نبينا محمد ﷺ

مدرسة النبي محمد ﷺ 4

مدرسة النبي محمد ﷺ :

  • معاذ والجنة :

طالبٌ نجيب ، وإلى قلب النبي قريب ، وهو إمامٌ وفقيه ، وفي قومه وجيه ؛ قال عنه معلمه محمد صلى الله عليه وسلم : ” أعلم أمتي بالحلال والحرام : معاذ بن جبل “.
أسلم معاذ رضي الله عنه وهو ابن ثماني عشرة سنة .
دخل يزيد بن قطب السكونی مسجد ” حمص ” فإذا هو يفتي وحوله الناس .. قال : فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ .. فقال : من هذا ؟ قالوا : معاذ بن جبل .
ولم لا وهو تلميذ نجيب تعلم في مدرسة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .
كان -رضي الله عنه- إذا تهجد من الليل قال : اللهم قد نامت العيون ، وغارت النجوم ، وأنت حي قيوم ، اللهم طلبي للجنة بطيء ، وهربی من النار ضعيف ، اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إليّ يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد . (صفة الصفوة ، لابن الجوزی)

  • أبو طلحة وأم سليم والصبر الجميل :

هل سمعتم في حياتكم مثل هذا الذي ذكره أنس بن مالك رضي الله عنه ، ورواه البخاري ومسلم من صَبْر هذه المسلمة العاقلة التقية النقية المحتسبة التي مات ابنها ، ولم تخبر زوجها عندما عاد إلى بيته مباشرة ، بل قدمت إليه العشاء ، ثم أصاب منها ، وبعد ذلك أبلغته !
يا لها من امرأة .. لله درها .

وإليكم ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : كان ابنٌ لأبي طلحة يشتكي ، فخرج أبو طلحة ، فقُبض الصبی ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم : هو أسكن مما كان ، فقربت إليه العشاء فتعشى ، ثم أصاب منها ، فلما فرغ قالت : واروا الصبي .
فلما أصبح أبو طلحة أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره .. فقال : ” أعرستم الليلة ؟ ” قال : نعم ، قال : ” اللهم بارك لهما ” ، فولدت غلامًا .. فقال لي أبو طلحة : احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعثت معه بتمرات ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ” أمعه شيء ؟ “.
قالوا : نعم ، تمرات .. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ، ثم أخذها من فيه فجعلها في فِيّ الصبي ثم حَنَّكَهُ وسَمَّاه عبدالله .

وفي رواية أخرى :
عن أنس رضي الله عنه قال : كان ابنٌ لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي ، فخرج أبو طلحة فقُبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم وهي أم الصبي : هو أسكن ما كان ، فقربت إلى زوجها العشاء فتعشى ، ثم أصاب منها ، فلما فرغ ، قالت: واروا الصبي ، فلما أصبح أبو طلحة أتی رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم .
قال : ” اللهم بارك لهما ” ، فولدت غلامًا ، فقال لي أبو طلحة : احمله حتى تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعث معه بتمرات.
فقال :” أمعه شيء ؟ ” ، قال : نعم ، تمرات ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في فِيّ الصبي ، ثم حَنَّكَهُ وسمَّاه ” عبدالله “. (متفق عليه)

وفي رواية للبخاري ، قال ابن عيينة : قال رجل من الأنصار : رأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن ، يعني من أولاد عبدالله المولود.
وفي رواية لمسلم : مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا التي أحدثه ، فجاء فقربت إليه عشاء ، فأكل وشرب ، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك ؛ فوقع بها ، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها ، قالت : يا أبا طلحة ، أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت ، فطلبوا عاريتهم ، ألهم أن يمنعوهم ؟
قال : لا .
فقالت : فاحتسب ابنك !
قال : فغضب ، ثم قال : تركتني حتى إذا تلطخت ، ثم أخبرتني بابني .. فانطلق حتی أتی رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان ، فقال رسول الله صلی الله عليه وسلم : “بارك الله في ليلتكما ” ، قال : فحملت .
قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقًا ، فدنوا من المدينة فضربها المخاض ، فاحتبس عليها أبو طلحة ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يقول أبو طلحة : إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ، وأدخل معه إذا دخل ، وقد احتبست بما ترى .. تقول أم سليم : يا أبا طلحة ، ما أجد الذي كنت أجد ، انطلق ، فانطلقنا ، وضربها المخاض حين قدما ، فولدت غلامًا ، فقالت لي أمي : یا أنس ، لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما أصبح احتملته ، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر تمام الحديث .

  • المعلم وأهل مصر :

أَوْصَى نبينا الكريم صلی الله عليه وسلم بأهل مصر خيرًا ؛ فإن لهم ذمة ورحمًا أو ذمة وصهرًا ؛ فالرحم التي لأهل مصر ؛ کون هاجر أم إسماعيل عليهما السلام منا ، والصهر کَوْن مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مصر .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ستفتحون مصر ، وهي أرض يُسَمّى فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرًا ؛ فإن لهم ذمة ورحمًا “. (رواه مسلم : 2543)
صلى عليك الله يا علم الهدی ، وعلى آلك وصحبك أجمعين .

  • ابن عمر وأبر البر :

عبدالله بن عمر -رضی الله عنهما- سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه “. (رواه مسلم : 2552)
فما إن رأى التقي النقي المُتَبع ابن عمر رجلًا من الأعراب بطريق مكة ، حتى سَلَّم عليه ، وحمله على حمار كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه .
قال عبدالله بن دينار ( راوي الحديث ) : فقلنا له : أصلحك الله ؛ إنهم الأعراب ، وهم يرضون باليسير ، فقال عبدالله بن عمر : إن أبا هذا كان ودًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه “. (رواه مسلم : 2052)

هل رأيتم إكرامًا وتكريمًا مثل هذا ؟

إنه تلميذُ نجيب في مدرسة الحبيب .

ندعوكم لقراءة : مدرسة النبي محمد ﷺ 1

  • الحكم على الظاهر :

– المعلم صلى الله عليه وسلم يؤكد على إجراء أحكام الناس على الظاهر ، وسرائرهم إلى الله عز وجل ، وها هو يُعَلِّم المقداد رضي الله عنه ، الذي سأل المعلم صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار ، فاقتتلنا ، فضرب إحدى يدي بالسيف ، فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة ، فقال : أسلمت لله ، أأقتله یا رسول الله بعد أن قالها ؟ فقال : ” لا تقتله ” ، فقلت : يا رسول الله ، قطع إحدى يديّ ، ثم قال ذلك بعد أن قطعها ، فقال المعلم : ” لاتقتله ؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال “. (متفق عليه)
ومعنى ” إنه بمنزلتك ” أي : معصوم الدين محكوم بإسلامه ، ومعنى ” إنك بمنزلته ” : أي مباح الدم بالقصاص لورثته ، لا أنه بمنزلته من الكفر ، والله أعلم .

– وهذا اسامة بن زيد حِبّه وابن حبه رضي الله عنهما يحكي عن موقف آخر في هذا الصدد ، يقول : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَة من جهينة ، فصبحنا القوم على مياههم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فَكَف عنه الأنصاري ، وطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا المدينة ، بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : ” يا أسامة أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ؟ فما زال يكررها عليّ ، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم “. (متفق عليه)

– وفي رواية : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟ ” ، قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح ، قال :” أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟ “.
فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .

– ألم يقل المعلم صلی الله عليه وسلم : ” من قال : لا إله إلا الله ، وكفر بما يُعبَد من دون الله ، حَرم ماله ودمه ، وحسابه على الله تعالی “. (رواه مسلم : 23)

– وهذا هو الطالب الثاني من المتفوقين في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن أنصت جيدًا لشرح المعلم ، وفَقِه الدرس جيدًا ، يقول بعد ذلك : ” إن ناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن اظهر لنا خيرًا، أَمَّنَّاه وقَرَّبنَاه ، وليس لنا من سريرته شیء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن اظهر لنا سوءًا ، لم نأمنه ، ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة “. (رواه البخاری : 2641)

  • النبي يبکي :

هل يبكي النبي صلى الله عليه وسلم ؟
نعم ، محمدٌ رسول الله وحبيبه ومصطفاه يبكي .

– يبكي وهو يحمل حفيده وهو يحتضر ؛ ففاضت عيناه ، وأخذ يقول : “هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده “.
فعن أبي زيد أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، قال : أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إنَّ ابنًا لي قُبض ، فأتنا ، فأرسل يُقرئ السلام ، ويقول : ” إن لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فلتصبر ، ولتحتسب ” ، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها ، فقام ومعه سعد بن عبادة ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ورجال ، فرُفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تتقعقع -قال : حسبته أنه قال : كأنها شَنٌّ- فاضت عيناه ، فقال سعد : يا رسول الله ، ما هذا ؟ قال : ” هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء “. (البخاری : 1284 – ومسلم : 11)

– وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اقرأ عليَّ القرآن ” ، قال : قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزِل القرآن ، قال : ” نعم ” ، قال : فقرأت سورة النساء حتى إذا انتهيت إلى هذه الآية : ” فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيدًا “. (النساء : 41) ، قال : ” حَسْبُكَ الآن ” ، فالتفت إليه ، فإذا عيناه تذرفان . (البخاري : 5050 – ومسلم : 247)

– وعن عبدالله بن الشخير قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء . (أبوداود : 904 – والنسائی : 13/3)

– وعن أنس رضي الله عنه قال : شهدنا بنتًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر ، قال : فرأيت عينيه تدمعان ، قال : فقال : ” هل منكم رجل لم يقارف الليلة ؟ ” ، فقال أبو طلحة : أنا ، قال : ” فانزل ” ، قال : فنزل في قبرها . (البخاری : 1285) – ( لم يقارف : أي لم يجامع أهله )

– وبكي على ابنه إبراهيم ، وبکی لاحتضار سعد بن عبادة ، وبکی شفقة ورحمة لأمته ، وبکی رحمة لأمه عندما زار قبرها ، و أبكي من حوله -بأبي وأمي وروحي- صلى الله عليه وسلم .

– وبکی لإصابة أمراء الجيش زيد وجعفر وابن رواحة في مؤتة .

– وبكی لموت عثمان بن مظعون ، رضي الله عن الصحابة أجمعين .

كان هذا جانبًا من جوانب حُسْن أخلاقه صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كان بكاؤه رحمةً وشفقةً وتأثرًا بمصاب آله وصحبه رضي الله عنهم.
وكان في كل بكائه راضيًا عن الله عز وجل ، راضيًا بقضائه وقدره .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأولين ، وفي الآخرين ، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين .

  • النبي ينعي نفسه إلى الزهراء :

عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : ” مرحبًا بابنتي ” ، فأجلسها عن يمينه أو عن شماله .
ثم إنه أَسَرّ إليها حديثًا ؛ فبكت فاطمة ، ثم إنه سارَّها ؛ فضحكت أيضًا .

فقلت : ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن .
فقلت لها حين بكت : أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ، ثم تيكين ؟ وسألتها عما قال ، فقالت: ما كنت لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حتى إذا قُبِض سألتها فقالت : إنه كان حدثني : ” أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وأنه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلى ، وأنك أول أهلى لحوقًا بي ، ونعم السلف أنا لك ” ؛ فبكيت لذلك .
ثم إنه سارني فقال : ” ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ” ؛ فضحكت لذلك .
(متفق عليه : رواه البخاری : 3624 – ومسلم : 2450)

اللهم صلِّ على نبينا محمد وآله وأنصاره .. صلاةً دائمةً تحلنا دار القرار في جواره .

زر الذهاب إلى الأعلى