مدرسة النبي محمد ﷺ 2
مدرسة النبي محمد ﷺ :
- سيد المتواضعين صلى الله عليه وسلم :
أمره رب العزة جل في علاه أن يخفض جناحه لمن يتبعه من المؤمنين ؛ فامتثل أمر ربه ، وكان سيد المتواضعين صلى الله عليه وسلم ، ولم لا وقد أوحى إليه ربه سبحانه وتعالى : ” أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد ” ، کما روی ذلك الإمام مسلم رحمه الله .
فقد كان من تواضعه الجم صلى الله عليه وسلم أنه كان يمر على الصبيان ، فيسلم عليهم ، وكانت الأَمَة ( الفتاة الصغيرة ) من إماء المدينة لتأخذ بيده ، فتنطلق به حيث شاءت !!
- النبي في بيته :
كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله -يعني في خدمة أهله- كما قالت أمنا عائشة رضی الله عنها وأرضاها .
وهذا تميم بن أسيد رضي الله عنه قال : ” انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فقلت : يارسول الله ، رجل غريب جاء يسأل عن دينه ، لا يدري ما دينه ؟ فأقبل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترك خطبته حتى انتهى إليّ ، فأتى بكرسي ، فقعد عليه ، وجعل يعلمني مما علمه الله ، ثم أتي خطبته ، فأتم آخرها “. (رواه مسلم : 876)
و هذا أنس -خادم رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث “. (رواه مسلم : 2034)
وكان يحدث ويقول : ” كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة “. (رواه البخاری : 2292)
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت ، ولو أُهدِيَ إليّ ذراع أو كُراع لقبلت “. (البخاری : 2568)
- عند فتح مكة :
دخلها صلی الله عليه وسلم فاتحًا منتصرًا حانيًا رأسه لله جل وعلا حتى كادت لحيته أن تلامس دابته التي يركبها وهو يذكر الله ويشكره ويقرأ سورة الفتح .. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام وطاف بالكعبة المشرفة ، فصرخ سعد بن عبادة قائلًا : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تُستحل الحُرمة .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” اليوم يوم المرحمة .. هذا يومٌ يعظم الله فيه الكعبة “. (البخاری : 4280)
وأنصتوا إلى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشهد بتواضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد خدمه عشر سنين يقول : ” خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما قال لي قط : أف ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلت كذا ؟ “. (رواه البخاری :3591 – ومسلم : 2330)
هل سمعتم عن مثل هذا التواضع من قبل ؟
هل جاءتكم أنباء مثل هذه الأخلاق في السابق ؟ ولن يأتي مثلها في اللاحق ؛ ولم لا وقد زكاه خالقه ومولاه تزكية لم يزك بها أحدًا سواه ، وهي قوله جل في علاه : ” وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ “. (القلم : 4)
من أَدَّبه ؟ ومن عَلَّمه ؟
عَلَّمه الذي قال : ” وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ “. (آل عمران : 134)
عَلَّمه القائل في محكم التنزيل : ” خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ “. (الأعراف : 199)
فَقَّهَهُ الحليم الحكيم القائل : ” وَلَا تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ “. (فصلت : 34-35)
أما عن عفوه وإعراضه عن الجاهلين ، فيكفي هذا الموقف الفريد ؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : یا رسول الله ! هل أتى عليك يومٌ كان أشد من يوم أحد ؟
فقال : ” لقد لقيت من قومك ، فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن گلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم “.
قال : ” فناداني ملك الجبال ، فَسَلَّمَ عليّ ثم قال : يا محمد ! إن الله قد سمع قول قومك ، وأنا مَلَكَ الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين “.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولايشرك به شيئًا “. (متفق عليه)
- حسن القضاء :
هيا لنسمع أبا هريرة رضي الله عنه وهو يحكي عن أعرابي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ، فأغلظ له ، فَهَمَّ به أصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا “، ثم قال : ” أعطوه سِنًّا بِسِنِّه ” ، قالوا : يا رسول الله لا نجد إلا أَمْثَلَ من سِنِّه ، قال : ” أعطوه ؛ فإن خيركم أحسنكم قضاء “. (متفق عليه)
- محبة تفوق الخيال :
في رحلة الهجرة كان أبو بكر رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم مرة ، وخلفه مرة ، وعن يمينه مرة ، وعن يساره مرة ؛ فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : ” مالك يا أبا بكر ؟ “.
فقال أبو بكر : یا رسول الله ! أذكر الطلب -أي الكفار الذين يطاردونك- فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد -أي الجواسيس الذين يرصدونك ويعدون لك الكمائن- فأمشي أمامك وعن يمينك وعن شمالك ؛ فأنا أخشى عليك منهم يا رسول الله .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم متسائلًا : ” يا أبا بكر لو كان هناك أذى ينتظرني لأحببت أن يكون بك دونی ؟ “.
فقال أبو بكر : أجل يا رسول الله ؛ فلئن قُتلت أنا ؛ فإنما أنا رجلٌ واحد ، ولئن قُتلت أنت ضاعت الأمة كلها .
وفي الطريق استراح النبي صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة ، وذهب أبو بكر ليبحث له عن اللبن ، ثم أتي به ، وانتظر حتى استيقظ رسول الله ، فقال له : اشرب یارسول الله ، فشرب ، ثم قال له : اشرب .
يقول أبو بكر : شرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت ؛ أي شرب رسول الله وارتوى الصديق لشرب صاحبه وارتوائه !!
هل رأیتم حُبًّا كهذا الحب ؟ هل رأيتم إيثارًا بهذا الشكل ؟!
ندعوكم لقراءة : مدرسة النبي محمد ﷺ 3
- وما زلنا مع المحبة :
في مصرع أبي جهل ومع غلامين صغيرين هما : معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح .
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : بينما أنا واقف في الصف يوم بدر ، فنظرت عن يميني وعن شمالي ، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما ، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما فقال : يا عم ، هل تعرف أباجهل ؟ قلت : نعم ، ما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال : أُخبرت أنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والذي نفسي بيده ، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر ، فقال لي مثلها ، فلم انشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، قلت : ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتمانی ، فابتدراه بسيفيهما ، فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبراه ، فقال : ” أيكما قتله ؟ “
قال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال : ” هل مسحتما سيفيكما ؟ ” ، قالا : لا ، فنظر في السيفين ، فقال : ” كلاكما قتله ” ، وأعطى سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح .
- عمر والعباس :
قال عمر بن الخطاب للعباس -رضی الله عنهما- ذات يوم : واللهِ لإسلامك حين أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب أبي لو أسلم ؛ وذلك أني عرفت أن إسلامك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب .
ما هذا الحب والتقدير والإيثار لهؤلاء الرجال ، الذين كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ من أجل ذلك مدحهم ربهم وأثنى عليهم في قرآن يُتلَى إلى يوم القيامة .
- والنساء كذلك :
عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال : مَرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وابنها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نُعُوا لها ، قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
قالوا : خيرًا يا أم فلان ، هو بحمد الله كما تحبين ، قالت : أرونينه حتى أنظر إليه ، قال : فأشير لها إليه ، حتى إذا رأته ، قالت : كل مصيبة بعدك جلل . ( تعني بقولها أن كل شيء يهون ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم بخیر )
كانت هذه بعض النماذج من الحب والتضحية من الجميع : رجال ونساء وغلمان ، وهذا قليلٌ من كثير .
فهل تعرفون نماذج كهذه النماذج ؟
إذا عرفتم فدلونا عليها .
- المعلم وأزواجه :
في مسألة تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام ، إلا على الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإن المعلم صلى الله عليه وسلم قد أعلنها صريحة من فوق منبره الشريف : ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا “. سمعت نساء النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ، ومنهن أم حبيبة الذي مات أبوها أبوسفیان بن حرب ، فدعت بطيب فيه صُفْرَة خلوق أو غيره ، فدهنت منه جارية ، ثم مست بعارضيها ، ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة ، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ، وذكرت الحديث السابق .. وكذلك فعلت زینب بنت جحش حين تُوفي أخوها .. رضى الله عنهما وعن أمهات المؤمنين جميعًا .
( روى هذا الحديث الإمامان البخاري ومسلم عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما ).
- المعلم والمدح :
کره رسول الله صلى الله عليه وسلم المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة ، وأجازه لمن أمن ذلك في حقه ، فقد سمع رسول الله صلی الله عليه وسلم رجلًا يُثني على رجل ويطريه في المدحة ، فقال : ” أهلكتم ، أو قطعتم ظهر الرجل “. (متفق عليه) – ( والإطراء : المبالغة في المدح )
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلًا ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأثنى عليه رجل خيرًا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ويحك قطعت عنق صاحبك ” ، يقوله مرارًا : ” إن كان أحدكم مادحًا لا محالة ، فليقل : أحب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك ، وحسيبه الله ، ولا يُزَگَّی على الله أحد “. (متفق عليه)
واللهِ لم يترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا إلا علمنا إياه ، حتى دخول الخلاء !!
- المعلم والأنصار :
في يوم فتح مكة ، أراد المعلم صلى الله عليه وسلم أن يعطى لأهل مكة من الذين أسلموا يوم الفتح بعض المكاسب والغنائم ؛ حتى يصلح قلوبهم ، فلما رأى الأنصار هذا حزنوا في أنفسهم ، وقالوا : وَجَدَ رسول صلى الله عليه وسلم أهله ؛ فأعطاهم .
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ؛ جمع الأنصار في مكان واحد ، وخطب فيهم قائلًا : ” يا معشر الأنصار ، ما هذا الذي بلغني عنكم ؟ لو شئتم لقلتم : جئتنا خائفًا فأَمَنَّاك ، وطريدًا فآويناك ، ومخذولًا فنصرناك “.
قالوا : بل لله المن والفضل علينا ورسوله .
فقال صلى الله عليه وسلم : ” يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضُلَّالًا ، فهداكم الله بي ؟
ألم أجدكم متفرقين ، فألفكم الله بي ؟
وعالة ، فأغناكم الله بي ؟ “.
ثم قال المعلم والمربی صلی الله عليه وسلم : ” أما ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وتذهبون أنتم برسول الله ؟ ، واللهِ ، لو سلك الناس طريقًا وسلك الأنصار طريقًا لسلكت طريق الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت من الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار “.
فبكى الأنصار حتى ابتلت لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله حظًا وقسمًا ونصيبًا . (رواه أحمد ، وصححه الألباني في فقه السيرة 397/1)
فَيَا حَظَّ الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأحفاد الأنصار !
اللهم صلِّ وسلم وبارك على صاحب المدرسة المحمدية ، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار .