أحدث عنهم ولا حرج
محمود السيرة :
أحدث عن قصة رجل طيب السيرة ، كان ذا رأي سديد وبصيرة ، يعرف كُلَّ حقٍّ للجِيرَة ؛ فكان يحبهم ويقدرهم ويحكم بينهم في أمور خطيرة .. كان رجلًا وَفِيَّ العقل نقيَّ السريرة .
كان أصغر إخوته ، تُوفي أبوه وهو ابن عامين ، وكان مولده في الثالث من يناير عام 1885م ، فكفلته أمه الطيبة الصالحة بمساعدة أخيه الأكبر ، فنشأ وترعرع في بيت صالح وفي بيئة دينية محافظة .
وكبر الصبي ، وسرعان ما خرج إلى التجارة ومارسها ، ونجح فيها -بتوفيق المولى عز وجل- ، وكان تاجرًا أمينًا صدوقًا ، وفتح الله عليه أبواب الرزق ، فكان حريصًا على شراء أراض زراعية -وكان بعيد النظر- ؛ فاشترى من كدّه وسعيه أراضي كثيرة ، وحرم نفسه من ملذات الحياة من أجل هدف سعى إليه وحققه .. وكان يتقاسم أرضه مع أخيه المريض الذي عجز عن العمل بسبب إصابة كبيرة في ساقه ؛ فكان يكتب ويسجل في الشهر العقاري ما يشتريه باسمه واسم أخيه ، كما كان يتقاسم ربح تجارته مع أخيه المصاب ، ويعوله هو وزوجته وأولاده طوال الوقت .. وكان يعول أختين له أرملتين لم تنجبا إلا البنات ؛ فكان ينفق عليهن جميعًا .. كان -رحمه الله- حُبًّا يمشي على قدمين .. كان يساعد ذوي القربى والأرامل والمساكين ، وكان يساعد بناته جميعًا ويصلهن ويبرهن ويساعدهن في زواج بناتهن ، وقد مات كل أولاده الذكور وعددهم سبعة في حياته وماتت ابنتان أيضًا ، ولم يبق له إلا ثلاث بنات .. ومرض الرجل فجأة وطمع بعض أقاربه فأشار عليه البعض بالزواج وكان عمره آنذاك ثلاثة وستين عامًا ؛ وقد كان ، تزوج ورزقه الله بأربعة من البنين وببنت أخرى ، وبورك له في أهله وماله وولده .
سأله الناس -ذات يوم- أن يمروا من أرضه الزراعية ، فلم يتردد لحظة ، فأنشأ لهم طريقًا وسط أرضه المزروعة ، ومهده لهم ليمشوا عليه وقتما شاءوا ، ولم يأبه لاعتراض المعترضين من أقاربه .. وكان رجل الخير هذا يضيف الضيفان من الأقارب أو من غيرهم حتى إنه كان يؤويهم بالأيام وأحيانًا بالشهور ، خصوصًا إذا وقع خلاف بين الشباب وذويهم من أبناء عائلته ، يأكلون ويشربون وينامون ؛ حتى يصلحهم مع آبائهم وأمهاتهم .. كما كان الباعة الجائلون الذين يأتون من أماكن بعيدة يهرعون إليه إذا دخل الليل ، ويبيتون عنده يطعمهم ربهم ويسقيهم ، حتى إذا أتى الصباح رحلوا .
ولله در الشاعر القائل :
تراه إذا مـا جئته متهلـلًا … كأنك تعطيه الذي هو سائله
كان الرجل يعطي بلا ترفع ، تتمثل معاني الكرم والنبل في حركاته وسكناته ، وتسيل أخلاقه وعواطفه في تصرفاته ، كأنه الود المنخول ، والنقاء الموصول ؛ فكان قلبه صافيًا من كدر الشهوات .
أراد بعض رجال الكوم الأخضر شراء قطعة أرض لبناء مسجد عليها بعد أن ضاق المسجد الشرقي بالمصلين ، ذهبوا إلى أحد أصحاب الأراضي ؛ فرفض رفضًا قاطعًا ، فإذا بالرجل الطيب يذهب إليهم ويعرض عليهم ما يحتاجون إليه من أرضه لبناء المسجد دون مقابل ، وقد كان ، وتم بناء المسجد بالجهود الذاتية وشارك الرجل بماله وجهده ، وكان يستضيف العمال كل يوم في بيته ويوفر لهم كل ما يلزمهم من طعام وشراب وراحة ، وترك أرضًا لخدمة المسجد من أمامه ومن خلفه ، والأخيرة التي أقيم عليها مكتب بريد الكوم الأخضر .
وكان -رحمه الله- محافظًا على الصلوات في جماعة ، يستيقظ قبل الفجر بوقت كبير ليصلي بالليل ، وبعد انقضاء الصلاة يجلس يذكر ربه .. وكان يفضل الجلوس خلف أعمدة المسجد تواضعًا وإنكارًا للذات .. كان يكثر من صيام النوافل ، وأدى الحج مرتين ، والعمرة مرتين .
أما في الشهر الكريم المبارك فكان يكثر من عمل الخير بشكل ملحوظ ، وكان يهيئ بيته لليالي رمضان بشكل غير مسبوق ، فكان يأتي بالمقرئين -على حسابه- ليحيوا ليالي رمضان ويجعلوا منها أوقاتًا روحانية مريحة للنفس .. وكان رجال عائلته يفطرون في بيته يوميًا ، ثم يستقبلون الضيوف من العائلات الأخرى ، ويقوم القراء بإحياء الليل بالقرآن والصلاة والذكر .
وكان -رحمه الله- يصلح بين المتخاصمين ، وكان من عادته أن يُقَبِّل رؤوس المتخاصمين ليرضيهم .
كان يشتري الذهب والفضة للعرائس ، والملابس للشباب وما يلزمهم في حفلات الزواج لثقتهم به .
وكان يقيس الأراضي والبيوت بين الورثة قسمة العدل ؛ فقد كان الناس يثقون به ثقة مطلقة ؛ فقد كان صادقًا أمينًا ، عادلًا ضمينًا ؛ فقد كان يعدل في القضية ، ويقسم بالسوية .
وكان يكيل محاصيل أقاربه بنفسه ، ويحسب زكاتها كلها ، ثم يقوم بتنظيمها وتوزيعها على فقراء عائلته أولًا ، ثم للمحتاجين من أبناء المنطقة ؛ فالأقربون أولى بالمعروف .
كان في شخصية هذا الرجل الطيب إشعاع خاص يحيطه بالمهابة ، وهذا من محض فضل الله عليه . وكان قويًّا في غير عنف ، ليِّنًا في غير ضعف ، يتجاوز الهفوة ، ولا يتعلق بلغو الكلام ، يهتم بالكرام ويتجاوز عن اللئام ؛ كان وافر اللُّب ، كثير الحب .
ولله در القائل -وهو ينطبق عليه- : { في الدين ما كان أبصره ، وعن الدنيا ما كان أبعده ، وفي الزهد ما كان أخبره ، وبالصالحين ما كان ألحقه ، وبالماضين ما كان أشبهه }.
تُوفي الرجل الطيب ليلة الجمعة الموافق للرابع من سبتمبر عام 1964م ، وصلى الناس عليه صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعة ، وحُملت جنازته في مشهد مهيب .. طَيَّبَ الله ثراه ، وجعل الجنة مثواه .. ونختم بحديث سيده وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم القائل فيما ورد عنه : ” رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى “. (رواه البخاري : 2076)
وأنا فخورٌ بهذا الرجل الذي تحدثت عنه ، وليست هذه كل صفاته ومواقفه ، ولكنه غَيْضٌ من فيض .. عليه سحائب الرحمات .
شكرًا يا أُمّاه :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ” وأشار بالسبابة والوسطى ، وفَرَّج بينهما . (رواه البخاري : 5304)
وقال في حديث رواه مسلم : ” كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ” وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى . (رواه مسلم : 42)
وقوله صلى الله عليه وسلم : ” له أو لغيره ” .. معناه قريبه ، أو الأجنبي منه ، فالقريب مثل أن تكفله أمه -وهو الشاهد في قصتنا- أو جده أو عمه أو أخوه أو غيرهم من قرابته .
والأم في قصتنا هذه ترملت على أولادها وعاشت لهم ومعهم منذ الرابع من سبتمبر 1964م حتى توفاها الله في السابع والعشرين من ديسمبر 2004م ، قامت بدورها الإيجابي التربوي كأم رءوم ترعى مصالح أولادها الأيتام ، وقامت بهم خير قيام ، تكلؤهم إذا ناموا ، وتحفظهم إذا قاموا ، ولم تزل بذلك عدة أعوام ، حتى استوفوا فصالهم ، وكملت خصالهم ، واشتدت وصالهم ؛ فأمَّلَت نفعهم ، ورجت دفعهم ؛ وقد كان لها ما أرادت ؛ فتعلموا جميعًا وتبوءوا مناصبهم التي ترضيها ، فهدأت نفسها ، وارتاح ضميرها ؛ ولم لا وهي التي قامت بدوري الأب والأم جميعًا ، وحافظت على ميراثهم وميراثها حتى لقيت وجه ربها راضية مرضية ؛ فالشكر كل الشكر لك يا أيتها الأم الغالية ، الدعوات لكِ لا تنقطع أبدًا أبدًا في الصلوات ، بل في كل الأوقات ؛ فالمولى عز وجل أمرنا أن نشكر والدينا في محكم التنـزيل ، فقال : ” وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ “. (لقمان : 14)
لقد كانت مصدر الحب والحنان والعطف والإحسان ؛ فلا يوجد أصدق منها في الحب والعطاء والتضحية .. كانوا يأكلون ولا تأكل معهم ، فإذا ما انتهوا من طعامهم أَكَلْتِ ما تبقى من طعامهم .. وكانت لا تنام حتى يناموا ، وكانت حريصة على تعليمهم حرص العطشان على الرِّي ، وكانوا لا يستطيعون الغياب عن المدرسة خوفًا منها وحبًّا لها في نفس الوقت .. الشكر الجزيل لك يا أيتها الأم العظيمة.
واللهِ لا أشعر أنني صليت إذا لم أدعُ لأمي ولأبي .. ” رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا “.
أحدث عن حَجّةٌ مُسْتَحَقّة :
توضأت وتعطرت قبل الفجر بساعة في ليلة عيد الأضحى المبارك لعام 1440هـ حتى أكتب عنه وعنها ؛ فهو معلمٌ مثالي حصل مرتين على المعلم المثالي على مستوى محافظة الجيزة ، وهو نموذج مشرف لكل المعلمين المخلصين في مصر وغيرها ، ذهب إلى المملكة العربية السعودية ليعمل هناك ، وحج أثناء عمله عدة مرات ، وكانت آخر حجة له لم يمر عليها خمس سنوات ، وكان عمله بالرياض ، حدث أن أبلغه زميل له يُدعى محمد عبد اللطيف ( مدرس رياضيات ) أن هناك حجزًا بالطيران للسفر إلى مكة ، فقرر المعلم المثالي أن يحجز في الحال مهما كانت الظروف ليؤدي الحج عن أخته النفيسة التي توفيت منذ سنوات ، وهو يعلم أن الذهاب برًا يعرضه لسبعة أكمنة في الطريق ، أما الطيران فهناك كمينٌ واحد ، وقد كان ، سافر بالطائرة وظل يلهج بالدعاء ويثابر عليه وهو على يقين أن أخته الغالية النفيسة تستحق هذه الحجة ، بل تستحق أكثر من ذلك ، ولِمَ لا وهي نفيسة أي عظيمة القيمة قلبًا وقالبًا ، رحمة الله عليها .
ووصل جدة ، ومنها ركب هو وزوجته سيارة إلى مكة ، فأخبرهم السائق أن الجميع عليه أن يُخرج التصريح الخاص بذلك الأمر ، وإلَّا ينـزل من السيارة ، وبالفعل غادر الزوجان السيارة ، وركبا غيرها ، وأخبر المعلم السائق أنهما لا يحملان تصريحًا ، فقال السائق : لا ضير ، وركب معهما رجل وزوجته ، وتحركت السيارة ، ثم أوقفها كمين في منطقة ( الشميسي ) ، وطلب الضابط التصاريح ، وأخرج المعلم جواز السفر فقط ، بينما أسرع الرجل المرافق بإخراج تصريحه وأعطاه للضابط أولًا ، وإذا بالتصريح به أربعة حجاج ، فقال الضابط على الفور : التصريح أربعة وأنتم أربعة ، هيا انطلقوا .. وانطلقت السيارة في أمان الله كرامةً للسيدة نفيسة النفيسة الطيبة التي كانت في حياتها الدنيا هادية كالشعاع ، عالية كالنار ، وارفة كالظلال ، زاخرة كالنهر ، رحبة كالأفق ، مهيبة كالعلم ، ثابتة في الحق .. كانت حبًّا -بين جيرانها- يمشي على قدمين .
والتصريح الخاص بالرجل الآخر كان له ولزوجته ولولدين له ، بقيا في البيت خوفًا من الحرارة الشديدة ؛ ليحج الأخ البار الرحيم ، الرقيق الكريم عن أخته التي تستحق أكثر من ذلك .
والأخ الحنون مِثْلُهُ سِرٌّ وبِر ، عَزَّ جده ، وعلا كعبه ، وطال عمره ، وثلج صدره ، فهو إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معان ، سمحٌ يذوب رقةً وحياءً ، ويتألق تواضعه فيزيده عزةً وبهاءً .
ولله في خلقه شؤون ، يقول للشيء كن فيكون .
وللهِ دَرُّ القائل :
إذا طلبت من الحوائج حاجةً … فادعُ الإله وأحسن الأعمالا
فليعطينك ما أراد بقــدرةٍ … فهو اللطيف لما أراد فعـالا
ودع العباد ولا تكن بطلابِهم … لَهِجًا تضعضع للعباد سؤالا
إن العبـاد وشأنهم وأمورهم … بيد الإلـه يقلب الأحوالا
( تضعضع : تذل وتخضع )
فتح الله على يديه :
ذات يوم من عام 1972م كتب طالب بكلية الطب نقدًا لاذعًا في مجلة حائط ، انتقد فيه جمعية تنمية المجتمع في بلدته ، قال الطالب : ” جمعية تنمية المجتمع : يجب أن يعود إليها اسمها القديم وهو : الجمعية الخيرية لدفن الموتى ؛ لأنه لا نشاط لها سوى دفن الموتى ” ؛ فقامت الدنيا ولم تقعد ؛ فحمل رئيس الجمعية آنذاك المجلة وذهب بها إلى قسم الهرم شاكيًا ، لعل قسم الشرطة أن يؤدبهم ؛ وكانت المُحَصِّلَة أن فتح الله على يديه فصولًا للتقوية هي الأولى في حي الهرم كله في هذا التوقيت ، استمرت لأكثر من ثلاثين سنة للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية تخدم بلدهم والبلاد المجاورة ، وتدر على الجمعية مبالغ كبيرة تزيد عن المبالغ التي كانت العيادة الشاملة تدرها بعد ذلك !! كما فتح الله على يديه بيتًا لأرملة تزوجها ومعها أيتامها الثلاثة ، فتكفل بهم جميعًا ورعاهم أكثر من رعاية الأب الحنون لأولاده .
والحكاية تعود إلى أوائل السبعينيات حيث قرر مجموعة من الطلبة الجامعيين ( طب ، وهندسة ، وزراعة ، وتجارة ، وشرطة ، وخدمة اجتماعية ، وغير ذلك ) أن يقيموا أنشطة بمنطقتهم ، ومنها مجلة حائط ، تُعَلَّق كل أسبوع يوم الجمعة أمام مساجد القرية بالتتابع حتى ينتهي الشهر ، وحدث ما سطرنا به الحكاية ، وإثر قيام رئيس الجمعية بإبلاغ القسم ، ذهب اثنان من الطلبة لمقابلة الضابط هناك الذي نصحهم بالتعاون مع الجمعية لإقامة أنشطتهم بها ؛ وقد كان ، وتم الاتفاق على فتح فصول التقوية ، وبالتالي فقد فتح الله بسببه أبواب الخير في تبسيط العلم والتعليم بأجور زهيدة للمنطقة والمناطق المجاورة ، بل والبلاد المجاورة جميعًا .. وفتح الله علي يديه بيته ليتسع لأرملة وأولادها الصغار الأيتام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ” وأشار المعصوم صلى الله عليه وسلم بالسبابة والوسطى ، وفَرَّج بينهما . (رواه البخاري : 5304)
وعندما أصبح طالب الطب طبيبًا ؛ كان إنسانًا قبل أن يكون طبيبًا ؛ حيث تعامل مع المرضى وخصوصًا الفقراء والأرامل والأيتام معاملة خاصة جدًا ، علمنا بها بعد وفاته ( رحمة الله عليه ) ، فكان يكشف عليهم بالمجان ويعطيهم من الأدوية التي يقدمها له مندوبو شركات الأدوية .
ومات الطبيب .. و
قل للطبيب تخطفته يد الرَّدَى يا شافيَ الأمراض من أرداكا ؟
وكان آخر عمل قام به في حياته كان في خدمة أهله ؛ حيث نزل وأحضر لهم زيتًا وخبزًا وخضارًا وأدخله إلى المطبخ ، ثم جلس على الأريكة ، وفاضت روحه إلى بارئها .. رحمه الله رحمة واسعة .
الخدوم .. ذِكْرُه يدوم :
جاء في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني برقم 426 : ” خير الناس أنفعهم للناس “.
فإذا أحَبَّ الله عبدًا ، جعل حوائج الناس إليه ، فيتوسم الناس فيه الخير ، ويعقدون عليه آمالهم ، لأنهم خبروه وعرفوا أنه يعيش للآخرين ، يخدمهم ويلبي طلباتهم .
وكان هذا الرجل من هذا الصنف الذي اختصه الملك عز وجل بحوائج الناس يفزع الناس إليه في منطقة الهرم بالكامل ؛ فقد كان وكيلًا للمجلس الشعبي المحلي لحي غرب الجيزة ، ويعمل فيه متطوعًا ، وله وظيفته المرموقة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ، وكانت إجازته الأسبوعية يومي الجمعة والسبت ، وكان رئيسًا لجمعية تنمية المجتمع المحلي بالكوم الأخضر/ هرم آنذاك .. وكان يؤدي عمله بالجامعة على ما يرام ، يصلي الفجر بملابس العمل ويذهب مبكرًا قبل العمال ، وبارك الله في بكور أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم .
وكان يأتي من عمله ويتناول غداءه ويأتي مقر الجمعية ويُسيِّر العمل فيها ، وكانت -أيامه- تعمل بأقصى طاقة لها : فصول تقوية ، وعيادات طبية ، ومشغل للفتيات ، وحضانة أطفال ، وحضانة رضع ، وكان كل هذا يدر دخلًا كبيرًا لصالح الجمعية ، وبالتالي لصالح المجتمع .
أما عن خدماته على مستوى الحي ، فَحَدِّث ولا حرج ، يحكي به القاصي والداني وخصوصًا في منطقة الكوم الأخضر وضواحيها : إدخال المياه إلى المنازل ، وإنارة الشوارع ورصفها ، تلبية احتياجات الناس ، الاهتمام بالمرافق العامة وصيانتها ، العناية الكاملة بمدارس الحي كله ، الاهتمام بمراكز الشباب وتلبية احتياجاتها .
وكان -رحمه الله- يهتم اهتمامًا خاصًا بالمدارس ، يدعمها بجهده وعرقه ، ويلبي احتياجاتها من خلال علاقاته وتعاملاته مع أجهزة الدولة المختلفة في محافظة الجيزة .
ولله در القائل : { أكثر الناس قدرًا من لا يعرف قدره ، وأكثر الناس فضلًا من لا يرى فضله }.
أصر أهالي الحي على تسمية المدرسة التي أقيمت على الأرض التي سعى لها سعيًا حتى تُخصص كمدرسة لأهالى المنطقة أن يطلقوا عليها اسمه ، وأرسلوا إلى المسئولين بذلك ؛ فاستجابوا لطلبهم ، وأصبح اسمها علي اسمه .
وصدق الشاعر القائل :
قد مات قومٌ ولا ماتت مكارمهم … وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ
قال المعلم صلى الله عليه وسلم : ” من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فَرَّج عن مسلم كُربة فَرَّج الله بها كربة من كُرَب يوم القيامة ، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة ” . (متفق عليه / البخاري : 2442 ، ومسلم : 58)
ولقد كان الخدوم بارًا بالناس ، وصولًا لهم ، كم مشى في حوائجهم ، وكم فرَّج عنهم ، وكم سترهم طوال وجوده في المجلس أو في الجمعية .
كان دائمًا يتمثل قول ربه ومولاه : “…. وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “. (الحج : 77)
روى الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد ، ويقرها فيهم ما بذلوها ، فإن منعوها ، نزعها منهم ، فَحَوَّلَها إلى غيرهم “. (انظر الصحيحة للألباني : 1692)
عاش الرجل للآخرين ، واختصه الملك -جل في عليائه- بالنعم ؛ فنفع بها العباد فأقرها الله فيه ، لأنه بذلها في سبيله ومن أجل مرضاته حتى أواخر أيامه حياته ، كان يأتيه بعض الناس وهو في مرض موته ، وكان يقضي لهم حاجاتهم بالهاتف قدر استطاعته ، والله على ما أقول شهيد .
الجامع لصفات الخير :
نحكي عن رجل كريم السجايا عاش بيننا ، جمع صفات الخير ، وجعل لنفسه سهمًا في كل مجال من مجالات الخير ، تفوق في بعضها ، فكانت أسهمه فيها غالية وكانت همته عالية .
سُئل رجل بسيط كان ضمن عمال للخرسانة يعمل مع المقاول المسئول عن بناء بيت لابن له : ما رأيك في هذا الرجل ؟
قال لفوره : { هذا الرجل بُهلول } .. بحثنا في المعجم عن معنى : بُهلول ، فوجدنا أن معناها العنوان السابق : السيد الجامع لصفات الخير ، ونحن نحسبه كذلك والله حسيبه ، ولا نزكي على الله أحدًا .. كان يتعامل مع هؤلاء العمال بكرم زائد ، يطعمهم ويسقيهم ، ويدفع لهم الهبات والإكراميات ، ويكرم وفادتهم بروح عالية .. وكان هذا الأمر هو ديدنه في حياته كلها .
كان كريمًا مع أهله وأولاده وأقاربه وجيرانه .. كان حريصًا على مساعدة الناس في أي مكان يلتقي بهم حتى في الحج والعمرة ، كان يبذل حبات العرق عن طيب خاطر .. كان الرجل في هذا المضمار ” نسيجَ وَحْدِه ” عليه سحائب الرحمات .
ما إن خرج هذا الرجل الرائع إلى المعاش حتى عاش للناس وبالناس ، يصلهم ويواسيهم ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم ، ويسأل عن غائبهم ، ويزور مريضهم ، وكان لا يتأخر عن دعوة أحد أبدًا مهما كان متعبًا أو مريضًا ، وكان يقول : كيف يدعوني أحد ولا ألبي دعوته ؟
سعى سنوات لإدخال المياه والكهرباء لشارعه والشوارع المحيطة به ، وهو أكبر الناس سنًّا ؛ فهو مطبوع على عمل الخير وخدمة الناس .
كان -رحمه الله- واصلًا لرحمه حتى لو قطعت رحمه ، وهو يعلم حديث المعلم صلى الله عليه وسلم : ” ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قُطَعَت رحمه وصلها “. (رواه البخاري : 5991)
كان الناس يقصدونه فيقرضهم ويصبر عليهم ، ويتعامل معهم بالحسنى ، ويهش ويبش في وجوههم .
وعندما مرض صهره رافقه في المستشفى وسهر على راحته على الرغم أنه كان ما زال يعمل وصهره هذا كان له أولاد وإخوة أقرب إليه منه ، فقد كان الرجل بارًا بأهله وبأهل زوجته .
كان يرعى بيت جاره المغلق ويطمئن عليه وكأنه حارس لهذا البيت ، وأجره على ربه ومولاه .
كان وفيًّا بزوجته التي توفيت عام 2002م ولم يتزوج بعدها حتى توفاه الله عام 2018م وكان يقرأ لها جزءًا من القرآن يوميًا ، ويتصدق عنها أحيانًا ويذكرها دائمًا بكل خير .
كان يقوم -قدر جهده- بالخدمة في مسجد جادالله ، يعمل فيه بهمة الشباب ، ويذهب بعيدًا بعيدًا لشراء ما يطلب للمسجد من أدوات كهربائية أو سباكة وخلافه .. وظل هو المؤذن الرئيس للمسجد لمدة تعدت العشر سنوات ، وكان صوته عاليًا ومؤثرًا ، وهو يعلم أن أطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذنون .
كان يهتم كثيرًا بمظهره وأناقته ، واثق الخُطَى يمشي ملكًا ، وكان إذا مشي أسرع ، وكانت هذه عادته .
وكان -رحمه الله- يتخير كلماته بدقة ، لا يُلقي القول على عواهنه ، وكان يصبر على جهل الجاهلين في المسجد ، فكان رجلًا حليمًا .
أدى الرجل الفاضل الحج أربع مرات ، واعتمر حوالي عشر مرات ، كان فيها جميعًا نعم الصاحب لصاحبه والجار لجاره .
كان له وِرد يومي من القرآن الكريم يحرص عليه مهما كانت الظروف المحيطة به ، وكان يقوم الليل بين يدي سيده ومولاه .. وكان يحافظ على الصلوات الخمس بالمسجد ، يذهب إلى صلاة الفجر مبكرًا ، ويأتي الجمعة في الساعة الأولى ليلحق بالبَدَنَة كما قال المعلم صلى الله عليه وسلم الذي ورد عنه : ” من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قَرَّبَ بَدَنَة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قَرَّبَ بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قَرَّبَ كبشًا أقرن ، ومن راح في الرابعة فكأنما قَرَّبَ دجاجة ، ومن راح في الخامسة فكأنما قَرَّبَ بيضة ، فإذا صعد الإمام المنبر حضرت الملائكة يستمعون الذكر “. (رواه البخاري : 841 ، ومسلم : 850)
صاحبة الخصال الحميدة :
صاحبة قصتنا هذه سيدة فاضلة مؤمنة تقية ، التحقت بكلية دار العلوم وهي في الثالثة والخمسين ، ونجحت ، وحصلت على الليسانس بتقدير عام ” جيد ” رغم كبر سنها ومشاغلها الكثيرة .
أرادت الفاضلة أن تكون لها بصمة في عمل الخير ؛ فأقنعت زوجها بالتبرع بالجزء الذي يخصه في الدور الأول في العمارة التي بنوها مع آخرين لتكون دارًا لتحفيظ القرآن الكريم ، وقد كان ، ولله الحمد والمنة .. وفي سياق متصل عبرت عن نيتها في بناء مسجد ، على أن يشاركها في ذلك زوجها وأولادها جميعًا حتى يعم الخير الجميع ، فسارع زوجها وتبرع بالأرض اللازمة للبناء ووهب مبلغًا من ماله الخاص للمساهمة في بناء { مسجد ومركز التقوى الإسلامي } في العلمين .
ساهم أهل البيت جميعًا في التبرعات ، حتى الأحفاد كانت تحفزهم على التبرع للمركز .
قرأت هذه الفاضلة في سير الصالحين أن أحدهم وضع في بيته صندوقًا لجمع الصدقات من أهل بيته ، ثم يوزع هذه الصدقات على الفقراء والمحتاجين ؛ فنفذت الفكرة على الفور ، وجعلت في بيتها صندوقًا مثل الصندوق السابق ، وهي تشجع الكبار والأطفال على التبرع لتعزز فيهم حب المساكين منذ نعومة أظفارهم .
ولهذه الفاضلة شأن آخر مع القطط والعصافير ؛ فهي تطعمهم وتسقيهم ؛ امتثالًا لقول المعلم صلى الله عليه وسلم :” في كل كبد رطبة أجر “. (البخاري : 6009 ، ومسلم : 153)
وهي لا تحب أن ترد سائلًا قط ، تعطيه مما أنعم الله به عليها لأنها تحب الخير للجميع .
وهي تفعل ما تفعل بنيات متعددة ؛ وهذا هو ديدنها متمثلة قول المعلم صلى الله عليه وسلم : ” إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى “. (البخاري : 1 ، ومسلم : 155)
أما عن الدعاء ؛ فهي أستاذة في الدعاء والرجاء ، وهي تدعو لنفسها وأهلها وأولادها وجيرانها ولسائر المسلمين ؛ والدعاء باب مفتوح واسع ؛ ” وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ “. (غافر : 60)
اهتمت تلكم الفاضلة بزوجها وأولادها أيما اهتمام ، وأرضت ربها في والديها ، وبرتهما -غاية جهدها- حتى قال أكبر إخوتها في هذا الأمر : { أختكم هذه تساوي مئة رجل !! }.
هذا علاوة على أخلاقها العالية التي يشهد بها كل من يتعامل معها ؛ فهي صاحبة خصال حميدة .
ونحن بدورنا ندعو لها أن يتقبل الله منها كل ما فات ، وكل ما هو آت ؛ إنه بكل جميل كفيل ، وهو حسبنا ونِعم الوكيل .
أحدث عن إطعام الطعام :
سمع غلامٌ صغير جميل في الصف السادس الابتدائي حوارًا في المسجد بين إمام المسجد الذي يصلي بهم التراويح ويأتي من مكان بعيد ، من بلد آخر ، وخادم المسجد ، وكان ذلك في رمضان الموافق 1440هـ ، فَهِم منه الغلام الذكي أن إمام المسجد صلى بهم المغرب ولن يذهب إلى بلده إلا بعد صلاة العشاء والتراويح ، ولما سأله الخادم عن الإفطار ، قال الإمام : أفطر بعد التراويح في بيتي إن شاء الله .
نقل الغلام الطيب الحوار لأبيه وعمه اللذين كانا يصليان في نفس المسجد ، وعادوا أدراجهم جميعًا ، فإذا بأبيه يستشير أمه في الأمر ، فرحبت بإرسال إفطار إلى الشيخ ، ذهب به الأب ، وعند عودته وجد أخاه الآخر يفعل مثل ما فعل تمامًا بتمام دون اتفاق بينهما ؛ ولكنه حب الخير ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ، وخاصة في رمضان .
سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟
قال : ” تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف “. (متفق عليه / البخاري : 120 ، ومسلم : 63)
فما أروع أن يشب أولادنا على طاعة الله ، وعلى حب الخير ، وأن يروا آباءهم وأمهاتهم وهم يفعلون الخير ؛ “…. وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “. (الحج : 77)
أحدث عن عملٌ فيه وَرَع :
هو مهندس مدني ، عمل في عدة مواقع داخل البلاد وخارجها ، يخشى الله ويتقيه ، ويراقب ربه في عمله في أي مكان تطؤه قدماه ، يعمل بجهد وعرق وضمير ولا يخشى إلا سيده ومولاه .
عمل في المملكة العربية السعودية لمدة عامين مع رجل سعودي وهو صاحب الشركة ، كان يؤخر لهم رواتبهم الشهرية ليضمن ولاءهم ، أرهقهم بغمطه حقوقهم ، فلم يكن يتقي الله مع المهندسين ، بل والعاملين الذين يعملون في شركته ، وكان ظلمه لهم واضحًا وضوح الشمس وقت الظهيرة .
خاف المصريون الذين يعملون مع هذا الرجل الظالم على حقوقهم ؛ فرفعوا عليه دعوى لضمان حقوقهم والحصول عليها بواسطة محامٍ سعودي ، واضطر هذا المهندس أن يدفع للمحامي نصيبه وهو 12 ألف ريال سعودي لأنه مضطر أن يترك العمل ويعود إلى بلده .
وكان هذا المهندس بشهادة صاحب الشركة السعودي يتقي الله في عمله ويخلص فيه حتى إنه وَفَّر له في مشروع واحد نصف مليون ريال سعودي ، كان يستحق عليه مكافأة ثلاثة أشهر ، حصل منها على شهر واحد فقط .
وحصل على راتبه في كل الشهور المتأخرة ، وقال له صاحب العمل الطماع : { أنت أفضل مصري عمل معنا } ، وأعطاه جواز سفره ؛ ليسافر ويعود إلى بلده التي يجب ألا تقبل بمثل هذه الأمور مع دول الخليج التي تعاملنا بنظام ( الكفيل ) الذي يتنافى مع الحرية والعدل والمساواة .
أحدث عن نموذج يُحتذى به :
شاب يسير بمنهج قرآني رباني ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا “. (البقرة : 83)
وعلى منهج نبوي مأخوذ عن المنهج الرباني وهو قول المُرَبِّي والمعلم صلى الله عليه وسلم : ” إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق “. (أخرجه البزار : 9319 ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب : 2661)
والألفاظ ثمار الأشجار ، أبهى ما تحمل من نوار ، وكما أن الشجر الطيب يعطي ثمرًا طيبًا ، فالإنسان الطيب وأصله طيب لا ينطق إلا اللفظ الطيب ؛ فهو كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، جزى الله من غرسها خير الجزاء .
هذا الشاب يوزع هداياه يوميًا على الناس ، يصافحهم في المسجد وفي الطرقات ، ويسلم على كبيرهم وصغيرهم ، ويبتسم لهم ، ويتودد إليهم ، يخالطهم ويمازحهم ويحسن معاشرتهم ، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم ؛ فيفرح لفرحهم ، ويحزن لحزنهم .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا ، الموطئون أكنافًا ، الذين يَألَفون ويُؤلَفون ، وليس منا من لا يَألف ولا يُؤلف “. (الطبراني في الأوسط : 4422 ، وحسنه الألباني في الصحيحة رقم : 751)
( ومعنى الموطئون أكنافًا : اللينون الذين لا يتأذى بهم من يصاحبهم )
فهو -بارك الله فيه- حسن الخلق ، طيب المعشر ، لَيِّن الجانب ، باسم الوجه ، يألف ويؤلف ؛ فلا هو بالفظ الغليظ ، ولا بالرخو السخيف ، لا تمنعه الاستقامة من الابتسامة .
قال المعلم صلى الله عليه وسلم : ” لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق “. (رواه مسلم في البر والصلة : 144)
وفي رواية : بوجه طَلْق : أي بوجه ضاحك مستبشر سهل منبسط ؛ وهو يفعل ذلك دومًا .. حفظه الله ورعاه .. يتعامل هكذا مع جيرانه وأقاربه وأهله وولده وإخوته أما مع أمه وأبيه ، فحَدِّث ولا حَرَج ، فهو في أعلى درجات البر ، وتعينه في ذلك زوجة صالحة تقية نقية .. في الأعياد يهادي الجيران والأولاد ؛ فالمعلم صلى الله عليه وسلم قال :” تهادوا تحابوا “.
يحافظ على صلواته ، وعلى زكاته وصدقاته .. وهو -بكل المقاييس- قائد محنك في الحياة .
وهو مع ذلك كله ، كان طالبًا نجيبًا متفوقًا ، حصل في الثانوية العامة على 403/410 بنسة 98,3% والتحق بكلية الهندسة ، ثم مارس الأعمال الحرة في حياته العملية على منهج القرآن والسُّنَّة ، ولله الحمد والمنة .. وهو يفكر خارج الصندوق في معظم قراراته وتصرفاته .. وإلى جانب ذلك فإنه إذا مشي أسرع ، وإذا تكلم أسمع ، وإذا ضرب أوجع ، وإذا حاجى أقنع .. وكان هذا ديدن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، كما وصفته أمنا عائشة رضي الله عنها .
ولله در النابغة الجعدي وهو يقول عن أحد الفتيان :
فتى كملت أخلاقُه غير أنه … جوادٌ فيما يبقى من المال باقيا
فتى تَمَّ فيه ما يسر صديقه … على أن فيه ما يسوء الأعاديا
وهذا ينطبق على صاحب هذه القصة المحترم ؛ فقد خبرته يجمع ولا يُفَرِّق ، يحمي ولا يُبَدِّد ، يصون ولا يهدد .. يشد أزر الأصدقاء ، ويرد كيد الأعداء .
بارك الله فيه وفي أمثاله من شباب المسلمين .
أحدث عن مشروع ورسالة :
التحقت طالبة متفوقة بكلية الفنون التطبيقية ، وكانت هذه هي رغبتها الأولى رغم حصولها على مجموع يؤهلها لدخول كلية الهندسة ، فقد حصلت على مجموع 390,5 ( 95,2% ) ، والتحقت بقسم الملابس الجاهزة ، وتخرجت بتقدير عام ” جيد جدًا ” ، ثم قررت أن تبدأ مشروعها عن ملابس للمحجبات وتعرضه وتسوقه عبر النت ، ليكون مشروعًا هادفًا ورسالة نبيلة .
فكان لها مع بداية عملها بعض المواقف منها :
– اشترت ثوبين من القماش ، وبعد التفصيل وجدت ستة فساتين مختلفة الألوان قليلًا ؛ أي ليست بنفس الدرجة تمامًا ؛ فقررت على الفور أن تتصدق بها جميعًا ؛ وآثرت أجرًا آخر .
– كانت تسهر الليالي الطوال مع أمها ؛ من أجل أن تُعَدِّل في بعض الفساتين لتسلمها إلى أصحابها على الوجه الأكمل ، وذلك بعد تسلمها ببعض الأخطاء من المصنع .
– كانت تقوم بتسليم بعض الطلبات بنفسها أو عن طريق أحد من أهلها ؛ كي توفر لزبائنها مبلغ الشحن .
أما عن صاحبة المشروع نفسها ، فهي تتحلى بصفات الصدق والأمانة والورع ، وحب الناس وحُسن الظن بهم ، وصفاء النفس ونقاء السريرة ، وبسط اليد والإنفاق في وجوه الخير المختلفة ، وهي تألف وتُؤلف .. فهي قلبٌ فيه صفاء ، وعقلٌ فيه بهاء .