همم وقمم

محدث مصر

قال عنه ابن جبرين : ” محدث مصر ” ؛ فهو محدثٌ مصري ، يُحَدِّث عن حضرة النبي ، كان تلميذًا للعلامة الألباني ، لمع مع حسان ويعقوب ومصطفى العدوي ؛ فلهم دورٌ كبير في المجال الدَّعَوِي ، ولهم أسلوبٌ مختلف ولهم حضورٌ قوي .
في الجامعة التحق بالقسم الأسباني ، فكان من أوائل دفعته ؛ فهو ذكي ألمعي .
تحول إلى خدمة الدين الإسلامي .

وُلِدَ المحدث الكبير في يوم الأحد غرة ذي القعدة لسنة خمس وسبعين وثلاثمائة وألف ، من الهجرة ( 1 ، وقيل 2 من ذي القعدة 1375هـ ) ، الموافق العاشر من شهر يونيه ، لسنة ست وخمسين وتسعمائة وألف ( 10 / 6 / 1956م ) ، ( بقرية حُوَين ) بمحافظة كفر الشيخ ، بمصر .

– نشأته :

نشأ الشيخ في بيت صلاح وفضل ، وفطرة سليمة ، لوالد محب لدينه ، مُعَظِّم لشرائعه ، فكان صوَّامًا ، قوَّامًا كما حدَّث عنه الشيخ .

وعن أثر الوالد في الشيخ يقول الشيخ حفظه الله : « أخذنا من والدي صلاحه ، وكان محبًّا لأهل الديانة ».

– مراحل دراسة الشيخ في المؤسسات التعليمية :

1- درس المرحلة الابتدائية بمدرسة الوزارية الابتدائية بقرية الوزارية .

2- درس المرحلة الإعدادية بالمدرسة الإعدادية القديمة ، بعاصمة المحافظة كفر الشيخ .

3- درس المرحلة الثانوية بمدرسة الشهيد عبد المنعم رياض ، بعاصمة المحافظة كفر الشيخ ، وهي ملاصقة للمدرسة الإعدادية .

4- درس المرحلة الجامعية ، بجامعة عين شمس ، كلية الألسن ، قسم اللغة الإسبانية ، بالقاهرة ، وكان طيلة السنوات الأربع لا يَتخلف عن الثلاثة الأوائل على دفعته .

5- وأُرْسل إلى بعثةٍ لإسبانيا ؛ لتفوِّقه ، ولم يمكث هنالك أكثر من شهرين تقريبًا ، لكَدَرِ نفسه بالمخالفات التي كانت في الديار الإسبانية ، وبهذه الرحلة أعفى لحيته ، ثم عاد إلى مصر .

– بداية تعلُّقه بالقراءة ، ومن ثَمَّ بطلبِ العلمِ :

بدأ الشيخُ منذ صِغرِه بالتعلُّق باللغة العربية وآدابها ، فكان يَقرأ القصص الأدبية ؛ مثل : «النظرات» و«العبرات» لمصطفى لطفي المنفلوطي ، و«شارع الذكريات» لجليل البنداري .
ومن الأدبِ العالمي : «قصة رامونا» ، وغيرها .

وأقبل الشيخُ على الشِّعْر بنهمةٍ وحُبٍّ ، فقرأ أشعار البارودي وشوقي وحافط وعلي الجارم ، ومحمود حسن إسماعيل ، وغيرهم -رحمهم الله- ، وقد كان البارودي -فارس السيف والقلم- مُحَبَّـبًا إليه ، فهو الذي غرس في قلبِه بذرة تذوُّق الشعر ، وقد كان الشيخُ يَعُدُّه مِمَّن يستحق لقب متنبي العصر .

وألَّف الشيخُ دواوينَ في الشعرِ تناسبتْ مع سنِّه آنذاك ، والتحق بقصر الثقافة بعاصمة محافظة كفر الشيخ ، وكان مُتميزًا جدًّا ، وكان أصغر شاعر في قصر الثقافة في ذاك الوقت .

كما قرأ الشيخ منذ صغره في كتب الأدب ، لا سيما للأديب البارع الكبير مصطفى صادق الرافعي ، والعلامة محمود شاكر -رحمهما الله- ، والذي تأثر الشيخُ به جدًّا ، وندِمَ على عدم حضور مجالسه ، كما قرأ أيضًا لعباس محمود العقاد غيرَ مقبلٍ بقلبه عليه ، وكذلك قرأ لتوفيق الحكيم ، وليحيى حقي صاحب «قنديل أم هاشم» ، ولغيرهم -رحمهم الله- .

– دراسة علم الحديث :

كان دائمًا يقول عنه : هو حبي وحياتي .

بدأ يُوظف دراسته لجميع فروع العلم الشرعي من خلال دراسته لعلوم الحديث .

وأخذ يَبحث عن مكتبةٍ للمذاكرة والبحث ، حتى وُفِّقَ لِـ «مكتبة المصطفى» لصاحبها الشيخ حامد إبراهيم -رحمه الله- ، ولأول مرة رأى الشيخ مكتبة بهذا الحجم الضخم ، والترتيب أيضًا .

وقد فُتِحَ له قلبُ الشيخ حامد ، وأحبه كثيرًا ، وأكرمه بسماحِهِ له بالمبيت في المكتبة ، لا سيما في فترة التحاق الشيخ بالخدمة العسكرية ، والتي وصفها الشيخ بالمرحلة الذهبية في طلبه للعلم .

وقد أهدى الشيخ حامد -رحمه الله تعالى- إلى الشيخ سنن الدارمي ، طبعة سيد هاشم يماني ، وهو الذي وجه نظر الشيخ إلى تخريج سنن ابن ماجه .

وبعد ذلك بحث الشيخ عن شيوخ علم الحديث ، وكان الشيخ وصل إلى عامه العشرين تقريبًا ، وكان العلم غريبًا آنذاك ، لا سيما علم الحديث ، ولم يكن من السهل الوصول لمتخصصٍ في هذا العلم يُتلقى عنه ، ولكن بعد قصة الشيخ مع شيخه الشيخ كشك ، عزم على البحث عن شيخٍ يَشرح له هذا العلم .

وعن هذا يقول الشيخ في مقدمة كتابه «تنبيه الهاجد» : « وطفقت أسأل كل من ألقاه من إخواني عن أحدٍ من الشيوخ يَشرح هذا العلم ، أو يدلني عليه ، فأشار عليَّ بعضُ إخواني -وكان طالبًا في كلية الهندسة- أن أحضر مجالس الشيخ محمد نجيب المطيعي -رحمه الله تعالى- ، وكان شيخنا -رحمه الله- يُلقي دروسه في «بيت طلبة ماليزيا» ، بالقرب من ميدان «عبده باشا» ناحية العباسية ، وكان يشرح أربعة كتب ، وهي «صحيح البخاري» ، و«المجموع للنووي» ، و«الأشباه والنظائر» للسيوطي ، و«إحياء علوم الدين» للغزالي -رحمهم الله جميعًا- .

فوجدت في هذه المجالس ضالتي المنشودة ، ودُرَّتي المفقودة ، فلزمته نحو أربع سنوات ، حتى توقفت دروسه بعد الاعتقالات الجماعية التي أمر بها أنور السادات ، وانتهى الأمر بمقتله في حادث المنصة الشهير ، ورحل الشيخ المطيعي -رحمه الله- إلى السعودية ، وظل هناك حتى توفِّي -رحمه الله- بالمدينة ، ودُفن -رحمه الله تعالى- في البقيع -كما قيل لي- .

وأتاحتْ لي هذه المجالسُ دراسةَ نُبَذٍ كثيرة من علمي أصول الحديث ، وأصول الفقه ، ووالله ! لا أشطط إذا قلتُ : إنني أبصرت بعد العمى لَمَّا درست هذين العلمين الجليلين ، وأقرر هنا أن الجاهل بهذين العلمين لا يكون عالمًا مَهما حفظ من كتب الفروع ؛ لأن تقرير الحق في موارد النزاع لا يكون إلا بهما ؛ فعلم الحديث يُصحح لك الدليل ، وعِلم أصول الفقه يُسدد لك الفهم ، فهما كجناحي الطائر ».

– مع الألباني :

قال الشيخ : « سافرت إلى الشيخ الألباني في أول المحرم سنة ( 1407 هـ ) ، واستخرجتُ تصريح العمل الذي يُخوِّل لي السفر بأعجوبةٍ عجيبةٍ ، وأُمضيت ثلاثة أيامٍ في الطريق كان هواني فيها شديدًا ، ومع ذلك لم أكترثْ له ؛ لِمَا كان يحدوني من الأمل الكبير في لقاء الشيخ .

ووالله ! لقد عاينت من لطف الشيخ بي ، وتواضعه معي شيئًا عظيمًا ، حتى إنه قال لي يومًا : صحَّ لك ما لم يصحَّ لغيرك ، فحمدت الله عز وجل ».

– شيوخ الشيخ :

أول هؤلاء المشايخ : خاله الشيخ ( عبد الحي زيان -رحمه الله- ) ، وأخذ عليه القرآن .

والأستاذ ( عبد الفتاح الجزار -رحمه الله- ) ، وأخذ عليه اللغة العربية ، وكان الشيخ بعدما اشتُهِر بين الناس إذا رأى أستاذه الجزار في المسجد ؛ سارع إليه ، وقدمه لإلقاء كلمة ، فكان الشيخ يُجِلُّه ، ويُثني عليه كثيرًا .

والشيخ ( محمد نجيب المطيعي -رحمه الله- ) ، وأخذ عليه أصول الفقه ، وأصول علم الحديث ، ودرس عليه ما تيسر من «صحيح البخاري» ، و«المجموع للنووي» ، و«الأشباه والنظائر» للسيوطي ، و«إحياء علوم الدين» للغزالي .

والشيخ ( المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- ) وهو أقرب مشايخه إلى قلبه ، وقد تتلمذ له ، وتأثر بكتبه .

كما جلس الشيخ في الجامع الأزهر لجماعة من أساتذة العلوم الشرعية المختلفة ، وكان منهم : ( الدكتور موسى شاهين لاشين -رحمه الله- ) ، والذي كان رئيسًا لقسم الحديث ، في كلية أصول الدين ، جامعة الأزهر آنذاك .

والتقى الشيخ بنخبةٍ من أكابر علماء أهل السنة ، وحضر مجالس لهم ، وتعلَّم منهم ، وتتلمذ عليهم ، وتأثر بهم في العقيدة ، والفقه وأصوله ؛ منهم :

( الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- ).

( والشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- ) ، وحضر دروسه بالمسجد الحرام .

( والشيخ عبد الله بن قاعود-رحمه الله- ).

( والشيخ عبد الله بن جبرين -رحمه الله- ) ممن تأثر بهم الشيخ ، وقد التقى به الشيخ في جمع كبير ، ألقى الشيخ ابن جبرين محاضرة ، ثم تلاه الشيخ ، وألقى بعده محاضرة ، فأثنى عليه الشيخ ابن جبرين ثناءً عاطرًا ، حتى استحيى الشيخ من الحضور ، وهو يسمع هذا الثناء ؛ إذ وصفه الشيخ ابن جبرين -رحمه الله- «بمحدث مصر».

وكذلك من مشايخه أيضًا :

( الشيخ عبد الحميد كشك ) ، والذي تعلم منه عاطفته نحو دينه .

( والشيخ محمد جميل غازي ) ، وقد أخذ عنه نُبذًا كثيرة من التفسير وأصوله .

( والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ) ، والذي قال عنه الشيخ : « إن له فضلًا كبيرًا على الصحوة السلفية في مصر ، وجُل مشايخ مصر الآن هم ثمرات كتبه » ، ثم التقى الشيخ به فيما بعد ، وقال له الشيخ عبد الرحمن : لو أن الأعمار تُوهب ، لكنت وهبتُ عمري لك ، وللشيخ ابن باز -رحمه الله- .

( والدكتور عبد الفتاح الحلو -رحمه الله- ) ، وقد تعلم منه أصول التحقيق .

وغيرهم كثير من أهل العلم ، وهناك من لقيهم الشيخ في مصر ، وغيرها ، لا سيما في رحلاته في النسك ، والدعوة .

ومع مخالفة الشيخ لبعض مشايخه في مسائلَ ، إلا أنه يَحمل لهم من الحب والتقدير والتوقير ما يَشهد به من عرفه ، وقرأ له ، وحضر مجالسه العامة ، والخاصة .

ولكن نُنبه هنا ، أنه بسبب غربة العلم الصحيح وأهله ، لا سيما في مصر ، ودخول الشيخ منذ بدايته في الطلب للعمل الدعوي ، لم يتسنَّ له أن يرحل لكل من يرتضي ويحب من العلماء ، فحينئذ جعل لنفسه أولويات في هذا الباب ، وكان أولها أن يرحل إلى الشيخ المحدث الألباني ، وقد وُفِّق إلى ذلك ، ولله الحمد والمنة .

وممن تعلم الشيخ منهم وتتلمذ على كتبهم ، وقد أدركه ، ولم يلقه : الشيخ العلامة المحقق ( سيد أحمد صقر -رحمه الله- ) ، الذي حقق : إعجاز القرآن للباقلاني .

وكذا الشيخ الكبير( سيد سابق -رحمه الله- ) ، وقد بدأ الشيخ بدراسة الفقه في أول طريقه على كتابه المشهور «فقه السنة» ، فهو أول كتاب درسه في الفقه .

– ثناء أهل العلم على محدث مصر :

وقد أثنى على الشيخ جماعةٌ من أهل العلم والفضل ، منهم :

  • شيخه الإمام الألباني ، حيث قال له : « صَحَّ لك ما لم يصحَّ لغيرك ».
  • وأثنى عليه في مواضعَ متفرقةٍ من كتبه ، ونعته بصديقنا الفاضل ، وأثنى على كتابه «غوث المكدود».
  • كما أثنى عليه كثيرون ، ولامجال لذكرهم في هذا المقام .

– القنوات الفضائية :

بعد إلحاح شديد من بعض رفقائه ، استجاب الشيخ وظهر في عدة قنوات إسلامية ، كقناة خير في برنامج : فاسمع إذًا ، وقناة الحكمة في برنامج : حرس الحدود ، وزهر الفردوس ، ومدرسة الحياة ، ومنتدى الحكمة ، وكان يحاوره فيه الأستاذ وسام عبد الوارث ، وبرنامج : الخيمة الرمضانية ، وأولئك آبائي يحاوره فيهما الإعلامي إبراهيم اليعربي ، وقناة الناس في برنامج : فضفضة ، وأيضًا برنامج : أندى العالمين ، يحاوره الشيخ خالد عبد الله ، وأخيرًا في قناة الندى ، وله حلقات بعنوان : أصداف اللؤلؤ ، وفيها تكلم الشيخ عن شيء من سيرته ، لا سيما ما يتعلق بحياته العلمية ، ومكتبته ، وبرنامج : الغواص ، يحاوره فيهما الإعلامي إبراهيم اليعربي وهذا من باب ضرب المثل ، وليس الحصر .


إنه محدث مصر الكبير : أبو إسحاق الحويني (حفظه الله ورعاه).

ندعوكم لقراءة : نحكي عن المحدث الحويني

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى