من أنباء الرسل

يوم الزينة

يوم الزينة :

أظهر الله تعالى لفرعون آياته التسع ، شاهدها المغرور فكذَّبَ بها ، وامتنع أن يستجيب إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى .

قال الله عز وجل :
” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا “. (الإسراء : 101)

آتى الله ﷻ كليمه موسى عليه السلام تسع آيات بيِّنات تُبَين لمن رآها أنها حجج لموسى شاهدة على صدقه وحقيقة نبوّته .

قال ابن عباس رضي الله عنهما :
{ التسع الآيات البينات : يده ، وعصاه ، ولسانه ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم آيات مفصلات }.

يقول الإمام الطبري رحمه الله :
{ يقول تعالى ذكره : ولقد أرينا فرعون آياتنا ، يعني أدلتنا وحججنا على حقيقة ما أرسلنا به رسولينا ، موسى وهارون إليه كلها ( فَكَذَّبَ وَأَبَى ) أن يقبل من موسى وهارون ما جاءا به من عند ربهما من الحق استكبارًا وعتوّا }.

زعم فرعون أن هذه الآيات التي أراه إياها موسى عليه السلام ، إنما هي سحر وتمويه ، المقصود منها إخراجهم من أرضهم ، والاستيلاء عليها ، ليكون كلامه مؤثرًا في قلوب قومه ، فإن الطباع تميل إلى أوطانها ، ويصعب عليها الخروج منها ومفارقتها .

فأخبرهم أن موسى هذا قصده ؛ ليبغضوه ، ويسعوا في محاربته .

قال فرعون لموسى عليه السلام : إن عندنا سحرًا مثل سحرك ، فلا يغرنك ما أنت فيه ، هيا يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدًا ، واختر يومًا نجتمع نحن وأنت فيه فنعارض ما جئت به بما عندك من السحر في مكان معين ووقت معين .

قال موسى عليه السلام :
” موعدكم يوم الزينة ” ؛ يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون ، وأن يُجمَع أهل مصر ” ضحى ” وقته للنظر فيما يقع ؛ فأدبر فرعون معرضًا عما أتاه به من الحقّ ، فجمع مكره ؛ جمع سحرته بعد أخذه إياهم بتعلمه .

وجاء للموعد – يوم الزينة – الذي وعده موسى عليه السلام ، وجاء فرعون بسحرته .

قال موسى عليه السلام لسحرة فرعون يعظهم : احذروا ، لا تختلقوا على الله الكذب ، فيستأصلكم بعذاب مِن عنده ويُبيدكم ، وقد خسر من اختلق على الله كذبًا .

وقال السحرة فيما بينهم : إن كان ما جاء به سحرًا فسنغلبه ، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر .

وقالوا : تعلمون أن هذا الرجل وأخاه – يعنون : موسى وهارون – ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر ، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس ، وتتبعهما العامة ويقاتلا فرعون وجنوده ، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم ، ويذهبا بطريقتكم المثلى ؛ وهي السحر ، فإنهم كانوا معظمين بسببها .

فهيا اجتمعوا كلكم صفًا واحدًا ، وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة ، لتبهروا الأبصار ، وتغلبوا هذا وأخاه ، ” وقد أفلح اليوم من استعلى ” ؛ أي : منا ومنه ، أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل ، وأما هو فينال الرياسة العظيمة .

” قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ “. (طه : 65)

قال لهم موسى : بل ألقُوا أنتم ما معكم أولًا ، فألقَوا حبالهم وعصيَّهم ، فتخيل موسى مِن قوة سحرهم أنها حيات تسعى ؛ فشعر موسى في نفسه بالخوف ، ولكن الله ثبته قائلًا : لا تخف ؛ فأنت الأعلى ، والله معك ، قال الله تعالى : ” قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى ” ؛ أي الأعلى على هؤلاء السحرة ، وعلى فرعون وجنده ، والقاهر لهم بإذن الله تعالى .

وقال له ربه : ” وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ” ؛ والمعنى : وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خُيِّل إليك أنها تسعى ، فما عملوه أمامك ما هو إلا مكر ساحر وتخييل سِحر ، ولا يظفر الساحر بسحره أينما كان .

وكانت الغلبة للحق الذي جاء به موسى عليه السلام ، يقول الله الملك الحق :
” فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ “. (طه : 70)

يقول تعالى مخبرًا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل ، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة ، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم وغلب كل الغلب – شرع في المكابرة والبهت ، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة ، فتهددهم وأوعدهم .

قال الله حاكيًا عن رد فعل فرعون :
” قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ ”. (طه : 71)

وكان الرد القاطع من السحرة الذين آمنوا برب هارون وموسى :
لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم ، المبتدئ خلقنا من الطين ، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت .

” فاقض ما أنت قاض ” ؛ أي : فافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك ، ” إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ” ؛ أي : إنما لك تسلط في هذه الدار ، وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار .

ما أروع ما نطقوا به ، وسجله القرآن الكريم ؛ ليكون شاهدًا على إيمانهم :
” قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا “. (طه : 72)

اللهم أرنا الحق حقًّا ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه .

وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا محمد ، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ندعوكم لقراءة : اهبطوا مصرًا

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى