أزاهير محمدية
كتب المفكر الإسلامي الدكتور ناجح إبراهيم مقالة رائعة عن صاحب الخلق العظيم ، وهي بجيد الدهر كالعقد النظيم .. هي أزاهير محمدية نشم أريجها فنستقيم ، فاللهم اهدنا إلى الطريق القويم .
المفكر الإسلامي الدكتور ناجح إبراهيم ، واحد من أصحاب الذوق السليم ، بعد أن كان بين أنياب المنايا وتحت براثن الخطب الجسيم ، في السجن رأى وجه اللئيم ، وقنع هناك بعيشته قنع الظليم . بعد مراجعات فكرية خرج من ظلمات السجن وهداه ربه إلى صراط مستقيم ، فأيقن أن الجهل علة كل مجتمع سقيم ، فأخذ صحيح الدين وأخذ من ربوة الأدب السليم . بعدها قابل كل شاتم بترفع الأسد الشتيم ( أي العابس ) ، ثم نقل أرج الرياض ونسخه نسخ النسيم ، وأصبح ابن عضادة الدين القويم ، وبدأ يفصل الأخلاق للأجيال تفصيل اليتيم ( وهو اللؤلؤ ) .
هيا لنقرأ أزاهير محمدية من مقالة الطبيب الكريم : ” كان رسول الله دائم البشر ، سهل الطبع ، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عتاب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يقنط منه قاصده ، وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره ، وكان الحسن والحسين يركبانه فيدخل عليهم عمر بن الخطاب فيقول ” نعم الجمل جملكما ونعم الحملان أنتما ” .. وكان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر … وكان يؤلف أصحابه ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق سواء .
من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، وكان يتفقد أصحابه ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى يحسب كل جليس له أنه أكرم الناس عليه .. وما التقم أحد أذن رسول الله يحدثه إلا وحنى رأسه به يسمعه حتى ينصرف ، وما أخذ أحد بيد رسول الله فلا يرسل يده حتى يكون الرجل هو الذي يرسلها أولًا ، وكان يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصافحة .. لم يُرَ قط مادًا رجليه بين أصحابه تقديرًا لهم وحتى لا يضيق عليهم وتواضعًا للناس ، وكان يكرم من يدخل عليه ، وربما يبسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى كما فعل مع عدي بن حاتم الطائي وكان وقتها مسيحيًا حتى أيقن أنه ليس بملك ، وأنه نبي .
وكان يكني أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام ، وكان يصل رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم .. وكان يحفظ الجميل حتى إنه لما جاء وفد النجاشي قام النبي يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه : نكفيك قال : ” إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن أكافئهم ” … وكان غاية في التواضع وكان يردد ” إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ” وكان يركب الدابة ويردف خلفه ، وكان الكبراء يأنفون من ذلك ، وقد أردف خلفه ابن عباس في الحديث المشهور ” احفظ الله يحفظك ” … وكان يجالس الفقراء ويجلس حيثما انتهى به المجلس ، وكان الملوك والزعماء في عصره لهم مكان مخصص فيه من الأبهة والفخر ما فيه ولا يجلسون إلا فيه .
وقد خيره ربه بين أن يكون ملكًا رسولًا أو عبدًا رسولًا فأشار عليه جبريل أن يتواضع لربه فأبى أن يختار ما يبغض مليكه ومولاه سبحانه فاختار ” عبدًا رسولًا ” ، يشبع يومًا فيشكر ويجوع يومًا فيصبر .. وقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم وهو يقول : ” اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ” ، ولما فتح الله عليه مكة ودخلها بجيوشه طأطأ رأسه على راحلته حتى كاد عنقها أن يمس رقبته تواضعًا منه لله تعالى .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة ويعرض عمن يتكلم بغير جميل ، وكان جل ضحكه تبسمًا وكلامه فصلًا لا فضول فيه ولا تقصير ، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيرًا له واقتداءً .
أما مجلسه فمجلس حلم وأمانة لا تُرفع فيه الأصوات ولا تُخدش فيه الحرم ، وكان إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، وكان سكوته على أربع حالات على الحلم والحذر والتقدير والتفكر … وكان يحب الطيب والرائحة الحسنة ، وكان وفيًا لزوجاته حتى بعد مماتهن وخاصة السيدة خديجة ، وإذا أوتي بهدية قال : اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة أو كانت تحب خديجة ، وكان يذبح الشاة فيهديها إلى صديقاتها حتى غارت عائشة من خديجة بعد موتها من إكرامه لسيرتها ووفائه لعطائها وإكرامه لصديقاتها .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمحًا لا يبخل بشيء أبدًا ، شجاعًا لا ينكص عن حق أبدًا ، عدلًا لا يجور في حكم أبدًا ، صدوقًا أمينًا في أطوار حياته كلها ، وكان أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس حتى فزع أهل المدينة ليلة فانطلق بعضهم قِبَل الصوت فوجدوا رسول الله قد سبقهم واستبرأ الخبر وهو يردد : لن تراعوا .. لن تراعوا .. ويصفه علي بن أبي طالب بقوله : كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق ( كناية عن شدة الحرب ) نحتمي برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ، وحمل إليه سبعون ألف درهم فما زال يقسمها فما رد سائلًا حتى فرغ منها “.
هذه بعضٌ من أزاهير محمدية وهي غيضٌ من فيض .. أعاننا الله علي الاقتداء بها .