نبينا محمد ﷺ

متفق عليه

متفق عليه :

يجب علينا -كمسلمين- أن نهتم اهتمامًا كبيرًا بأحاديث المعلم صلى الله عليه وسلم ، التي تخرجنا من الظلمات إلى النور ، بإذن ربنا الغفور ، ونتعرف على صحة الحديث من عدمه ، ونعمل بما جاء فيه ، طالما كان صحيحًا ، ومن هذا لابد أن نعرف ماذا يعني : حديثٌ متفق عليه ؟

الحديث المتفق عليه : هو ما رواه إماما المحدثين : أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَة الجُعفِيُّ البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القُشَيْرِي النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة .

أو ما اتفق عليه الشيخان ؛ والشيخان هما : البخاري ومسلم .

وفي هذا الصدد ، قال الإمام السيوطي رحمه الله :

{ وإذا قالوا صحيح متفق عليه أو على صحته ؛ فمرادهم اتفاق الشيخين .

وقد يكون الحديث المتفق عليه مرويًّا من طريق صحابي واحد ، وقد يكون من طريق اثنين ، وقد يكون من طريق جماعة من الصحابة.

وليس معنى ” متفق عليه ” أن الرواة اتفقوا في لفظ الحديث ومعناه ، فقد يكون الحديث ورد بألفاظ مختلفة }.

– الجمع بين الصحيحين :

فكرة ( الجمع بين الصحيحين ) تعني العناية بالمتفق عليه بين الشيخين : البخاري ومسلم ، وكذلك العناية بمفردات كل منهما ، كما صنع أكثر المؤلفين فيه .

فالمتفق عليه جزء من ( الجمع بين الصحيحين ) وليس مساويًا له .

وقد عني جماعة من الأئمة السابقين والباحثين المعاصرين بالتصنيف في هذا الباب .

ومعنا خمسة من أشهر المصنفين الذين لاقت مصنفاتهم قبولًا واشتهارًا بين العلماء وطلبة العلم .

– المصنِّف الأول :

الحميدي ، وهو محمد بن فتوح أبي نصر ، المُتَوَفَى سنة (488هـ) ، واسم كتابه [ الجمع بين الصحيحين ] ، وهو من أفضل الكتب للباحث المتخصص في الجمع بين أحاديث الصحيحين ، خاصة وأن مؤلفه من العلماء المدققين في العلم ، له مؤلفات عديدة تشهد على تحريره وعنايته .

– المصنِّف الثاني :

ابن الخراط ، عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي ، المتوفى سنة (582هـ) ، واسم كتابه [ الجمع بين الصحيحين ].

عُرف عبد الحق الإشبيلي بالحفظ والإمامة في الحديث والفقه .

اعتمد المؤلف في جمعه هنا بين الصحيحين ( صحيحَ مسلم ) كأساس ، فابتدأ بحذف الأسانيد والمكرر منه ، ثم أتبعه بالنظر في ( صحيح البخاري ) مقارنة بها ، وبيانًا للمتفق عليه ، وزوائد كل من البخاري ومسلم ، يوردها في بابها منبهًا عليها ، وزيادات الروايات بعضها على بعض ، يتحرى الدقة البالغة فيها .

– المُصَنِّف الثالث :

محمد فؤاد عبد الباقي ، وكتابه هو : [ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ].

وسنأتي عليه بالتفصيل إن شاء الله تعالى .

– المصنِّف الرابع :

صالح أحمد الشامي ، باحث معاصر ، اسم كتابه [ الجامع بين الصحيحين ] ، طبعته دار القلم في دمشق في العام 1993م في مجلدين ، وقد سبقت طباعته طباعة كل من جمع الحميدي والإشبيلي محققين ، وكتب مقدمة نبه فيها على العديد من المسائل المهمة في هذا الباب .

رتّب كتابه على أبواب موضوعية خاصة به ، وقد كان منهجه في مفردات البخاري ومسلم اختيار الرواية الأعم والأشمل ، وفي المتفق عليه يقول فيه :
{ كانت طريقتي أن أضع أمامي روايات البخاري للحديث ، وكذلك روايات مسلم له ، ثم أختار النص الذي اتفقا عليه .
فإن كان هذا النص هو الأعم والأشمل اكتفيت به ، وإلا أشرت إلى الزيادات والفروق في الروايات الأخرى في كل منهما .
وحيث كان الحديث مُتفَقًا عليه ، فإني أثبت لفظ البخاري ، فإن كان في لفظ مسلم أو سياقه زيادة فائدة ، فإني أثبته أيضًا أو أشير إلى ذلك حسب مقتضى الحال }.

ثم اختصر كتابه هذا بـ [ الوافي بما في الصحيحين ] ؛ ليناسب طلبة العلم الراغبين في حفظ الكتاب بعيدًا عن تطويل الروايات وتنوعها.

– المصنِّف الخامس :

فضيلة الشيخ يحيى بن عبد العزيز اليحيى حفظه الله تعالى ، واسم كتابه [ الجمع بين الصحيحين للحفاظ ] ، مَثَّل مشروعًا عمليًّا -وليس بحثيًّا- لجمع الأحاديث المتفق عليها ، ثم مفردات كل من البخاري ومسلم ، بأسهل طريقة ، وأيسر عبارة ، تقريبًا لمن يرغب بحفظ الكتابين .

تداوله طلبة العلم مُصَوَّرًا قبل أن يصير الشيخ إلى طبعه ، فطبعته دار ابن الجوزي الطبعة الأولى في العام 1424هـ ، بيّن في مقدمته الموجزة منهجه باختصار قائلًا :
{ المتن هو لفظ البخاري ، وكله متفق عليه ، إما على لفظه أو على معناه ، ما عدا الموضوع بين قوسين ( ) فهو من مفردات البخاري.
كل ما في الحاشية من مفردات مسلم فقط .
كل أبوابه هي أبواب البخاري في صحيحه إلا ما أشرت إليه بنجمة ، هكذا : * .
الشواهد والمتابعات التي ليس فيها أحكام جديدة لم أثبتها هنا إلا يسيرًا ، ولكن أثبتها كلها في كتاب [ الجمع بين الصحيحين للباحثين ]}. (انتهى)

– اللؤلؤ والمرجان :

كتاب [ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ] لصاحبه محمد فؤاد عبد الباقي ، المتوفى سنة 1967م .

هو من أيسر كتب الجمع وأسهلها ، وأقربها إلى نفوس المبتدئين من طلبة العلم ، ومن اشتغل بالحفظ ، اعتمد في إيراد المتن على ألفاظ البخاري ، ولكنه رَتَّبَ الأحاديث على أبواب صحيح مسلم رحمه الله تعالى .

قال الرجل في مقدمته :
{ لهذا كان ترتيب صحيح مسلم هو الترتيب الذي توخيته وارتضيته ، فأخذت منه أسماء كتبه وأبوابه مع أرقامها ، وأخذت من صحيح البخاري نص الحديث الذي وافقه مسلم عليه .
وبيَّنت عقب سرد كل حديث موضعه من صحيح البخاري ، بذكر اسم الكتاب ، وعنوان الباب ، مع أرقامها }.

ولعل كون مؤلفه من أبناء العصر المتخصصين في الاشتغال بالفهرسة والجمع والترتيب لكتب السنة النبوية ؛ ساعد على تيسير كتاب [ اللؤلؤ والمرجان ] للقراءة والحفظ ، خاصة وأنه أخلاه من إيراد اختلاف الروايات والتنبيه على الفروق بينها ، كما لم يتطرق إلى المفردات ، ولم يخض في اختلاف نسخ الصحيحين ، وهكذا جاء كتابه مقتصرًا على تجريد المتفق عليه ، خاليًا من فوائد كتابي الحميدي والإشبيلي ، يمكن أن يكون أساسًا للمبتدئ في طلب العلم إذا أراد قراءة المتفق عليه أو حفظ ما يتمكن من حفظه من هذا الكتاب .

ندعوكم لقراءة : الشيخان المُحَدِّثان

– محمد فؤاد عبد الباقي :

(1882 – 1967)

باحث ومؤلف متخصص في الحديث النبوي الشريف .

ألَّف في تحقيق كتبه وتخريجها وفهرستها ، ووضع فهارس مفردات القرآن الكريم ، ومترجم باللغتين الفرنسية والإنجليزية لكتب المستشرقين في معاجم الحديث والقرآن .

وهو صاحب كتاب : [ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ].

– مصنفات أخرى :

وهذه مصنفات أخرى مطبوعة في ( الجمع بين الصحيحين ) ، ولكن ما سبق هي الأشهر والأوسع انتشارًا .

وبعض هذه المصنفات عليها مؤاخذات أضعفت منهجيتها البحثية .

  • ومن هذه المصنفات :
  1. الجمع بين الصحيحين ، للحسن بن محمد الصاغاني ، المتوفى سنة (650هـ) ، والمسمى [ مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية ] .. اقتصر الكتاب على الأحاديث القولية فقط ، ويلاحظ عليه أنه رتب الأحاديث فيه على كلمات في أبواب النحو ، مبتدئًا بمن الموصولة ، ثم الاستفهامية ، وهكذا ، في ترتيب غريب يشق معه على الباحث الوصول إلى الحديث .
    فضلًا عما زاده فيه من أحاديث [ مسند الشهاب ] للقضاعي وغيره ممزوجًا بالصحيحين .
  2. [ الجمع بين الصحيحين ] للموصلي ، أبي حفص الموصلي ، عمر بن بدر الكردي الحنفي (ت622هـ)، طبعه المكتب الإسلامي (1995م) ، بتحقيق صالح أحمد الشامي ، لخصه من [ جامع الأصول ] لابن الأثير ، وقد وقع في أخطاء بسبب النقل عن كتاب الحميدي دون التنبه للتفرقة بين ما زاد الحميدي من كتب أخرى ، وما هو في الصحيحين حقًّا ، كما لم ينبه على الجمع بين الروايات ، وقد بذل المحقق جهدًا في سبيل بيان ذلك .
  3. [ مسند الصحيحين وسنن الصحيحين ] ، لعبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي ، المتوفى سنة (1394هـ) ، وقد قسّمه إلى قسمين : القسم الأول : مسند الصحيحين ، رتبه على مسانيد الصحابة .
    القسم الثاني : مسند الصحيحين أو مصنف الصحيحين ، ورتبه على الأبواب على ترتيب صحيح مسلم .
    ويسوق الحديث بإسناده ، ويعزوه إلى الكتاب والباب في أصله .
  4. [ زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم ] لمحمد حبيب الله الشنقيطي ، طبعته دار إحياء الكتب العربية في خمسة مجلدات ، رتب مؤلفه أحاديثه على حروف المعجم ، ولم يبين منهجه في جمع الروايات والاختيار بينها .
  5. [ الجمع بين الصحيحين برواية الإمام مسلم ] ، ياسر بن إبراهيم السلامة ، طبعته دار الوطن في الرياض ، (1999م) ، وهو كتاب متقن ، قدّم له الدكتور إبراهيم اللاحم ، سرد فيه المؤلف الأحاديث سردًا من غير تبويب ، والتزم إيراد لفظ مسلم للحديث ، وعُدَّ من المتفق عليه ما اتفقا على متنهما وإن اختلف الصحابي .
    قال في مقدمته (ص12) : { ثم أتبعت كل حديث اتفقا عليه بذكر زيادات الشيخين أو أحدهما في روايات أخرى للحديث ، ولا أذكر من الروايات ما كان المعنى فيه موافقًا للمعنى المثبت في الأصل ، والتغاير إنما هو في التعبير ، وإنما اقتصرت على الروايات التي تستقل بمعنى جديد .
    ثم أذكر الشواهد للحديث إن وجدت }. (انتهى)
  6. [ كفاية المسلم في الجمع بين صحيحي البخاري ومسلم ] لمحمد أحمد بدوي .
  7. [ هَدْي الثقلين في أحاديث الصحيحين ] لمحمد لقمان السلفي ، دار الداعي ، ( ط1 عام 2000م ).
  8. [ إرشاد القاري إلى أفراد مسلم عن البخاري ] لعبدالله بن صالح العبيلان ، طبعته دار غراس في مجلدين ، (2002م) .
  9. 10. [ أفراد البخاري ] لأبي عمرو عبد الكريم الحجوري ، و [ أفراد مسلم ] له أيضًا .

هذا وننبه أخيرًا إلى أن المؤلفات في ” الجمع بين الصحيحين ” كثيرة في تاريخ علوم الحديث عبر القرون ، وإنما أوردنا هنا ما نعلمه مطبوعًا منها ، وأما الآخرون الذين تبين أن لهم مصنفات في ” الجمع بين الصحيحين ” لكنها في عداد المخطوط أو المفقود ، فهم :

الجوزقاني (388هـ) ، أبو مسعود الدمشقي (401هـ) ، ابن الفرات (414هـ) ، والقراب (414هـ) ، البرقاني (425هـ) ، عمر بن علي الليثي (466هـ) ، البغوي (516هـ) ، محمد بن حسين الأنصارى الحوضي (532هـ) ، عبد الرحمن بن يحيى الإشبيلي (580هـ) ، أبو عبدالله محمد بن حسين المري (582هـ) ، ابن الجوزي (597هـ) ، ابن زرقون (621هـ) ، أبو جعفر أحمد القرطبي المعروف بابن حجة (643هـ) ، المنذري (656هـ) ، ابن حجر العسقلاني (852هـ) .

( انظر : مقدمة تحقيق ” الجمع بين الصحيحين ” للإشبيلي : 1/11-15 وغيرها ).

بأبي وأمي أنت يا خير الورى … وصلاةُ ربي والسلامُ مُعطرا

يا خاتمَ الرسل الكرام محمدٌ … بالوحي والقرآن كنتَ مُطهرا

لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ … وبفيضها شهِد اللسانُ وعبّرا

لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ … فاقتْ محبةَ كل مَن عاش على الثرى

لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ … لا تنتهي أبدًا ولن تتغيرا

لك يا رسول الله منا نصرةٌ … بالفعل والأقوال عما يُفتَرَى

نفديك بالأرواح وهي رخيصةٌ … من دون عِرضك بذلها والمُشتَرَى

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى