من أنباء الرسل

وكفلها زكريا

وكفلها زكريا :

اصطفى الله العليم الحكيم ﷻ آدَمَ أبا البشر على سائر المخلوقات ؛ فخلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، وأسكنه الجنة ، ثم جعله خليفة في الأرض .

واصطفى نُوحًا عليه السلام ؛ فهو آدم الأصغر ، والأب الثاني للبشرية ، وليس أحدٌ على وجه الأرض إلا من نسله ؛ لقوله سبحانه « وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ».

واصطفى آلَ إِبْراهِيمَ أي عشيرته وذوي قرباه ؛ وهم إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما .

واصطفى آلَ عِمْرانَ إذ جعل فيهم عيسى عليه السلام ، الذي آتاه الله البينات ، وأيده بروح القدس .

والمراد بعمران المذكور في الآية : والد السيدة مريم أم عيسى عليه السّلام ؛ فهو عمران بن ياشم بن ميشا بن حزقيا .. وينتهى نسبه إلى إبراهيم عليه السلام .

هذه البيوت التي ذكرها الله تعالى ؛ هي صفوته من العالمين ، وتسلسل الصلاح والتوفيق بذرياتهم .

يقول الرب الجليل في محكم التنزيل :

« إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحٗا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ * ذُرِّيَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضٖۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ». (آل عمران : 33-34)

امرأة عمران : هي أم مريم ( بنت عمران ) عليها السلام ؛ وهي حنة بنت فاقوذ .

قالت امرأة عمران حين حملت : يا ربِّ إني جعلت لك ما في بطني خالصًا لك ، لخدمة بيت المقدس ، فتقبَّل مني ؛ إنك أنت السميع العليم .

تمنت حنة أن يكون المولود ذكرًا ؛ لتتهيأ له خدمة بيت الله ، ولكنها كانت أنثى ، وقد سمتها أمها ” مريم “.

وقالت الأم الرءوم : أُحَصِّنُها وأجيرها بكفالتك لها ولذريتها من الشيطان الرجيم .

استجاب الله تعالى دعاءها وقَبِل منها نَذْرها ، وتولَّى وليدتها مريم بالرعاية ؛ فأنبتها نباتًا حسنًا ، ويسَّر لها زكريا عليه السلام كافلًا ؛ فأسكنها في مكان عبادته .

وكان زكريا عليه السلام كلَّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقًا هنيئًا طيبًا ، قال : يا مريم من أين لكِ هذا الرزق الطيب ؟
قالت المؤمنة المخبتة : هو رزق من عند الله .
إن الله يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب .

عندما رأى زكريا عليه السلام ما أكرم الله به مريم مِن رزقه وفضله ؛ توجه إلى ربه القادر قائلًا : ربِّ أعطني من عندك ولدًا صالحًا مباركًا ، إنك سميع الدعاء لمن دعاك .

استجاب الله تبارك وتعالى لعبده ونبيه زكريا عليه السلام ؛ فبينما هو قائم في محرابه يتعبد لربه ويتضرع ، نادته الملائكة أن الله يبشرك بيحيى مصدقًا بكلمة من الله ؛ أي : بعيسى عليه السلام ؛ لأنه كان بكلمة الله وسيدًا ، أي : يحصل له من الصفات الجميلة ما يكون به سيدًا يُرجَع إليه في الأمور وحصورًا ؛ أي : ممنوعًا من إتيان النساء ، فليس في قلبه لهن شهوة ، اشتغالًا بخدمة ربه وطاعته ، ونبيًّا من الصالحين ، فأي : بشارة أعظم من هذا الولد الذي حصلت البشارة بوجوده ، وبكمال صفاته ، وبكونه نبيًّا من الصالحين .

قال زكريا عليه السلام من شدة فرحه : رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ، وكل واحد من الأمرين مانع من وجود الولد ، فكيف وقد اجتمعا !!

أخبره القادر المقتدر أن هذا خارق للعادة ، فقال : كذلك الله يفعل ما يشاء .. فكما أنه تعالى قدَّر وجود الأولاد بالأسباب التي منها التناسل ، فإذا أراد أن يوجدهم من غير ما سبب فَعَل ؛ لأنه لا يستعصي عليه شيء .

قال زكريَّا عليه السلام : رب اجعل لي علامةً أستدلُّ بها على وجود الولد مني ؛ ليحصل لي السرور والاستبشار ، قال : علامتك التي طلبتها : ألا تستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيام إلا بإشارة إليهم ، مع أنك سويٌّ صحيح ، وفي هذه المدة أكثِرْ من ذكر ربك ، وصلِّ له أواخر النهار وأوائله .

ندعوكم لقراءة : أخفوا أوجاعكم

  • يقول الله تبارك وتعالى :

« إِذۡ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ عِمۡرَٰنَ رَبِّ إِنِّي نَذَرۡتُ لَكَ مَا فِي بَطۡنِي مُحَرَّرٗا فَتَقَبَّلۡ مِنِّيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ * فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَٰئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٞ يُصَلِّي فِي ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدٗا وَحَصُورٗا وَنَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّلِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ * قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ ». (آل عمران : 35-41)

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى