حكايات عصرية

ولينصرن الله من ينصره

هذه القصة واقعية وعجيبة ومثال واقعي لآية : ” ولينصرن الله من ينصره ” ، نقلتها مجلة ( حراء ) العدد السابع ، يونية 2007 .

القصة حدثت في بلاد القوقاز الإسلامية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحكم الشيوعي .

بعد انهيار الماركسية مباشرة ، أراد أحد الأتراك الدعاة إلى الله تعالى السفر إلى تلك الديار الإسلامية للدعوة إلى الإسلام ببناء مدرسة لتعليم القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية التي دمرها وأزالها الشيوعيون الملاحدة أثناء حكمهم لبلاد المسلمين في القوقاز .

وصل الأستاذ عاصم إلى بلاد القوقاز في ذروة أيام الشتاء القارس والثلوج تتساقط بغزارة والبرد شديد لا يكاد يطاق .

سكن الأستاذ عاصم في فندق متواضع ، أطل من شرفة الفندق يتأمل ملامح هذه البلاد التي كانت يومًا عامرة بعزة الإسلام وأهله ..

تماثيل ( لينين ) وبقية رموز الماركسية مزروعة في كل مكان تؤكد على اكتساح العقيدة الشيوعية الإلحادية لهوية وثقافة هذا الشعب المسلم المقهور في بلده الإسلامي العظيم .

كان هذا الشاب التركي المسلم ( عاصم ) واثقًا بالله مؤمنًا بقدرته على تغيير هذا الواقع الذي صار إليه هذا البلد المسلم .

كان ذهنه منشغلًا بالتفكير كيف السبيل لبناء مدرسة إسلامية هنا كمنطلق لعودة الهوية والروح الإسلامية لهذا البلد .
عزم على القيام بأول مهمة عمل ، وهو زيارة رئيس البلاد .
سأل عن القصر الجمهوري ، وانطلق إليه .
وعند وصوله رفض الجنود والحراس أن يدخلوه المبنى .
ولكنه لم ييأس ، وبعد محاولات وإصرار منه ، شاء الله تعالى أن يسمحوا له بمقابلة الرئيس مباشرة .

استقبله الرئيس استقبالًا حسنًا ، ورحب به ؛ فانبسطت أسارير الأستاذ عاصم وحل الأمل والسرور في قلبه .
سيدي الرئيس : جئتكم بتحية إخوانكم في هضبة الأناضول .
ثم قدم الهدايا لفخامة الرئيس ، ومن ضمن هذه الهدايا ، كان ( القرآن الكريم ) أعظم هدية .
عندما رأى الرئيس المصحف اغرورقت عيناه بالدموع ، وتناول المصحف بأدب وشوق وراح يُقبّله .
ثم ضمه إلى صدره وقال : أتيتنا بروحنا يا أخي ، أعدت إلينا سراجنا الذي فقدناه منذ عقود .
أذكر يا أخي وأنا طفل صغير كيف أن جدتي كانت تقرأ القرآن خفية .
لا أعرف كيف أشكرك .
ما الذي أتى بك إلى هذه الديار النائية ؟
سيدي : أتيت لأقيم مدرسة لتعليم القرآن الكريم والعلوم .
الرئيس : أتيت لوحدك !
الأستاذ عاصم : نعم .. نعم سأبدأ بالعمل لوحدي وسيلحق بي آخرون من الأناضول وبقية العالم الإسلامي فيما بعد .

سيدي لقد افترقنا عن بعضنا سبعين عامًا ، والحمد لله انتهى الفراق وولت الغربة .
حان وقت مد الجسور من جديد .
وسوف يتسلح إخواننا بالعلم و الفضيلة والإيمان بإذن الله تعالى .
الرئيس -وقد بلغ منه التأثر مبلغًا- :
ما أجمل حديثك يا أخي .
أتيت لوحدك من أجلنا دون مقابل !
لك كل ما تريد ، إفعل ما شئت ، وأينما شئت.
الأستاذ عاصم :
شكرًا يا سيدي ، وجزاك الله خيرًا .
شرع الأستاذ عاصم بالعمل لإقامة المدرسة في البناية التي خصصها له الرئيس .

راح يعمل بكل ما في وسعه من جهد وطاقة ، يسابق بهما الزمن .

بعد شهر كامل من أعمال التجهيز تم بعون الله تسجيل خمسين طالبًا في المدرسة ، وبدأ التدريس بمباركة ورعاية من الرئيس .
وفي أحد الأيام دعاه تلميذه إسماعيل أحد طلابه المتميزين لزيارة أهله في قريته البعيدة .
لم يستطع الأستاذ عاصم أن يرفض الدعوة ولكنه كان متخوفًا من شدة البرد .

الأستاذ : كيف سنذهب ؟!

إسماعيل : على عربة الجليد يا أستاذي .

كان الثلج والجليد يغمران كل مكان ، والضباب يغطي قمم الجبال .

شعر الأستاذ بالخوف والقلق ؛ فالبرد الشديد يكاد أن يجمد يديه وقدميه ، ولكنه عزم على تلبية دعوة تلميذه النجيب إسماعيل .

الأستاذ : كم يستغرق الطريق إلى القرية ؟
إسماعيل : ساعتين

الأستاذ : ساعتين يا إسماعيل !

أنت تقطع كل هذه المسافة يوميًّا ذهابًا وإيابًا لتأتي إلى المدرسة يا إسماعيل ؟!

نعم إنها رغبتي ورغبة أهلي يا أستاذي .

ذهب الأستاذ برفقة تلميذه ، وعندما وصلوا للدار كان الأستاذ عاصم يتألم من خدر في رجليه ويديه من شدة البرد ولكنه تحامل على نفسه ولم يظهر أي ألم حتى لا يحرج مضيفيه وتلميذه .

استقبلهم أهل الدار بحفاوة وترحيب بالغين .
جلست جدة كبيرة السن قبالة الأستاذ عاصم ..
الجدة لعاصم : من أين أنت يا بني ؟
الأستاذ : من بلاد الأناضول يا أماه .
إسماعيل : جدتي ، إنه معلمي الأستاذ عاصم الذي حدثتك عنه .
قربت العجوز المصباح لترى وجهه جيدًا .. هذا القادم من بعيد .
تأملت الجدة وجهه وفجأة تجمدت في مكانها دون حراك ، وارتجفت يداها .
إسماعيل : جدتي ما بك هل أنت بخير ؟!
أمعنت الجدة النظر مرة ثانية !!!

امتلأت عيناها بالدموع !!!
وتمتمت بتأثر عميق ..

أنا أعرف هذا الوجه ..

انتفض الأستاذ عاصم باستغراب !!!

الجدة : نعم أعرفه .

إنه هو ..إنه هو .. إنه هو !
أرخى الصمت سدوله على أطراف البيت للحظات … !!!

ثم تحدثت العجوز بتأثر تسترجع الذكريات تخبرهم بمعاناتهم وكل الأهالي أيام الحكم الشيوعي الخبيث .
أول بداية للشيوعيين أنهم قاموا بقتل وإبادة جماعية لعدد كبير من المسلمين ، ثم أخرجوا البقية من النساء والشيوخ والأطفال ومن نجا من قراهم ووضعوهم في عربات القطار كالحيوانات ؛ نساءً ورجالًا وأطفالًا .

كان البرد قارسًا ، والثلج يتساقط بشدة .
تقول الجدة وهي تذرف الدموع : مات أهلي وأعمامي وجدتي وكثير من الناس أثناء التهجير والنفي .
عشنا في المنفى عيشة صعبة وحياة قاسية .
وعندما كبرت هربت من المنفى حتى وصلت بصعوبة إلى قريتنا ، كانت القرية خرابًا ، وصلت إلى بيتي وكنت مرهقة جدًا .
وعندها استغرقت من شدة الإرهاق والتعب في النوم العميق .
وإذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أتاني في المنام .
لا أعرف كيف أصف لكم جماله ، لم اشبع من النظر إلى وجهه المضيء الكريم .

مسح رأسي بيده الشريفة قائلًا :
لا تقلقي يا ابنتي ، سينتهي هذا الظلم يومًا .
فقلت بألم : متى يارسول الله !
ولماذا لم يأتِ أشقاؤنا المسلمون لمساعدتنا حتى الآن ؟

قال : إنهم في وضع أسوأ منكم ، ومن الصعب عليهم أن يأتوا ، ولكن سوف يأتي أحفادهم يومًا ما .
وفجأة ظهر شاب إلى جانبه صلى الله عليه وسلم طويل القامة ، جميل الوجه يشع النور من جميع أطرافه .
فأشار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليه قائلًا :
هذا هو أول من يأتي لمساعدتكم ، لكنه سيأتي من بلاد حارة فلا يستطيع تحمل برد دياركم .
فأسرعي بنسج جوربين وقفازين وقدميها إليه هدية عندما يأتي .
ثم قالت الجدة العجوز : لم أنس ذلك الوجه أبدًا منذ خمسين سنة .
كيف أنسى هذا الوجه ، وأشارت إلى الأستاذ عاصم .

لم يتمالك الأستاذ عاصم نفسه ، وانهمرت دموعه بغزارة .
هرولت العجوز إلى الغرفة المجاورة وأحضرت الجوربين والقفازين .
وقالت للأستاذ عاصم : هيا البسها الآن يا بني .

إنها هديتك ؛ ستحميك إن شاء الله من البرد مثل ما قال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم .
هذه هديتك من رسول الله التي انتظرتك طويلًا .

لقد انتظرت قدومك خمسين عامًا يا ولدي .

أخذ الأستاذ عاصم هديته ولبسها وقد غمرته السعادة والبشر ، وازدادت سعادته ويقينه عندما رأى أنها على مقاس قدميه ويديه تمامًا !
امتلأ قلبه بالسعادة والإيمان والثقة واليقين بنجاح مهمته وتحقق هدفه ، فما عاد يشعر بالبرد ولا بالتعب ولا بالغربة .

أحس بدفء الرسالة السامية وشرف وعظم الأمانة التي يؤديها ، واستشعر الرضا النبوي الكريم والعناية والرعاية والمعيّة الإلهية .

( منقول من صفحة الدكتور/ علي الصلابي )

وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم : ” ولينصرن الله من ينصره “. (الحج : 40)

ندعوكم لقراءة : تجارة رابحة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى