هيلين رهينة المحبسين

هيلين رهينة المحبسين :

هيلين .. عزيمة لا تلين ، على مر السنين ، وُلدت عام ألف وثمانمائة وثمانين ، وتُوفيت عام ألف وتسعمائة وثمانٍ وستين ، أي عاشت ثمانية وثمانين .

أبهرت خلالها عالَم المبصرين ، بما قدمته من إنجازات رغم المعاناة والأنين .

أصيبت منذ نعومة أظفارها بمرضٍ لعين ؛ أفقدها السمع والبصر ولكنها استعانت بالله رب العالمين ، ومن بعده اعتمدت على المتخصصين .

تعلمت أشياء كثيرة ، ففي العاشرة تعلمت الأبجدية الخاصة بالمكفوفين ؛ وأصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين .

حصلت على بكالوريوس علوم في سن الرابعة والعشرين .

وحصلت على درجة الدكتوراه في العلوم ، وأخرى في الفلسفة ؛ فيالها من قدوة للمتعلمين ، بل للناس أجمعين .

انصرفت إلى القراءة والكتابة والتأليف حتى جابت شهرتها الآفاق حتى حدود الصين ، فأصبحت على الحقيقة العملاقة هيلين .

تحية لصاحبة القصة معطرة في أسطرٍ عطراتِ ، لصاحبة الإرادة والتحدي والمقاومة والثباتِ .. صنعت ما يُعيي الرجال صنيعه وزادت في الخيراتِ .. لم تقضِ عمرها حبيسةَ الحجراتِ .. غرست غرسًا دانيَ الثمراتِ .. وأقبلت على الحياة بالبسماتِ .

ولله در الشاعر صاحب الأبياتِ :

كذا فليكن صُنع الكريم وصبره … على دهرِهِ والدهرُ غير مُوَاتِ

هي قيمة وقامة في عالم التحدي والإرادة ، هي الموفقة صاحبة السعادة .

هي أديبة أمريكية طبقت شهرتها الآفاق ، بعد أن تعهدوها بالرِي فأورقت أيما إيراق .

– ميلادها :

وُلدت هيلين في مدينة توسكومبيا في ولاية ألاباما بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1880م ، وتعود أصول العائلة إلى ألمانيا .

– مرضها :

بعد بلوغها تسعة عشر شهرًا أُصيبت بمرض شَخَّصَهُ الأطباء أنه التهاب السحايا والحمى القرمزية أفقدها السمع والبصر .

وفي ذلك الوقت كانت تتواصل مع الآخرين من خلال مارتا واشنطن ابنة طباخة العائلة التي بدأت معها لغة الإشارة ، وعند بلوغها السابعة أصبح لديها 60 إشارة تتواصل بها مع عائلتها .

– المعلمة آن سوليفان :

في سنة 1886م أُلهمت والدتها بقصة ( لورا بردجمام ) التي كانت أيضًا عمياء وصماء واستطاعت الحصول على شهادة في اللغة الإنجليزية ، فذهبت إلى مدينة بالتيمور لمقابلة طبيب مختص بحثًا عن نصيحة ، فأرسلها إلى ألكسندر غراهام بل الذي كان يعمل آنذاك مع الأطفال الصم ، فنصح والديها بالتوجه إلى معهد بركينس لفاقدي البصر حيث تعلمت لورا بردجهام .

وهناك تم اختيار المعلمة ( آن سوليفان ) التي كانت في العشرين من عمرها لتكون معلمتها وموجهتها ، ولتبدأ معها علاقة استمرت 49 سنة .

حصلت آن على إذن وتفويض من العائلة لنقلها الي بيت صغير في حديقة المنزل بعيدًا عن العائلة ، لتعلّم الفتاة المدللة بطريقة جديدة ، فبدأت التواصل معها عن طريق كتابة الحروف في كفها وتعليمها الإحساس بالأشياء عن طريق الكف .

وكان سكب الماء على يدها يدل عن الماء ، وهكذا بدأت التعلم ومعرفة الأشياء الأخرى الموجودة حولها ومن بينها لعبتها الثمينة .

في سنة 1890م علمت هيلين بقصة الفتاة النرويجية ( راغنهيلد كاتا ) التي كانت هي أيضًا صماء وبكماء ولكنها تعلمت الكلام ، فكانت القصة مصدر إلهام لها ، فطلبت من معلمتها تعليمها الكلام ، وشرعت ( آن سوليفان ) بذلك مستعينة بمنهج ( تادوما ) عن طريق لمس شفاه الآخرين وحناجرهم عند الحديث وطباعة الحرف على كفها .

وبعد ذلك تعلمت طريقة برايل للقراءة باللغات : الإنجليزية والألمانية واللاتينية والفرنسية واليونانية !

وبعد مرور عام تعلمت تسعمائة كلمة ، واستطاعت كذلك دراسة الجغرافيا بواسطة خرائط صُنعت على أرض الحديقة ، كما درست علم النبات .

وفي سن العاشرة تعلمت قراءة الأبجدية الخاصة بالمكفوفين ، وأصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين عن طريقها .

ثم في مرحلة ثانية أخذت سوليفان تلميذتها إلى معلمة قديرة تُدعى ( سارة فولر ) تعمل رئيسة لمعهد ( هوارس مان ) للصُّم في بوسطن ، وبدأت المعلمة الجديدة مهمة تعليمها الكلام ، بوضعها يديها على فمها أثناء حديثها لتحس بدقة طريقة تأليف الكلمات باللسان والشفتين.

وانقضت فترة طويلة قبل أن يصبح باستطاعة أحد أن يفهم الأصوات التي كانت تصدرها .

لم يكن الصوت مفهومًا للجميع في البداية ، فبدأت صراعها من أجل تحسين النطق واللفظ ، وأخذت تجهد نفسها بإعادة الكلمات والجمل طوال ساعات مستخدمة أصابعها لالتقاط اهتزازات حنجرة المدرسة وحركة لسانها وشفتيها وتعابير وجهها أثناء الحديث .

وتحسن لفظها وازداد وضوحًا بعد عام في ما يُعد من أعظم الإنجازات الفردية في تاريخ تريبة وتأهيل المعوقين .

ولقد أتقنت الكتابة وكان خطها جميلًا مرتبًا .

ثم التحقت بمعهد كامبردج للفتيات ، وكانت سوليفان ترافقها وتجلس بقربها في الصف لتنقل إلبها المحاضرات التي كانت تُلقى ، وأمكنها أن تتخرج في الجامعة عام 1904م حاصلة على بكالوريوس علوم في سن الرابعة والعشرين .

ذاعت شهرتها ؛ ومن ثَمَّ انهالت عليها الطلبات لإلقاء المحاضرات وكتابة المقالات في الصحف والمجلات .

بعد تخرجها في الجامعة عزمت على تكريس كل جهودها للعمل من أجل المكفوفين ، وشاركت في التعليم وكتابة الكتب ومحاولة مساعدة هؤلاء المعاقين قدر الإمكان .

وفي أوقات فراغها كانت تخيط وتطرز وتقرأ كثيرًا ، وأمكنها أن تتعلم السباحة والغوص وقيادة العربة ذات الحصانين .

ثم التحقت بكلية ( رادكليف ) لدراسة العلوم العليا ، فدرست النحو وآداب اللغة الإنجليزية ، كما درست اللغة الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية .

ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على شهادة الدكتوراه في العلوم والدكتوراه في الفلسفة !!

إنها حقًّا معجزة بشرية .

– نشاطها السياسي :

في الثلاثينات من القرن الماضي قامت هيلين بجولات متكررة في مختلف أرجاء العالم في رحلة دعائية لصالح المعوقين للحديث عنهم وجمع الأموال اللازمة لمساعدتهم ، كما عملت على إنشاء كلية لتعليم المعوقين وتأهيلهم ، وراحت الدرجات الفخرية والأوسمة تنهال عليها من مختلف دول العالم .

– مؤلفات هيلين :

نشرت هيلين ثمانية عشر كتابًا ، من أهمها :

ولقد جاءت صفحات الكتاب الأخير كعمل أدبي يهز المشاعر الإنسانية ، وليُذَكِّر المُبصرين بنعمة البصر .

تقول في ختام أيامها المُتَخَيَلَة مع النور :
أستطيع الآن -أنا الكفيفة- أن أعطي تنبيهًا لأولئك المبصرين الذين يرغبون في استغلال نعمة البصر : أن استفيدوا من أبصاركم كما لو كنتم مهددين بفقدانها ، وأن استمتعوا بكل حواسكم ؛ لأن هذه الحواس هبة من الله يستحق الشكر عليها .

تُرجمت مؤلفاتها إلى خمسين لغة .

– من أقوالها :


يا سلام على مثل هذا الكلام الذي يصدر عن هيلين رهينة المحبسين هذه العبقرية البشرية : هيلين كيلر .

ندعوكم لقراءة : مراد هوفمان

Exit mobile version