مع ابن الحنفية
مع ابن الحنفية :
هذه بعض النوادر في حياة هذا التابعي الجليل محمد بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .
وأمه : خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية ( من بني حنيفة ).
أراد الناس التفريقَ بينه وبين ذرية فاطمة -رضي الله عنها- فسموه ( محمد ابن الحنفية ) ، واشتُهر بها .
- يُنسَب إلى أمه أكثر :
تذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخبره : إذا ما رُزِق بولد بعد وفاته ، أن يسميه محمدًا ، فأذن له الرسول الكريم بأن يُسَمَّى باسمه ويُكْنَى بكنيته ، وهكذا أصبح اسم المولود محمد بن علي بن أبي طالب ، والذي عُرف فيما بعد باسم محمد ابن الحنفية .
رجلٌ نُسب إلى أمه أكثر مما نُسب إلى أبيه في كتب التاريخ ، تمييزًا له عن الحسنين ( الحسن والحسين ) ابني السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم .
- اسمٌ وكنية :
ياله من اسم ، ويا لها من كنية ؛ أبو القاسم محمد ، وهو ابن علي بن أبي طالب ، أسد الله الغالب ، كما أنه يشترك مع خير خلق الله في الجد الأول للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عبد المطلب .
وإليكم علة هذه التسمية لمحمد بن الحنفية رحمه الله تعالى ، ورضي عن أبيه الإمام والبطل الهمام ؛ علي بن أبي طالب :
في ذات يومٍ ، كان الإمام عليّ رضي الله عنه في جلْسةٍ مع النبي صلى الله عليه وسلّم ، فقال :
يا رسول الله ! أرأيْت إن ولِدَ لي ولدٌ من بعدك ، أفَأُسمِّيه باسمِكَ ، وأُكنِّيهِ بِكُنْيتِك ؟
فقال المعلم صلى الله عليه وسلم : ” نعم “.
ودارت الأيّام ، فلَحِقَ النبي صلى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى ، وتَلَتْهُ بعد أشهر قليلة ابنتهُ فاطمة الزهراء أمّ الحسن والحسين .
بعدها تزوَّج الإمام علي امرأةً من بني حنيفة ، هي خَولة بنت جعفر بن قيْس الحنفيَّة ، فولدَت له مولودًا سمَّاهُ : محمَّدًا ، وكنَّاه بأبي القاسم ، بإذْنٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
فهذا اسمه ، وهذه كنيته ؛ القاسم محمّد بن علي .
هذا الاسم وهذه الكنيَة بإذْن من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، لكنّ الناس فيما بعد سموه : محمَّد ابن الحنفيَّة ، تفريقًا له عن أخَويْه الحسن والحسين ابني فاطمة الزهراء ، ثمّ عُرِف في التاريخ فيما بعد بِمُحمَّد ابن الحنفيَّة .
- شبيهٌ بأبيه :
نشأ محمدُ بن الحنفية نشأةَ أبيه فروسيةً وبطولةً وشدةً وشكيمةً ، فكان أبوه يُقحِمه في الشدائد والمعارك .
قال الإمام الجنيد رحمه الله تعالى :
{ لا أعلم أحدًا أخذ عن علي ، وأفاد منه ، أكثر من محمد ابن الحنفية }.
ندعوكم لقراءة : محمد ابن الحنفية
- أهل الشر :
هُم واللهِ كُثُر في كل زمان ومكان ؛ أهل النميمة والوقيعة بين الناس ، فقد قال له بعضهم يومًا :
لِمَ يُقحمك أبوك في مواطن لا يُقحم فيها أخويك الحسن والحسين ؟
وكان جواب ابن الحنفية على المغرضين عجبًا ؛ فقد ردَّ عليهم قائلًا :
لأن أخَوَيَّ هما عينا أبي ، وأنا يده ، فهو يقي عينيه بيديه !!
ياله من عاقلٍ لبيب ، برده القاطع العجيب ؛ لقد تجاوز حظ نفسه ، وفضّل أخويه ، والتمس العذر لأبيه ، و لم يسقط في فخ النميمة .
فليتنا نأخذ قبسًا من هذا الطُهر ، وهذه التربية النبوية .
رضي الله عنه وعن إخوته وكل الآل الأطهار والصحابة الأبرار ، ما تعاقب الليل والنهار .
- قائد كبير :
كان محمد ابن الحنفية رحمه الله قائدًا كبيرًا من قادة المعارك التي خاضها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، في الجمل وصفين ، حيث حمل الراية وأبلى بلاءً حسنًا ، وكان أبوه يعتمد عليه كثيرًا في هذه الحروب رغم صغر سنه .
لذا ساعدته هذه المرحلة كثيرًا على صقل شخصيته .
- في صفين :
شارك محمد بن الحنفية في الفتنة الكبرى بين أبيه علي ومعاوية بن أبي سفيان في معركة صفين ، وكان حامل لواء أبيه فيها .
يروي بنفسه فيقول :
( رأيتنا في صفين وقد التقينا مع أصحاب معاوية فاقتتلنا حتى ظننت أنه لن يبقى منا ولا منهم أحدٌ ، وما لبثت أن سمعت صائحًا من خلفي يصيح :
يا معشر المسلمين ، الله الله ، مَنْ للنساء والولدان ؟ من للدين والأعراض ؟ من للروم والديلم ؟
يا معشر المسلمين الله الله والبقيا .
فعاهدت نفسي ألا يُرفع لي سيف في وجه مسلم بعد ذلك اليوم ).
- ابن الحنفية يبايع معاوية !!
لمَّا آلَ الأمر إلى معاوِيَة بن أبي سفيان ، بايعَهُ محمّد بن الحنفيّة على السَّمع والطاعة في المنشط والمكْره ، رغبةً في رأب الصَّدع ، وجمْع الشَّمل ، وعزّة الإسلام والمسلمين .
معنى ذلك هناك مصالح عليا ، فهذه مُفضَّلَة ومُقدَّمة على المصالح الخاصَّة ، والإنسان بِقَدْر إخلاصه يؤْثر مصْلحة مجموع المسلمين على مصالح الأفراد ، طبعًا هناك خلاف عميق بين والدِهِ وبين معاوية ، ومع ذلك لمّا آل الأمر إلى معاويَة ، بايعَهُ رأْبًا للصَّدع ، وجمْعًا للشَّمْل ، وإعزازًا للإسلام والمسلمين .