هجرة المسلمين للحبشة 1
هجرة المسلمين للحبشة 1 :
( ٣٨ ) الحلقة الثامنة والثلاثون من سيرة الحبيب ﷺ :
فلنبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
مازلنا مع هجرة المسلمين للحبشة .
عرفنا في الحلقات السابقة كيف استمرت قريش في تعذيب الصحابة رضوان الله عليهم حتى أصبحت الهجرة هي الحل الأمثل لهم .
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالهجرة إلى الحبشة ، راجيًا من الله أن يجعل لهم فَرَجًا ومخرجًا ، ولأن بها مَلِك لا يُظلَم عنده أحد ( وهو مَلِك الحَبَشَة ، وكان يُقال له “النَّجَاشِى” ).
واختار الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة فئة خاصة من المؤمنين وهم القرشيون ، الذين يتمتعون بعصبية وقبلية تستطيع أن توفر لهم الحماية .
فهاجر الأشراف أصحاب المَنَعة ولم يهاجر الموالي ، فهاجر سيدنا عثمان رضي الله عنه ، وزوجته السيدة رُقَيَّة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهاجرت رملة بنت أبي سفيان ” بنت سيد مكة ” رضي الله عنها ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومعهم مجموعة من الفقراء والضعفاء من الصحابة رضي الله عنهم الذين كانت قريش تقوم بتعذيبهم .
وكلهم أطاعوا النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى ذوي المَنَعَة منهم ، فإن أدب الصحابة رضي الله عنهم وطاعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم دفَعَهم للموافقة بدون أى جدال .
لكن لماذا أمر النبى ذوي المَنَعة بالهجرة ؟!
كان ذلك لإيصال عدة رسائل :
الأولى لقريش : لترى قريش أن من يدخل في الاسلام ليس فقط الضعفاء والفقراء ، بل السادة والأشراف أيضًا .. ولتعلم قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يأمر الصحابة الكِرام بشيء فإن الصحابة يُنَفِّذُونه في الحال على الرغم من أنهم سوف يتركوا بلادهم وأهلهم وأموالهم ؛ إنها الطاعة المطلقة والثقة التي ليس لها حدود في القيادة ، وقد زلزل هذا الموقف قريش ، لأنهم أصبحوا على يقين بأن الإيمان يقوي المسلمين وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم له السمع والطاعة .
أما الرسالة الثانية فكانت لضعفاء المسلمين : فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول لهم أنه لن يتخلَّى عنهم ويرسلهم للغربة وحدهم ولكن معهم السادة والأشراف ، بل وأرسل ابنته الحبيبة رُقَيَّة ، وزوجها ، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم .
صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله !
أما الرسالة الثالثة فكانت للنجاشي مَلِك الحبشة : فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يُعلِم النجاشي أنه لم يرسل الفقراء والضعفاء ( من الصحابة رضوان الله عليهم ) ليعطف عليهم .. لا .. ولكن معهم السادة والأشراف ، فلتحافظ على الجميع ولتكرمهم يا نَجاشِي .
ونلاحظ أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرضَ أن يذهب للأمان فى الحبشة ويترك باقي المسلمين فى مكة وحدهم ، حتى بعد ذلك ، وعند الهجرة من مكة للمدينة ، سوف يبقى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يطمئن على كل الصحابة أولًا أنهم هاجروا للمدينة .
اللهم صَلِّ على محمد .
إذًا سوف يهاجر عدد من المسلمين لأراضى الحبشة .
وفي ظل تلك الظروف التي يعاني منها المسلمون ، نزلت سورة الكهف وسورة مريم ، لماذا ؟ لأن سورة الكهف تحكي في جزء كبير منها عن أصحاب الكهف اللذين هاجروا : ” وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا یَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللهَ فَأۡوُۥۤا۟ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ یَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَیُهَیِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقًا ” وكأن رب العزة سبحانه يُسَلِّي الصحابة ويطمئنهم بهذا المعني : أنهم ليسوا أول من هاجر ولكن أصحاب الكهف هاجروا من قبلهم .. فإن لهم فيهم قدوة .. وهكذا يطمئنهم رب العزة بقصة أصحاب الكهف .
أما السورة الثانية فكانت سورة مريم .. فلماذا نزلت ؟
سوف نعرف ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله .