آية الدين
آية الدين هي أطول الآيات ، وتُعد توثيقًا للمعاملات ، والمداينات .
تحتوي آية الدين على ثلاثين حُكمًا ، وتحتوي على تسع وعشرين ومائة كلمة ، وهي الآية رقم ( 282 ) من سورة البقرة .
يقول الله الملك الحق في كتابه العزيز:
” يَأ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ منْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ “. (البقرة : 282)
قال القرطبي عن آية الدين :
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هذه الآية ( آية الدين ) نزلت في السلم خاصة ، معناه أن سلم أهل المدينة كان سبب الآية ، ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعًا .
– استنباط 50 فائدة من تفسير آية الدين :
للعلامة عبد الرحمن السعدي :
هذه آية الدين ، وهي أطول آيات القرآن ، وقد اشتملت على أحكام عظيمة جليلة المنفعة والمقدار :
أحدها : أنه تجوز جميع أنواع المداينات من سلم وغيره ؛ لأن الله أخبر عن المداينة التي عليها المؤمنون إخبار مقرر لها ذاكرًا أحكامها ، وذلك يدل على الجواز .
الثاني والثالث : أنه لابد للسلم من أجل وأنه لابد أن يكون مُعينًا معلومًا فلا يصح حالًا ولا إلى أجل مجهول .
الرابع : الأمر بكتابة جميع عقود المداينات إما وجوبًا وإما استحبابًا لشدة الحاجة إلى كتابتها ؛ لأنها بدون الكتابة يدخلها من الغلط والنسيان والمنازعة والمشاجرة شر عظيم .
الخامس : أمر الكاتب أن يكتب .
السادس : أن يكون عدلًا في نفسه لأجل اعتبار كتابته ، لأن الفاسق لا يعتبر قوله ولا كتابته .
السابع : أنه يجب عليه العدل بينهما ، فلا يميل لأحدهما لقرابة أو صداقة أو غير ذلك .
الثامن : أن يكون الكاتب عارفًا بكتابة الوثائق وما يلزم فيها كل واحد منهما ، وما يحصل به التوثق ؛ لأنه لا سبيل إلى العدل إلا بذلك ، وهذا مأخوذ من قوله : { وليكتب بينكم كاتب بالعدل }.
التاسع : أنه إذا وجدت وثيقة بخط المعروف بالعدالة المذكورة يعمل بها ، ولو كان هو والشهود قد ماتوا .
العاشر : قوله : { ولا يأب كاتب أن يكتب } أي : لا يمتنع من منَّ الله عليه بتعليمه الكتابة أن يكتب بين المتداينين ، فكما أحسن الله إليه بتعليمه ، فليحسن إلى عباد الله المحتاجين إلى كتابته ، ولا يمتنع من الكتابة لهم .
الحادي عشر : أمر الكاتب أن لا يكتب إلا ما أملاه من عليه الحق .
الثاني عشر : أن الذي يُملي من المتعاقدين من عليه الدين .
الثالث عشر : أمره أن يبين جميع الحق الذي عليه ولا يبخس منه شيئًا .
الرابع عشر : أن إقرار الإنسان على نفسه مقبول ؛ لأن الله أمر من عليه الحق أن يمل على الكاتب ، فإذا كتب إقراره بذلك ثبت موجبه ومضمونه ، وهو ما أقر به على نفسه ، ولو ادعى بعد ذلك غلطًا أو سهوًا .
الخامس عشر : أن من عليه حقًّا من الحقوق التي البينة على مقدارها وصفتها من كثرة وقلة وتعجيل وتأجيل ، أن قوله هو المقبول دون قول من له الحق ، لأنه تعالى لم ينهه عن بخس الحق الذي عليه ، إلا أن قوله مقبول على ما يقوله من مقدار الحق وصفته .
السادس عشر : أنه يحرم على من عليه حق من الحقوق أن يبخس وينقص شيئًا من مقداره ، أو طيبه وحسنه ، أو أجله أو غير ذلك من توابعه ولواحقه .
السابع عشر : أن من لا يقدر على إملاء الحق لصغره أو سفهه أو خرسه ، أو نحو ذلك ، فإنه ينوب وليه منابه في الإملاء والإقرار .
الثامن عشر : أنه يلزم الولي من العدل ما يلزم من عليه الحق من العدل ، وعدم البخس لقوله { بالعدل }.
التاسع عشر : أنه يشترط عدالة الولي ؛ لأن الإملاء بالعدل المذكور لا يكون من فاسق .
العشرون : ثبوت الولاية في الأموال .
الحادي والعشرون : أن الحق يكون على الصغير والسفيه والمجنون والضعيف ، لا على وليهم .
الثاني والعشرون : أن إقرار الصغير والسفيه والمجنون والمعتوه ونحوهم وتصرفهم غير صحيح ؛ لأن الله جعل الإملاء لوليهم ، ولم يجعل لهم منه شيئًا لطفًا بهم ورحمة ، خوفًا من تلاف أموالهم .
الثالث والعشرون : صحة تصرف الولي في مال من ذكر .
الرابع والعشرون : فيه مشروعية كون الإنسان يتعلم الأمور التي يتوثق بها المتداينون كل واحد من صاحبه ؛ لأن المقصود من ذلك التوثق والعدل ، وما لا يتم المشروع إلا به فهو مشروع .
الخامس والعشرون : أن تعلم الكتابة مشروع ، بل هو فرض كفاية ؛ لأن الله أمر بكتابة الديون وغيرها ، ولا يحصل ذلك إلا بالتعلم .
السادس والعشرون : أنه مأمور بالإشهاد على العقود ، وذلك على وجه الندب ؛ لأن المقصود من ذلك الإرشاد إلى ما يحفظ الحقوق ، فهو عائد لمصلحة المكلفين ، نعم إن كان المتصرف ولي يتيم أو وقف ونحو ذلك مما يجب حفظه تعين أن يكون الإشهاد الذي به يحفظ الحق واجبًا .
السابع والعشرون : أن نصاب الشهادة في الأموال ونحوها رجلان أو رجل وامرأتان ، ودلت السنة أيضًا أنه يقبل الشاهد مع يمين المدعي .
الثامن والعشرون : أن شهادة الصبيان غير مقبولة لمفهوم لفظ الرجل .
التاسع والعشرون : أن شهادة النساء منفردات في الأموال ونحوها لا تُقبل ؛ لأن الله لم يقبلهن إلا مع الرجل ، وقد يُقال إن الله أقام المرأتين مقام رجل للحكمة التي ذكرها وهي موجودة سواء كن مع رجل أو منفردات والله أعلم .
الثلاثون : أن شهادة العبد البالغ مقبولة كشهادة الحر لعموم قوله : { فاستشهدوا شهيدين من رجالكم } والعبد البالغ من رجالنا .
الحادي والثلاثون : أن شهادة الكفار ذكورًا كانوا أو نساءً غير مقبولة ؛ لأنهم ليسوا منا ، ولأن مبنى الشهادة على العدالة وهو غير عدل .
الثاني والثلاثون : فيه فضيلة الرجل على المرأة ، وأن الواحد في مقابلة المرأتين لقوة حفظه ونقص حفظها .
الثالث والثلاثون : أن من نسي شهادته ثم ذكرها فذكر فشهادته مقبولة لقوله : { فتذكر إحداهما الأخرى }.
الرابع والثلاثون : يؤخذ من المعنى أن الشاهد إذا خاف نسيان شهادته في الحقوق الواجبة وجب عليه كتابتها ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الخامس والثلاثون : أنه يجب على الشاهد إذا دُعي للشهادة وهو غير معذور ، لا يجوز له أن يأبى لقوله : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا }.
السادس والثلاثون : أن من لم يتصف بصفة الشهداء المقبولة شهادتهم ، لم يجب عليه الإجابة لعدم الفائدة بها ولأنه ليس من الشهداء .
السابع والثلاثون : النهي عن السآمة والضجر من كتابة الديون كلها من صغير وكبير وصفة الأجل وجميع ما احتوى عليه العقد من الشروط والقيود .
الثامن والثلاثون : بيان الحكمة في مشروعية الكتابة والإشهاد في العقود ، وأنه { أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا } فإنها متضمنة للعدل الذي به قوام العباد والبلاد ، والشهادة المقترنة بالكتابة تكون أقوم وأكمل وأبعد من الشك والريب والتنازع والتشاجر .
التاسع والثلاثون : يؤخذ من ذلك أن من اشتبه وشك في شهادته لم يجز له الإقدام عليها بل لا بد من اليقين .
الأربعون : قوله : { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها } فيه الرخصة في ترك الكتابة إذا كانت التجارة حاضرًا بحاضر ، لعدم شدة الحاجة إلى الكتابة .
الحادي والأربعون : أنه وإن رَخَّص في ترك الكتابة في التجارة الحاضرة ، فإنه يشرع الإشهاد لقوله : { وأشهدوا إذا تبايعتم }.
الثاني والأربعون : النهي عن مضارة الكاتب بأن يُدعَى وقت اشتغال وحصول مشقة عليه .
الثالث والأربعون : النهي عن مضارة الشهيد أيضًا بأن يُدعى إلى تحمل الشهادة أو أدائها في مرض أو شغل يشق عليه ، أو غير ذلك هذا على جعل قوله: { ولا يضار كاتب ولا شهيد } مبنيًّا للمجهول ، وأما على جعلها مبنيًّا للفاعل ففيه نهي الشاهد والكاتب أن يضارا صاحب الحق بالامتناع أو طلب أجرة شاقة ونحو ذلك ، وهذان هما الرابع والأربعون والخامس والأربعون .
السادس والأربعون : أن ارتكاب هذه المحرمات من خصال الفسق لقوله : { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم }.
السابع والأربعون : أن الأوصاف كالفسق والإيمان والنفاق والعداوة والولاية ونحو ذلك تتجزأ في الإنسان ، فتكون فيه مادة فسق وغيرها ، وكذلك مادة إيمان وكفر لقوله : { فإنه فسوق بكم } ولم يقل فأنتم فاسقون أو فُسّاق .
الثامن والأربعون : -وحقه أن يتقدم على ما هنا لتقدم موضعه- اشتراط العدالة في الشاهد لقوله : { ممن ترضون من الشهداء }.
التاسع والأربعون : أن العدالة يشترط فيها العُرف في كل مكان وزمان ، فكل من كان مرضيًّا معتبرًا عند الناس قُبلت شهادته .
الخمسون : يؤخذ منها عدم قبول شهادة المجهول حتى يزكى .
فهذه الأحكام مما يُستنبط من هذه الآية الكريمة ( آية الدين ) على حسب الحال الحاضرة والفهم القاصر ، ولله في كلامه حكم وأسرار يخص بها من يشاء من عباده . (انتهى)
رحم الله المفسر الكبير والعلامة الفهامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمة واسعة .
– وهذا تفسير مبسط لآية الدين للعَالِمَيْن الجليلين : جلال الدين المحلي ، وجلال الدين السيوطي :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَأيَنْتُمْ : تعاملتم ، بِدَيْنٍ : كسلم وقرض ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى :معلوم ، فَاكْتُبُوهُ : استيثاقًا ودفعًا للنزاع ، وَلْيَكْتُبْ : كتاب الدين ، بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ : بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص ، وَلا يَأْبَ : يمتنع ، كَاتِبٌ : من ، أَنْ يَكْتُبَ : إذا دُعي إليها ، كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ : أي فضله في الكتابة فلا يبخل بها ، فَلْيَكْتُبْ : تأكيد ، وَلْيُمْلِلِ : الذي يمل الكاتب ، الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ : الدين لأنه المشهود عليه فيقر ليعلم ما عليه ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ : في إملائه ، وَلا يَبْخَسْ : ينقص ، مِنْهُ : أي الحق ، شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا : مبذرًا ، أَوْ ضَعِيفًا : عن الإملاء لصغر أو كبر ، أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ : لخرس أو جهل في اللغة أو نحو ذلك ، فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ : متولي أمره من والد أو وصي أو قيم أو مترجم ، بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا : أشهدوا على الدين ، شَهِيدَيْنِ : شاهدين ، مِنْ رِجَالِكُمْ : أي بالغي المسلمين الأحرار ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا : أي الشهيدين ، رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ : يشهدون ، مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ : لدينه وعدالته وتعدد النساء لأجل ، أَنْ تَضِلَّ : تنسى ، إِحْدَاهُمَا : الشهادة لنقص عقلهن وضبطهن ، فَتُذَكِّرَ : بالتخفيف والتشديد ، إِحْدَاهُمَا : الذاكرة ، الأخْرَى : الناسية ، وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا : زائدة ، دُعُوا : إلى تحمل الشهادة وأدائها ، وَلا تَسْأَمُوا : تملوا من ، أَنْ تَكْتُبُوهُ : أي ماشهدتموه من الحق لكثرة وقوع ذلك ، صَغِيرًا : كان ، أَوْ كَبِيرًا : قليلًا أو كثيرًا ، إِلَى أَجَلِهِ : وقت حلوله حال من الهاء في تكتبوه ، ذَلِكُمْ : أي الكتب ، أَقْسَطُ : أعدل ، عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ : أي أعون على إقامتها لأنه ، أَلا تَرْتَابُوا : تشكوا في قدر الحق والأجل ، إِلا أَنْ تَكُونَ : تقع ، تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ : أي تقبضونها ولا أجل عليها ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا : والمراد بها المتجر فيه ، وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَأيَعْتُمْ : عليه فإنه أدفع للاختلاف وهذا ما قبله أمر ندب ، وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ : صاحب الحق ومن عليه بتحريف أو امتناع من الشهادة أو الكتابة أو لا يضرهما صاحب الحق بتكليفهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة ، وَإِنْ تَفْعَلُوا : ما نهيتم عنه ، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ : خروج عن الطاعة لاحق ، بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ : في أمره ونهيه ، وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ : مصالح أموركم حال مقدرة أو مستأنف ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
– وقفات :
1- سؤال وجواب :
ذكر الألوسي جوابًا شعريًا على سؤال في وجه العدول عن قوله تعالى ( فتذكرها ) إلى قوله : ﴿ فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ ، وعن ما قاله ابن المغربي والطبري جوابه تفنيد قولهما وبيان سر تكرار ( إحداهما ) أنه لو اقتصر على ضمير واحد لها لاقتضى تعيين واحدة بالحكم ، وهناك السؤال والجواب فنبثه لحلاوته ونفاسته ، وهو من الخفاجي إلى الغزنوي :
ما سر تكرار إحدى دون تذكرها … في آية لذوي الإشهاد في البقرة
وظاهر الحال إيجاز الضمير على … تكرار إحداهما لو أنه ذكره
وحمل الإحدى على نفس الشهادة في … أولاهما ليس مرضيًا لدى المهرة
فأجاب الغزنوي رحمه الله :
يا من تفرد في كشف العلوم … لقد وافى سؤالك والأسرار مستتره
تضل إحداهما فالقول محتمل … كليهما فهي للإظهار مفتقره
ولو أتي بضمير كان مقتضيًا … تعيين إحداهما للحكم معتبره
ومن رددتم عليه الحل فهو كما … أشرتموا ليس مرضيًا لمن سبره
2- كيل معلوم ، ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم :
وجاء في تفسير ابن كثير قوله :
ثبت في الصحيحين من رواية سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس ، قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم “.
3- شهادة خزيمة بشهادة رجلين :
وهذا حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري ، وقد رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني عمارة بن خزيمة الأنصاري ، أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي ، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم وأبطأ الأعرابي ، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ، ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه ، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتعه ، وإلا بعته ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي ، قال : ” أوليس قد ابتعته منك ؟ ” ، قال الأعرابي : لا والله ما بعتك .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” بل قد ابتعته منك ” .. فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان ، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك .. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي : ويلك ! إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول إلا حقًّا .. حتى جاء خزيمة ، فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الأعرابي يقول هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك .. قال خزيمة : أنا أشهد أنك قد بايعته .. فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال : ” بم تشهد ؟ ” ، فقال : بتصديقك يا رسول الله .. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين .
وهكذا رواه أبو داود من حديث شعيب ، والنسائي من رواية محمد بن الوليد الزبيري كلاهما عن الزهري ، به نحوه .
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .