مُصَلٍّ بكل مرافقه من سكن إمام ومؤذن ومغسلة أموات .
وبعدها بشهرين تُوفي رحمه الله .
سبحان الله العظيم نصيحة صديقه بعد الله كانت سببًا في قيامه بوقف هذا المسجد له بعد موته ورصيدًا له بالأخرة .
تمسكوا بالناس الصالحين ؛ فهم كنوزٌ نادرة ثمينة .
– فضل صنع المعروف :
وفي الحَديثِ الذي صدرنا به المقال :
- الحث على عمل المعروف مُطلقًا .
- تجنُّب المُنكر .
- بيان فضْل صُنع المعروف وعمَل البِر في وِقايةِ صاحبِه مِن الآفاتِ والهَلَكاتِ المستقبليَّةِ ، ومَصارِعِ السُّوءِ .
– قصة حقيقية :
يحكي أحدهم ، يقول :
رجل من أصحاب أبي ، أحسبه من الصالحين ، وكان أميرًا في قومه ، نازلًا من الطائف إلى مكة في يوم جمعة ، وكان معه ابن له ، رأى رجلًا ضعيفًا ، فقال لابنه : قف لهذا الضعيف ، فكأن الابن نظر إلى رثاثة حاله ، فَكَرِهَ أن يركبه مع والده في السيارة الفارهة .
يقول : فشعرت بما في نفس ابني فذكَّرتُه بصنائع المعروف ، وأن الله يحفظ العبد بها ، وأنها تقي مصارع السوء .
فلما دخلنا مكة ونحن في أشد سرعة السيارة لندرك الجمعة ، وإذا بطفل أمام السيارة تمامًا لا نستطيع أن نفر عنه .. فمرت عليه السيارة تمامًا .
أصابنا الرعب ، وتوقفنا على أن الطفل قد مات .
نزلنا فإذا به قائم على رجليه ليس به بأس ، فقلت له : ما هذا ؟
قال : لما مرت السيارة انكفأت على وجهي .
دمعت عيناه وركب السيارة وهو في حال لا يعلمها إلا الله ، وقال : يا بني ، والله لا أعرف لك إلا هذا المعروف الذي فعلته فرحمنا الله به .
– الأنبياء أسرع الناس نفعًا :
كان أنبياء الله ورسله أسرع الناس نفعًا ، وأحرصهم دفعًا ؛ فإبراهيم الخليل عليه السلام بذل ماله وبيته للضيفان ، وإطعام الإنسان ، حتى لقبوه بأبي الضيفان .
وموسى عليه السلام أخبر عنه الرحمن : ” وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ “. (القصص : 23-24)
وهذا عيسى يدعو ربه : ” وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ” أي نفاعًّا للناس أينما اتجهت .
وكل الأنبياء كانوا على الطريق نفسه ، بذلوا غاية وسعهم لهداية الناس ونفعهم ، صلى عليهم ربهم وسلم .
– وسيد المرسلين :
وكان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يقضي الحوائج حتى أرهقه التعب ، فكان يصلي قاعدًا ، تقول عائشة بعدما ” حَطَمَهُ الناس ” أي بكثرة حوائجهم ، وكما شفع لمغيث عند زوجته بريرة ، بل حتى الحيوان ، لما رأى الجمل حينما ذرفت عيناه قال : ” من رب هذا الجمل ؟ لمن هذا الجمل ؟ “.
فجاء فتى من الأنصار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ اللهُ إياها ؟ فإنه شكا إليَّ أنك تُجيعه “.
وعلَّم أصحابه كيف يصنعون المعروف حتى ألفوه ، وسار المسلمون الخيِّرون على النهج نفسه ، حتى اليوم والغد ، وإلى قيام الساعة ؛ فهي طاعة ، ويا لها من طاعة .
ندعوكم لقراءة : الأقربون أولى بالمعروف
– بذل المعروف والخيرية :
ما أروع صور المعروف والخيرية ، في هذه الأمة المحمدية ، وذلك على مدار الأيام والليالي الشتوية والصيفية ؛ فالخير كل الخير في هذه الأمة المهدية ، أمة خير البرية .
هيا لنرى غيضًا من فيض صنائع المعروف الإنسانية :
1- زيد اليامي والعجائز :
كان زيد اليامي إذا كانت الليلة مطيرة ، أخذ شعلة من النار ، فطاف بها على عجائز الحيّ فقال : { أتريدون نارًا ؟ }.
فإذا أصبح طاف على عجائز الحي فقال : { ألكم في السوق حاجة ؟ أتريدون شيئًا ؟ }.
2- طاووس والحج :
عن معمر ، أن طاووسًا ( اسم تابعي جليل ) أقام على رفيق له مريض يخدمه حتى فاته الحج !
3- زين العابدين :
كانوا يخفون أعمالهم متاجرةً مع ربهم ، فهذا عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( زين العابدين ) يُبَخَّل ، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة !!
4- يوقف نفسه للحوائج :
وهذا آخر يوقف نفسه للحوائج طلبًا ونيلًا لتلك الجوائز ، فكان عبدالله الواسطي قد وقف نفسه على مصالح المسلمين والمشي في قضاء حوائجهم !!
5- سلمان والشاة :
ومن صور المعروف ونماذجه ما ورد عن عبدالله بن سلمة قال : كان سلمان ( الفارسي ) رضي الله عنه إذَا أَصَابَ شَاةً مِنَ الْمَغْنَمِ ذَبَحَهَا ، فَقَدَّدَ لَحْمَهَا ، وَجَعَلَ جِلْدَهَا سِقَاءً ، وَجَعَلَ صُوفَهَا حَبْلا ، فَإِنْ رَأَى رَجُلًا قَدَ احْتَاجَ إِلَى حَبْلٍ لِفَرَسِهِ أَعْطَاهُ ، وَإِنْ رَأَى رَجُلًا احْتَاجَ إِلَى سِقَاءٍ أَعْطَاهُ .
6- ابن شبرمة :
ومن جميل المواقف والصدق والتآلف ما جاء عن ابن شبرمة أنه قضى حاجة كبيرة لبعض إخوانه ، فجاء يكافئه بهدية فقال : ما هذا ؟
قال : لما أسديته إليّ .
فقال : خذ مالك عافاك الله ، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها ، فتوضأ للصلاة ، وكبّر عليه أربع تكبيرات ، وعدّه من الموتى !
– صناعة المعروف من القرآن الكريم :
قال الله تبارك وتعالى :
” يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “. (الحج : 77)
فقوله ” وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ ” أمر يشمل كل خير .
وقال تعالى :
” لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ “. (النساء : 114)
– أي الأعمال أفضل ؟ :
عن أبي ذر جُندب بن جُنَادَة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ؟
قال : ” الإيمان بالله ، والجهاد في سبيله “.
قلت : أي الرقاب أفضل ؟
قال : ” أنفسها عند أهلها ، وأكثرها ثمنًا “.
قلت : فإن لم أفعل ؟
قال : ” تعين صانعًا ، أو تصنع لأخرق “.
قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟
قال : ” تكف شرك عن الناس ؛ فإنها صدقة منك على نفسك “. (متفق عليه)
” الصانع ” هذا هو المشهور ، ورُويَ ” ضائعًا ” : أي ذا ضياع من فقر أو عيال ، ونحو ذلك .
” والأخرق ” : الذي لا يتقن ما يحاول فعله .
– معنى المعروف وأهمية هذه العبادة :
يقول الدكتور منقذ السفاري :
المعروف المقصود هنا هو فعل الخير وإسداؤه للغير ، سواء كان هذا الخير مالًا كالصدقة ، والإطعام ، وسقاية الماء ، وسداد الديون ، أو جاهًا كما في الإصلاح بين المتهاجرين ، والشفعة ، وبذل الجاه ، أوعلمًا ، أو سائر المصالح التي يحتاجها الناس ، كحسن المعاملة ، وإماطة الأذى ، وعيادة المرضى ، وغير ذلك .
عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
” على كل مسلم صدقة . فقالوا يا نبي الله ، فمن لم يجد ؟
قال : يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق .. قالوا : فإن لم يجد ؟
قال : يعين ذا الحاجة الملهوف .
قالوا : فإن لم يجد ؟
قال : فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة “. (البخاري : 1445 ، مسلم : 1008)
كثير من الناس يطلق معنى العبادة على مايتعلق بحقوق الله فحسب ، ويغفل عن باب آخر عظيم ، وهو حسن المعاملة مع العباد والإحسان إليهم .
– قالوا في صنائع المعروف :
- اصنع في كل يوم معروفًا ، وكن للخير باذلًا مألوفًا .
- أيام المرء : ما أغاث فيه المضطر ، واحتسب فيه الأجر ، وارتهن فيه الشكر ، واسترق فيه الحر .
- جاء عن الحسن وابن سيرين أن فعل المعروف يؤجر عليه وإن لم يكن له فيه نية .
- وسئل الحسن البصري عن الرجل يسأله آخر حاجةً ، وهو يبغضه ، فيعطيه حياءً ، هل له فيه أجر ؟
قال : إن ذلك من المعروف وإن في المعروف أجرًا . - وقال ابن عباس رضي الله عنهما : المعروف أيمن الزرع وأفضل كنز .
- وقال محمد بن المنكدر ، لما سُئل أي الدنيا أعجب إليك ؟
قال : إدخال السرور على المؤمن . - وقال محمد بن واسع : مَا رددتُ أَحَدًا عن حاجةٍ أَقْدِرُ عَلَى قضائهَا ، وَلو كانَ فيها ذهابُ مالِي .
- قال الحسن البصري : لئن أقضي لمسلم حاجة أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة .
- وقال طاووس : إذا أنعم الله على عبد نعمة ثم جعل إليه حوائج الناس ، فإن احتمل وصبر وإلا عَرَّض تلك النعمة للزوال .