معلم الصدق

معلم الصدق هو رسولنا الكريم محمد بن عبدالله ، صلى عليه ربه ومولاه .

والمتعلم هو كل مسلم آمن بالله ربًّا ، وبالإسلامِ دينًا ، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا .

– الصدق :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقًا مع ربه ، صادقًا مع نفسه ، صادقًا مع أهله ، صادقًا مع أصحابه ، صادقًا مع أعدائه ، صادقًا مع الناس جميعًا ، ولو كان الصدق رجلًا لكان هو .

قال الله الملك الحق : ” يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ “. (التوبة : 119)

وقال الله جل في علاه : ” فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ “. (محمد : 21)

ومن أشهر أحاديث الصدق ، الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صديقًا “. (متفق عليه)

وقال الصادق صلى الله عليه وسلم : ” البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صَدَقَا وبيَّنا بُورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكانت مُحقت بركة بيعهما “. (متفق عليه)

قال إياس بن معاوية الذكي الألمعي ( مضرب المثل في الذكاء ) : ” إن أشرف خصال الرجل : صدق اللسان ، ومن عُدِمَ فضيلة الصدق فقد فُجِعَ بأكرم أخلاقه “. (البداية والنهاية لابن كثير)

وهذا الأحنف بن قيس ( الذي يُضرَب به المثل في الحِلم ) ، قال لابنه : ” يا بني ، يكفيك من شرف الصدق أن الصادق يُقبَل قوله في عدوه ، ومن دناءة الكذب أن الكاذب لا يُقبَل قوله في صديقه ولا عدوه “.

وقال أيضًا : ” لكل شيء حلية ، وحلية المنطق الصدق “.

– الصدق أكبر القيم القرآنية :

بقلم بدري المداني ( جريدة المغرب )

الصدق من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم ، وأصحاب الصدق من ذوي المراتب العالية بحسب القرآن الكريم ، قال الله تعالى :
” وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا “. (النساء : 69)

فـالصديقون : قوم دون الأنبياء في الفضيلة ، ودرجتهم بعد درجة النبيين . ومعنى الصدق مطابقة القول الضميرَ والمُخْبَر عنه معًا .

وقد ورد لفظ الصدق في القرآن الكريم في ثلاثة وخمسين ومائة 153 موضعًا ، جاء في واحد وثلاثين 31 بصيغة الفعل ، نحو قوله تعالى : ” وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ “. (آل عمران : 152)

وجاء في اثنين وعشرين ومائة 122 موضعًا بصيغة الاسم ، من ذلك قوله سبحانه : ” وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ ” (الزمر : 33) .. وأكثر ما ورد لفظ الصدق بصيغة جمع المذكر السالم المنصوب أو المجرور ، حيث جاء في خمسين موضعًا ، من ذلك قوله عز وجل : ” يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ “. (التوبة : 119)

وأكثر ما ورد لفظ الصدق باشتقاقاته المختلفة وصفًا للمؤمنين ، فجاء في القرآن على معانٍ ، هي :

ندعوكم لقراءة : بين النبي والصديق

وكثيرًا ما تُلصق بكلمة الصدق كلمة أخرى في أدعية مثل ما أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق ، فقال سبحانه : ” وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ “. (الإسراء : 80)
وأخبر سبحانه عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه سأله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين .
وبَشَّر عباده أن لهم قدم صدق ، فقال : ” وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ “. (يونس : 2)
وبشرهم أيضًا أنهم ” فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ “. (القمر : 55)

فهذه خمسة أشياء : مُدخل الصدق ، ومُخرج الصدق ، ولسان الصدق ، ومقعد الصدق ، وقدم الصدق .

أما مُدخل الصدق ومُخرجه فقد تعددت الأقوال في المراد منهما ، ورجح الطبري أن المراد : أدخلني المدينة مدخل صدق ، وأخرجني من مكة مخرج صدق ، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من التابعين .. وأما لسان الصدق فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصدق ليس بالكذب .. وقدم الصدق ، ذكر الطبري في المراد منه أقوالًا ، ورجح أن المراد أن لهم أعمالًا صالحة عند الله يستوجبون بها منه الثواب .. ومقعد الصدق هو الجنة عند ربهم تبارك وتعالى ، قال ابن كثير : أي : في دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه وجوده وإحسانه .

نخلص ، أن لفظ الصدق من الألفاظ المحورية التي تواتر ذكرها في القرآن الكريم باشتقاقات مختلفة وتصريفات متعددة ، وقد ورد هذا اللفظ -في الأغلب- وصفًا للمؤمنين بالله حق الإيمان ، مع الإشارة إلى أن ألفاظ الصدقة ، والتصدق ، والمتصدقين ، ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت لفظ الصدق ، قد جاءت في مواضع عديدة من القرآن الكريم تفيد معنى البذل والعطاء . (انتهى)

– الصدق في السُّنة :

جاءت الأحاديث النبوية متضافرة في الحث على الصدق ، والأمر به ، وأنَّه وسيلة إلى الجنة .

– عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ” إنَّ الصدق يهدي إلى البرِّ ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة ، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكون صِدِّيقًا ، وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور ، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار ، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا “. (متفق عليه)

قال النووي في شرحه لهذا الحديث :
( قال العلماء : هذا فيه حث على تحرِّي الصدق ، وهو قصده والاعتناء به ، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه ؛ فإنَّه إذا تساهل فيه كثر منه ، فعُرف به ، وكتبه الله لمبالغته صِدِّيقًا إن اعتاده ، أو كذَّابًا إن اعتاده .. ومعنى يُكتب هنا يحكم له بذلك ، ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم ، أو صفة الكذابين وعقابهم ، والمراد إظهار ذلك للمخلوقين ، إما بأن يكتبه في ذلك ؛ ليشتهر بحظِّه من الصفتين في الملأ الأعلى ، وإما بأن يلقي ذلك في قلوب الناس وألسنتهم ، وكما يُوضع له القبول والبغضاء ، وإلا فقدر الله تعالى وكتابه السابق بكلِّ ذلك ).

– وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة في طعمة “.

– وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدَّثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضُّوا أبصاركم ، وكفُّوا أيديكم “.

أي : (( اضمنوا لي ستًّا )) من الخصال ، (( من أنفسكم )) بأن تداوموا على فعلها ، (( أضمن لكم الجنة )) أي دخولها ، (( اصدقوا إذا حدثتم )) أي : لا تكذبوا في شيء من حديثكم ، إلا إن ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة الصدق ، في أمر مخصوص ، كحفظ معصوم .

– وعن أبي محمد ، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : “دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ؛ فإنَّ الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة “. (رواه أحمد والترمذي والبيهقي)

أي : اترك ما تشكُّ في كونه حسنًا أو قبيحًا ، أو حلالًا أو حرامًا ، (( إلى ما لا يريبك )) أي : واعدل إلى ما لا شك فيه يعني ما تيقنت حسنه وحِلَّه ، (( فإنَّ الصدق طمأنينة )) أي : يطمئن إليه القلب ويسكن ، وفيه إضمار أي محلُّ طمأنينة أو سبب طمأنينة ، (( وإنَّ الكذب ريبة )) أي : يقلق القلب ويضطرب ، وقال الطِّيبي : جاء هذا القول ممهدًا لما تقدمه من الكلام ، ومعناه : إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء فاتركه ؛ فإنَّ نفس المؤمن تطمئنُّ إلى الصدق وترتاب من الكذب ، فارتيابك من الشيء منبئ عن كونه مظنَّة للباطل فاحذره ، وطمأنينتك للشيء مشعر بحقيقته فتمسك به ، والصدق والكذب يستعملان في المقال والأفعال وما يحقُّ أو يبطل من الاعتقاد ، وهذا مخصوص بذوي النفوس الشريفة القدسية المطهرة عن دنس الذنوب ، ووسخ العيوب .

– وعن أبي سفيان في حديثه الطويل في قصة هرقل عظيم الروم قال هرقل : فماذا يأمركم -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- قال أبو سفيان قلت : يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة ، والصدق ، والصدقة ، والعفاف ، والصلة .

اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على الصادق المصدوق إمامنا وسيدنا وقدوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .

Exit mobile version