أحكام تجويد القرآن

مقدمة في أحكام تجويد القرآن

مقدمة في أحكام تجويد القرآن :

الحمد لله الذي اصطفى من عباده رسوله الصادق الأمين ، وأنزل عليه كتابه الكريم بلسان عربي مبين ، ويسره للذكر ، فرتله العربي ، ونطق بتجويده الأعجمي ، وصانه عن التحريف والتبديل والتغيير ، وحفظه من النقص والزيادة والتقديم والتأخير ، ووفق حملة كتابه لتحرير طرقه ورواياته ، وتحصين النطق بمفرداته ومركباته ليكون مصونًا مدى الدهر ، محفوظًا في كل عصر ، لقوله تعالى : ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” (الحجر : 9) ، فوصل إلينا مضبوطًا بتنزيله السماوي ، وترتيبه الإلهي .
ونحمده سبحانه حمد الشاكرين ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله .

أما بعد ..

إن كلام الله سبحانه وتعالى لا يدانيه كلام ، وحديثه لا يشبهه حديث ، لقوله تعالى : ” وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثًا “. (النساء : 87)
ولقد رفع الله شأن القرآن ، ونوه بعلو منزلته ، فقال سبحانه وتعالى : ” تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَـٰوٰتِ ٱلْعُلَى “. (طه : 4)
والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أن الإنسان بقدر ما يحفظ من القرآن وسوره بقدر ما يرتقي في درج الجنة .
وذلك فيما يرويه عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها “. (رواه البخاري ومسلم)

ومن أجل العبادات وأعظم القربات إلى الله سبحانه وتعالى تلاوة القرآن الكريم حيث أمرنا الله بها في قوله تعالى : ” فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ “. (المزمل : 20)
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بما وعده الله سبحانه وتعالى لقارئ القرآن من أجر عظيم وذلك فيما رواه عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشرة أمثالها ، ولا أقول آلم حرف ، ولكن أقول ألف حرف ولام حرف وميم حرف “. (صححه الألباني)
وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير الناس وأفضلهم هو الذي يتعلم القرآن ويعلمه ، وذلك فيما ثبت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه “. (رواه البخاري)

وعلم تجويد القرآن : هو من أولى العلوم ذكرًا ، وأشرفها منزلة وقدرًا ، لكونه متعلقًا بكلام رب العالمين ، الذي نزل به الروح الأمين ( جبريل عليه السلام ) على قلب سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

والتجويد في اللغة : هو التحسين ، يقول العرب : فلان جود الشيء أي حسنه وأجاده وأتقنه .
والتجويد في الاصطلاح : هو إعطاء الحروف حقها من الصفات اللازمة لها ومستحقها من الأحكام الناشئة عن هذه الصفات .

حكم التجويد العملي شرعًا :
التجويد العملي : هو قراءة القرآن بالترتيل والإتقان وهو مستمد من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، والعمل به واجب وجوبًا عينيًا على كل مكلف يحفظ القرآن أو بعضه ، أو يريد قراءته لقوله تعالى : ” وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلًا “. (المزمل : 4)
وهو لازم وواجب في حق أهل الأداء والعلماء الذين يعلمون الناس القرآن ، وهو ثابت بالقرآن والسنة والإجماع .

وحكم التجويد النظري :
والتجويد النظري هو العلم النظري بالأحكام ، وهو واجب على الكفاية فإذا تعلمه جماعة منهم سقط عن الآخرين .
وحكم قراءة القرآن بالتجويد ، قال عنها الجزري في مقدمة التحفة : ” والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم ” ، فجعله واجبًا شرعيًا يأثم تاركه .
وقال بذلك أكثر العلماء والفقهاء لأن القرآن نزل مجودًا وكانت قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم على جبريل كذلك وقرأه الصحابة بمثل ذلك ، ولذلك فهو سنة نبوية ، ومن أدلتهم على الوجوب قوله تعالى : ” وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلًا “. (المزمل : 4)
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الترتيل هو : ” تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ” ، ومنها قوله تعالى : ” ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ “. (البقرة : 121)
فمن حق التلاوة حسن الأداء ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح : ” زينوا القرآن بأصواتكم “.
وقال ابن الجزري عن التجويد أيضًا : ” وهو أيضًا حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة “.

ولذلك فإنه ينبغي على المسلم أن يجتهد في تعلم قراءة كتاب الله قراءة سليمة بعيدة عن اللحن ليكون مع الملائكة الكرام ، لأن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة كما جاء في الصحيح من الحديث .

اللحن في القراءة له قسمان :
1- لحن جلي ، 2- لحن خفي .

1- اللحن الجلي :
هو خطأ يطرأ على اللفظ فيخل بمبنى الكلمة ومعناها ، ومثاله قول القارئ : ( أنعمتُ عليهم ) بضم تاء أنعمتَ أو كسرها فيتغير معنى الكلمة ، أو قوله : ( صرات ) بإبدال الطاء تاء .
وحكم هذا اللحن : هو حرام بالإجماع يأثم القارئ بفعله لا سيما إن كان عامدًا .
2- اللحن الخفي :
وهو خطأ يطرأ على اللفظ فيخل بعرف القراءة ، ولا يخل بمبنى الكلمة، ولا معناها ، ويسمى لحنًا خفيًا لاختصاص أنا الأداء بمعرفته ، وهو يقع من القارئ بترك غنة ، أو بترك المد أو الإدغام ، أو غير ذلك الأحكام أثناء القراءة .
وحكم هذا اللحن : التحريم على الراجح إن تعمده القارئ أو تساهل فيه وقيل فيه الكراهة والله تعالى أعلم .

أركان القراءة الصحيحة :
يتسلسل السند إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صحة قبول القراءة ولها ثلاثة أركان وهي :
الأول : موافقتها لوجه من وجوه اللغة العربية ولو ضعيفًا ” بوجه فصيح ” أو أفصح .
الثاني : أن توافق رسم الخط في المصحف الإمام .
الثالث : صحة سندها بتواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم .

مراتب القراءة :
للقراءة ثلاث مراتب : الترتيل ، والتدوير ، والحدر .
الترتيل :
وهو قراءة القرآن بتؤدة وطمأنينة مع تدبر المعاني ومراعاة أحكام التجويد وهي أفضل مراتب القراءة الثلاث ، حيث نزل بها القرآن وأمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : ” وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلًا “. (المزمل : 4)
التدوير :
وهو قراءة القرآن بحالة متوسطة بين الإطمئنان والسرعة مع مراعاة الأحكام ، وهي تلي الترتيل في الأفضلية ، ويجوز القراءة بهذه الكيفية عند الإمام حفص ، وهو مذهب سائر ” القراء ” وصح عن جميع الأئمة وهو المختار عند أكثر أهل الأداء .
الحدر :
وهو قراءة القرآن بسرعة مع المحافظة على أحكام التجويد .
وهذه المراتب جميعها جائزة .
وذكر بعض علماء التجويد مرتبة رابعة وهي مرتبة التحقيق ، وذكروا أنها أكثر تؤدة وأشد إطمئنانًا من مرتبة الترتيل ، وهي التي تستحسن في مقام التعليم لرياضة الألسن وترقيق الألفاظ الغليظة وإقامة القراءة واعطاء كل حرف حقه من المد والهمز والإشباع والتفكيك .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى