نبينا محمد ﷺ

ياله من حديث

ياله من حديث :

هو حديث أفضل من الملايين ، أهداه إلينا سيد المرسلين ، صلى وسلم عليه رب العالمين .

– الحديث الشريف :

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال :

خَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ ، فَقالَ :

” أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَومٍ إلى بُطْحَانَ ، أَوْ إلى العَقِيقِ ، فَيَأْتِيَ منه بنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ في غيرِ إثْمٍ ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ ؟ “.

فَقُلْنَا : يا رَسولَ اللهِ ، نُحِبُّ ذلكَ ، قالَ : ” أَفلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ فَيَعْلَمُ ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، خَيْرٌ له مِن نَاقَتَيْنِ ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ له مِن ثَلَاثٍ ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له مِن أَرْبَعٍ ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ “. (أخرجه مسلم : 803)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه فضْلَ القرآنِ الكريمِ ، ويُبيِّنُ أجْرَ تَعلُّمِه وتَعليمِه وقِراءتهِ .

وفي هذا الحديثِ يَرْوي عُقبةُ بنُ عامرٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم جاءهم وهمْ جالِسون في الصُّفَّةِ ، وهي مَوضِعٌ مُظلَّلٌ مِنَ المسجدِ النَّبويِّ الشَّريفِ ، كان فُقراءُ المهاجرين يَأْوُونَ إليه، فسَألهم :
« أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ » وهو الذَّهابُ أوَّلَ النَّهارِ ، « كلَّ يومٍ إلى بُطْحَانَ » ، وهو مَوضعٌ بِقُرْبِ المدينةِ يَسيرُ مِن جَنوبِها وحتى غَربِها ، « أو إلى الْعَقِيقِ » ، وهُوَ وادٍ بالمدينةِ تَتجمَّعُ مِياهُه مِن منْطقةِ العقيقِ الَّتي تَبعُدُ عن المدينةِ أكثَرَ مِن مائةِ كيلومترٍ جَنوبًا ، ويَسيرُ إلى مَشارفِ المدينةِ ، وخَصَّ بُطْحَانَ والعَقِيقَ بالذِّكرِ ؛ لأنَّهما أقرَبُ المواضعِ الَّتي تُقامُ فيها أسْواقُ الإبلِ إلى المدينةِ ، « فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِناقتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ » ، والكَوْمَاءُ : النَّاقَةُ العظيمةُ السَّنَامِ ، وضَربَ المثلَ بها لأنَّها مِن خِيارِ مالِ العربِ ، وأنْ يَحصُلَ على النَّاقتَيْنِ بغيرِ إِثْمٍ كَسرقةٍ ، أو أنْ يَقطعَ رَحِمًا بهما ؟ فأجابَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم أنَّهم يَودُّون ذلك ويُحِبُّونه ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لمَن أراد ذلك الخيْرَ :
« أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ » فيُبكِّرُ ويَذهَبُ إليه ، « فيَعْلَمُ أوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِن كِتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، خَيرٌ له مِن نَاقَتَيْنِ » ؛ أي : فيكونُ الخيرُ الَّذي يَأتي مِن تَعَلُّمِ الآيتَيْنِ أو قِراءتِهما أفضَلَ عندَ اللهِ مِن الحُصولِ على ناقتَيْنِ ومِن خيْرِهما الَّذي كان سَيَعودُ عليه منْهما ، وكذلك ثَلاثُ آياتٍ أفضَلُ مِن ثَلاثِ ناقاتٍ ، وأيضًا أربعُ آياتٍ أفضلُ مِن أربعِ ناقاتٍ ، وقولُه : « ومِن أعْدَادِهِنَّ مِن الإِبِلِ » ؛ أي : كلَّما زادَ مِن عدَدِ الآياتِ في عِلمِها أو قِراءتِها ، كان له بعَددِ تلك الآياتِ أفضَلُ مِن مِثلِها مِنَ الإبلِ .

وفي هذا أنَّ تَعلُّمَ القرآنِ أفضلُ مِن طلَبِ المالِ ، وهذا على العُمومِ ، وهو أَوْلَى لِمَن كان عِندَه وقْتُ فراغٍ .

وفي الحديثِ : فَضلُ طَلبِ العِلمِ ، وفضلُ تَعلُّمِ القُرآنِ .

وفيه : تَعاهُدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأصحابِه بالمَوعظةِ والإرشادِ ، وفي هذا تَعليمٌ لوُلاةِ الأُمورِ ؛ لِيَتأسَّوا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في تَعامُلِهم مع رَعيَّتِهم .

– أهل الصُّفة :

قول الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه : خرج رسولُ الله ﷺ ونحن في الصّفة ؛ والصّفة أهلها هم فُقراء المهاجرين ، كانوا يأوون إلى موضعٍ في آخر مسجد النبي ﷺ مُظلل ، وهم أضياف الإسلام ، هؤلاء يأوون إلى هذه الصّفة ، فهي موطنهم ، ومبيتهم ، ليس لهم دارٌ ولا أهلٌ ، وإنما هاجروا وتركوا كلَّ شيءٍ وراءهم ، وهم عددٌ كثيرٌ ، تتفاوت أعدادُهم من حينٍ لآخر ، وقد عدَّهم أبو نُعيم في ( الحلية ) أكثر من مئة .

وهؤلاء الأضياف الذين يأوون إلى مسجد رسول الله ﷺ أو إلى هذه الصّفة كلّهم من الفُقراء غير المتأهّلين في المدينة .

ذكر الحافظُ ابن حجر -رحمه الله- عن أهل الصفة : أنهم يكثرون تارةً ، ويقلُّون تارةً ، يكثرون حتى يبلغوا المئتين ، ويقلُّون في بعض الأحيان ؛ لأنَّهم ينفرون في الغزوات والسَّرايا في الجهاد ، وتعليم القرآن ؛ لأنَّ هؤلاء منهم قُرَّاء ، فكان النبيُّ ﷺ يبعثهم إلى بعض القبائل الذين يدخلون في الإسلام من أجل إقرائهم .

فالنبي ﷺ هنا يُخاطبهم ، هؤلاء الفُقراء الذين ليس لهم من الدُّنيا حظٌّ ولا نصيبٌ ، كان الواحدُ منهم لربما يُهاجر وليس له إلا إزارٌ ، ليس عليه رداءٌ ، ما عنده شيءٌ : لا دابَّة ، ولا لباس ، ولا أثاث ، ولا غرفة ، وإنما هؤلاء يجلسون في هذا المكان المسقوف ، المظلل ، العريش في آخر المسجد ، تركوا الدُّنيا برمَّتها .

يقول المعلم صلى الله عليه وسلم : أيُّكم يُحبُّ أن يخرج إلى أحد هذين الموضعين من أسواق الإبل ؟

يخرج في أول النَّهار ، في الصَّباح ، في البكور قبل اشتداد الحرِّ والشَّمس .

يعني : أنَّ النبي ﷺ قال : ” بطحان ” ، أو قال : ” العقيق ” ، ويحتمل أنَّه قال ذلك على سبيل التَّنويع ؛ يعني : يخرج إلى هذا ، أو هذا .

فهنا إذا خرج يرجع بماذا ؟

فيأتي منه بناقتين كوماوين ، ما قال : ببعيرين ؛ لأنَّ النَّاقةَ أنفس ؛ لأنها تُحْلَب ؛ ولأنها أيضًا تلدُ ، فيمكن أن يكون ذلك سببًا للمزيد من تحصيل هذه الثَّروات التي هي أنفس الأموال عند العرب ؛ ولذلك تجدون هذه العبارة تتكرر : خيرٌ لك من حمر النَّعَم : الإبل ؛ يعني : فهي أنفس أموال العرب ، هي الثروة ، فمَن كان يملك الإبل فهو الثَّريّ الغنيّ .

فالنبي ﷺ قال : أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين ، وثلاثٌ يعني : ثلاث آياتٍ خيرٌ له من ثلاثٍ ، وأربعٌ خيرٌ له من أربعٍ ، ومن أعدادهنَّ من الإبل .

يعني : أنَّ الآيتين أفضل من ناقتين ، والثَّلاث أفضل من ثلاثٍ ، والأربع أفضل من أربعٍ ، والخمس أفضل من خمس ، وهكذا العشر أفضل من عشرٍ ، والمئة أفضل من مئةٍ من النُّوق الموصوفة بهذه الصِّفة ، إذا كان الأمرُ كذلك ، فإذا أخذ مئة آيةٍ ، فهذه مئة ناقةٍ ، النَّاقة التي تكون بهذه الصِّفة : كوماء ، ضخمة ، إذا كانت للقُنية ، نقول : للقنية ؛ لأنَّه للأسف معلومٌ أنَّ النوقَ تُتَّخذ للقُنية منذ دهرٍ طويلٍ ، ولكن ابتُلي الناسُ اليوم بمُزاولات ؛ يتزاينون بالإبل ، فهذه بالملايين على قدر عقولهم ، لكننا نحن نتحدث عمَّا كان للقُنية ؛ يعني : يقتنيها من أجل الانتفاع بها ، من أجل الاستيلاد ، من أجل الحليب .

ندعوكم لقراءة : الصلاة على النبي

– كَنْزٌ حقيقي :

فالنَّاقة التي بهذه الصِّفة عند أرباب الإبل اليوم عند أهل الخبرة تتراوح قيمتُها ما بين ثلاثين ألفًا إلى أربعين ألفًا ، فإذا أخذنا المتوسط خمسةً وثلاثين ألفًا لهذه الناقة ، وآيات القرآن ستة آلاف ومئتان وكسر ، فلو أبقينا على الستة آلاف والمئتين ، وضربناها بخمسة وثلاثين ألفًا ؛ يطلع عندنا مئتان وسبعة عشر مليونًا ، يذهب للمسجد في حلقةٍ يتعلم ، هذا هو الكنز الحقيقي ، هذه هي الثروة الحقيقية ، هذا هو الذّخر ، هذه هي التِّجارة الرابحة .

– هي أفضل من هذا :

مئتان وسبعة عشر مليونًا ، هي أفضل من هذا بكثيرٍ ، لا مُقارنة ؛ لكن النبيَّ ﷺ يُقرِّب لهم المعنى ، يقول لهم : هذا أفضل لكم من هذا ، يُخاطب فُقراء مُدقعين ، الواحد عليه إزارٌ ، ما عليه رداءٌ ، ما عندهم شيءٌ ، لا يجترئ أحدٌ منهم أن يسوم هذه الناقة ، فهذا أفضل من هذا .

الآية أفضل من ناقةٍ بهذه المثابة ، والآيتان أفضل من ناقتين ، وستّ آلاف آية أفضل من ستِّ آلاف ناقة من هذا القبيل ؛ يعني : ما يزيد على مئتين وسبعة عشر مليونًا ، تعلم القرآن كاملًا ، دخل في حلقة .

قد عرفنا قدر هذا التَّعلم ، وقدر هذه الحِلَق ، وقدر هذه المجالس للذكر التي نتعلم فيها القرآن .

فكم فرطنا ؟ وكم ضيَّعنا ؟ وكم غفلنا ؟ ولكننا نغبط أهلَ الدنيا على ما حصلوا : فلان باع أرضًا فحصل كذا ، وربح كذا ، فلان باع صفقةً ، ربح من الأسهم كذا .

يتغابط الناسُ على هذا العرض الزائل ، ولكن هذه مئتان وسبعة عشر مليونًا .

– مجد وثروة وفخر :

انظروا إلى كل فتى أو فتاة مَنَّ الله عليهم بحفظ القرآنَ : كم حصَّلوا من المجد والثروة والفخر الحقيقي ، والنِّعمة السَّابغة في الدنيا والآخرة ؛ إن كانت لهم فيه نيَّة .

يالهم من محظوظين ، محفوظين بحفظ رب العالمين .

فهذا خبرُ مَن لا ينطق عن الهوى ﷺ ، والأمر أعظم من ذلك ، ولكنَّه ﷺ أراد التَّقريب ، وقال : خيرٌ له أفضل له ، وهو يُخاطبهم بأغلى شيءٍ يعرفونه ، ما هو أغلى شيءٍ عند العرب يمكن أن يُخاطبوا به ؟

هي هذه الإبل التي هي بهذه الصِّفة ؛ ولذلك دية الإنسان إنما تُقدر بالإبل ؛ بل إنَّ مهورَ النِّساء أحيانًا في بعض النَّواحي تُقدر بالإبل ، ويقصدون أحيانًا القيمة ، يقصدون المال ، فيقول : أزوّجك على أربعين من الإبل ؛ ويقصد قيمةَ أربعين من الإبل .

– يقول العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :

قراءة القرآن تقربًا إلى الله سبحانه فيها أجر عظيم ، وهكذا قراءة أحاديث رسول الله ﷺ وتحفيظها فيها أجر عظيم ؛ لأن ذلك عبادة لله تبارك وتعالى ، وطريق لطلب العلم والتفقه في الدين ، وقد دلت الأدلة الشرعية على وجوب التعلم والتفقه في الدين حتى يعبد المسلم ربه على بصيرة ، ومن ذلك قول النبي ﷺ : ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه ” ، وقوله ﷺ : ” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ” ، وقوله عليه الصلاة والسلام : ” من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده “.

وجاء في قراءة القرآن أحاديث كثيرة، منها قوله ﷺ : ” اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة “. (رواه مسلم)

وقال ذات يوم عليه الصلاة والسلام : ” أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان [وادي بالمدينة] أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين [عظيمتين] في غير إثم ولا قطع رحم ؟ “.
فقالوا : يا رسول الله نحب ذلك .. قال : ” أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين ، وثلاث خير له من ثلاث ، وأربع خير له من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل “.
أو كما قال عليه الصلاة والسلام .

وهذا يدل على فضل قراءة القرآن وتعلمه .

ومن ذلك حديث ابن مسعود المشهور المخرج في جامع الترمذي بإسناد حسن عن النبي ﷺ أنه قال : ” من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها “.

وهكذا السنة إذا تعلمها المؤمن بقراءة الأحاديث ودراستها وتحفظّها ومعرفة الصحيح منها من غيره يكون له بذلك أجر عظيم ؛ لأن هذا من تعلم العلم الذي قال فيه النبي ﷺ : ” من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة “.

كما تقدم ، وهذا يدل على أن قراءة الآيات وتدبرها ودراسة الأحاديث وحفظها والمذاكرة فيها رغبة في العلم والتفقه في الدين والعمل بذلك من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار ، وهكذا قول الرسول ﷺ : ” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ” المتفق على صحته ، يدل على فضل العلم وطلبه ، وأن ذلك من علامات الخير كما سبق .

فالتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب ويكون من طريق السنة ، فالتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرًا ، كما أن التفقه في القرآن يدل على ذلك ، والأدلة في هذا كثيرة والحمد لله . (انتهى)
( مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5 /178 ).

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى