ربنا الله ﷻ

يداه مبسوطتان

يداه مبسوطتان :

خزائن الرب الجواد الكريم ملأى لا تنفد أبدًا أبدا .

قال الملك جل في عُلاه في الحديث القدسي :
” يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ، مانقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر “. (رواه مسلم)

كانت اليهود أكثر الناس مالًا ، فلما ضُيِّق عليهم بتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا ، وما أكذب ما قالوا : «يد الله مغلولة» ؛ أي : مقبوضة عن إدرار الرزق علينا ؛ كأنهم يقولون : إن الله بخيل – تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا- ، قال تعالى : «غُلَّت أيديهم» ؛ أي : أمسكت عن فعل الخيرات ، وهذا دعاء عليهم من الملك عز وجل ، «ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان» ، مبالغة في الوصف بالجود ، وثنى اليد ؛ لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطي بيديه «ينفق كيف يشاء» من توسيع وتضيق لا اعتراض عليه .

  • الجواد الكريم :

جاء في التفسير الميسر أن الله سبحانه وتعالى يُطلع نَبِيَّه على شيء من مآثم اليهود -وكان مما يُسرُّونه فيما بينهم- أنهم قالوا : يد الله محبوسة عن فعل الخيرات ، بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة ، وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط .
غُلَّتْ أيديهم ؛ أي : حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات ، وطردهم الله من رحمته بسبب قولهم .. وليس الأمر كما يفترونه على ربهم ، بل يداه مبسوطتان لا حَجْرَ عليه ، ولا مانع يمنعه من الإنفاق ، فإنه الجواد الكريم ، ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد .

  • إثبات اليدين لله :

في الآية الكريمة إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير تشبيه ولا تكييف .

  • حقدٌ وحسد :

واليهود سوف يزدادون طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم ؛ لأن الله قد اصطفاك يا محمد بالرسالة .
ويخبر تعالى أن طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا ، وينفر بعضهم من بعض ، كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ، ردَّ الله كيدهم ، وفرَّق شملهم ، ولا يزال اليهود يعملون بمعاصي الله مما ينشأ عنها الفساد والاضطراب في الأرض .
والله تعالى لا يحب المفسدين .

قال الله الجواد الكريم :
” وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ “. (المائدة : 64)

ندعوكم لقراءة : رحمته وسعت كل شيء

  • قال العَلَّامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله :

يخبر تعالى عن مقالة اليهود الشنيعة ، وعقيدتهم الفظيعة ، فقال : ” وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ “ ؛ أي : عن الخير والإحسان والبر .
” غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا “ ؛ وهذا دعاء عليهم بجنس مقالتهم .
فإن كلامهم متضمن لوصف الله الكريم ، بالبخل وعدم الإحسان .
فجازاهم بأن كان هذا الوصف منطبقًا عليهم .
فكانوا أبخل الناس وأقلهم إحسانًا ، وأسوأهم ظنًّا بالله ، وأبعدهم الله عن رحمته التي وسعت كل شيء ، وملأت أقطار العالم العلوي والسفلي .

ولهذا قال :
” بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ “ ؛ لا حجر عليه ، ولا مانع يمنعه مما أراد ، فإنه تعالى قد بسط فضله وإحسانه الديني والدنيوي ، وأمر العباد أن يتعرضوا لنفحات جوده ، وأن لا يسدوا على أنفسهم أبواب إحسانه بمعاصيهم .
فيداه سَحَّاء الليل والنهار ، وخيره في جميع الأوقات مدرارًا ، يفرج كربًا ، ويزيل غمًّا ، ويغني فقيرًا ، ويفك أسيرًا ويجبر كسيرًا ، ويجيب سائلًا ، ويعطي فقيرًا عائلًا ، ويجيب المضطرين ، ويستجيب للسائلين .
وينعم على من لم يسأله ، ويعافي من طلب العافية ، ولا يحرم من خيره عاصيا ، بل خيره يرتع فيه البر والفاجر ، ويجود على أوليائه بالتوفيق لصالح الأعمال ثم يحمدهم عليها ، ويضيفها إليهم ، وهي من جوده ويثيبهم عليها من الثواب العاجل والآجل ما لا يدركه الوصف ، ولا يخطر على بال العبد ، ويلطف بهم في جميع أمورهم ، ويوصل إليهم من الإحسان ، ويدفع عنهم من النقم ما لا يشعرون بكثير منه .

فسبحان من كل النعم التي بالعباد فمنه ، وإليه يجأرون في دفع المكاره ، وتبارك من لا يحصي أحد ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وتعالى من لا يخلو العباد من كرمه طرفة عين ، بل لا وجود لهم ولا بقاء إلا بجوده .

وقبَّح الله من استغنى بجهله عن ربه ، ونسبه إلى ما لا يليق بجلاله ، بل لو عامل الله اليهود القائلين تلك المقالة ، ونحوهم ممن حاله كحالهم ببعض قولهم ، لهلكوا ، وشقوا في دنياهم ، ولكنهم يقولون تلك الأقوال ، وهو تعالى ، يحلم عنهم ، ويصفح ، ويمهلهم ولا يهملهم.

  • فنحاص بن عازوراء :

قيل : إن فنحاص هو من قال هذه الكلمة البشعة ” يد الله مغلولة ” ، فلما لم ينهه الآخرون ورضوا بقوله أشركهم الله فيها .

  • كلتا يديه يمين :

يداه سخَّاء الليل والنهار ، وكلتا يديه يمين ، خيره نازل إلى الأبرار والفجار ، سبحان الملك العزيز الغفار .

ويد الله صفة من صفاته ؛ كالسمع ، والبصر والوجه ، قال عز وجل : ” لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ “. (ص : 75)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” كلتا يديه يمين “.

والله أعلم بصفاته ، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم .

وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات : ” أمروها كما جاءت بلا كيف “.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى